بدء التوقيت الدستوري لتشكيل الحكومة العراقية بعد إقرار نتائج الانتخابات

الصدر يشكر بلاسخارت... و«كتائب حزب الله» تتهمها بالضغط على القضاء

أنصار الصدر يحتفلون في النجف مساء أول من أمس بمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات (رويترز)
أنصار الصدر يحتفلون في النجف مساء أول من أمس بمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات (رويترز)
TT

بدء التوقيت الدستوري لتشكيل الحكومة العراقية بعد إقرار نتائج الانتخابات

أنصار الصدر يحتفلون في النجف مساء أول من أمس بمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات (رويترز)
أنصار الصدر يحتفلون في النجف مساء أول من أمس بمصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات (رويترز)

رفعت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية أسماء الفائزين في الانتخابات التشريعية الأخيرة بعد المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية إلى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بعقد الجلسة الأولى للبرلمان.
وفيما ينتظر إصدار الرئيس العراقي برهم صالح مرسوما جمهوريا يدعو فيه إلى عقد جلسة البرلمان الأولى بعد 15 يوما من تاريخ المصادقة على النتائج أول من أمس، فإن الجو السياسي في البلاد لا يزال يعيش حالة اختناق نتيجة عدم قبول الجهات المسلحة قرار المحكمة الاتحادية والقبول الذي بدا قسريا من قبل بعض الأطراف التي وإن امتثلت لقرار المحكمة الاتحادية فإنها أبدت تحفظاتها على بعض فقراته لا سيما فيما يتعلق برد الطعون وعدم الاختصاص ومطالبة البرلمان المقبل بإجراء تعديل على قانون الانتخابات بما يجعل العد والفرز يدويا فقط.
القوى السياسية الفائزة في الانتخابات لا تزال منقسمة بشأن مفهومي الأغلبية والتوافقية. ففيما يصر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية فإن قوى الإطار التنسيقي لا تزال ترفض هذا الخيار وتطرح خيارا بديلا هو التوافقية الموسعة وهو ما يعني الجمع بين الأغلبية والتوافقية. وطبقا للتسريبات من داخل القوى الشيعية التي تنتمي إلى الإطار التنسيقي فإنها تخشى خطة الصدر القائمة من وجهة نظرهم ليس على قبول خيار المعارضة لمن لا ينسجم مع هذه الخطة، بل إقصاء أطراف معينة من داخل قوى الإطار التنسيقي وفي المقدمة من هذه الأطراف هو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الذي لا ينسجم معه الصدر. لكن قوى الإطار التنسيقي التي إن قبلت خطة الصدر فإنها سوف تفقد كتلة كبيرة تملك 33 نائبا هي كتلة المالكي وهو ما يعني أن الصدر، عبر كتلته الكبيرة (75 نائبا) وما يمكن أن ينضم إليه من كتل أخرى ومستقلين، هو الذي سيتحكم بالحكومة والبرلمان. وطبقا للتسريبات فإن القيادات المتشددة داخل «الإطار التنسيقي» لا تريد فتح جبهة مفتوحة مع الصدر الذي يملك كتلة صلدة متماسكة خشية أن يتآكل الإطار، لا سيما أن الانقسام بدا واضحا منذ الساعات الأولى بعد مصادقة المحكمة الاتحادية.
«الإطار التنسيقي» لم يتمكن من إصدار بيان باسمه حول نتائج الانتخابات، الأمر الذي يعني أن أول عملية انقسام داخله بدأت بعد المصادقة مباشرة بدءا من بيان التأييد الذي أصدره زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم الذي أكد التزامه بقرار المحكمة الاتحادية. وبعد الحكيم أعلن رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي تأييده لقرار المحكمة لتكون المفاجأة الأكبر إعلان زعيم تحالف الفتح هادي العامري، الذي طالب بإلغاء نتائج الانتخابات عبر الطعون التي قدمها، التزامه بقرار المحكمة الاتحادية.
أما ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، الذي لا يشكو من خسارة أصلا لكنه شارك قوى الإطار التنسيقي اعتراضاتها، فقد أصدر بيانا تحدث فيه عن التناقضات في قرار مصادقة المحكمة الاتحادية. وبذلك بدا موقف المالكي أكثر انسجاما مع موقف كتلة «عصائب أهل الحق» التي لم تعلن تأييدها لقرار الاتحادية كما لم تعلن موقفا معارضا له. ائتلاف دولة القانون ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين أعلن أحد قيادييه أن المتظاهرين والمعتصمين أمام بوابات المنطقة الخضراء سوف يبقون معتصمين إلى حين تشكيل الحكومة.
إلى ذلك، تبقى أهم عقدة في منشار المفاوضات والمشاورات هي في كيفية حسم «الكتلة الأكبر» داخل البرلمان التي يتوجب إعلانها داخل الجلسة الأولى للبرلمان الجديد. وبينما يصر الصدر على أن كتلته هي الأكبر فإن قوى الإطار التنسيقي ترى أنها تمكنت من جمع عدد أعضاء أكبر من كتلة الصدر وسوف ستعلن ذلك في الجلسة الأولى.
مع ذلك فإن باب التسويات لم يغلق بعد داخل البيت الشيعي المنقسم خصوصا. ففي إطار الجهود الهادفة إلى إيجاد حل وسط بين الطرفين سيتوجه وفد من الإطار التنسيقي قريبا إلى مدينة النجف للقاء مقتدى الصدر طبقا لما أعلنه أحد قياديي «الإطار التنسيقي».
على صعيد متصل، وفي الوقت الذي قدم الصدر شكره إلى المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت لما قامت به من دور إيجابي على صعيد الانتخابات فإن «كتائب حزب الله» اتهمتها مع السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر بالضغط على القضاء العراقي للمصادقة على النتائج. وذكرت «الكتائب» في بيان أمس أن ما جرى في الانتخابات التشريعية يعد أكبر عملية تزوير واحتيال في تاريخ الشعب العراقي الحديث. وعدت أن المفوضية تعرضت إلى أبشع أنواع الاستغلال، فضلا عن الابتزاز والتهديد والضغوط متهمة المحكمة الاتحادية بالرضوخ إلى ما أسمته الجهات المعادية للشعب العراقي، على حد وصفها.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.