إدارة بايدن ترتكب أخطاء فادحة في محاولتها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني (تحليل)

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
TT

إدارة بايدن ترتكب أخطاء فادحة في محاولتها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني (تحليل)

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

شهدت فيينا يوم الخميس الماضي استئناف إيران ومجموعة 1+4 (الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 دون مشاركة مباشرة من جانب الولايات المتحدة التي انسحبت منه في عام 2018.
وما زالت إسرائيل تطالب بوقف هذه المفاوضات، وتحث الدول الغربية على تغيير استراتيجيتها في التعامل مع إيران، وفي الوقت نفسه تتهم طهران واشنطن بوضع العراقيل أمام المفاوضات، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.
وأكد رئيس الوفد الإيراني في مفاوضات فيينا علي باقري كني أول من أمس (الجمعة)، أن سلوك بلاده المسؤول أبقى الصفقة حية، وقال: «نحن جادون في المفاوضات ودخلناها بحسن نية وسنستمر كذلك».
وفي تقرير نشره «معهد جيتستون» الأميركي، قال المحلل السياسي الدكتور مجيد رفيع زاده، رئيس المجلس الدولي الأميركي لـ«الشرق الأوسط»، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هدفها ليس الوقف الدائم للبرنامج النووي الإيراني المعيب بشدة، ولكن مجرد تقييد البرنامج النووي لفترة زمنية ترفع خلالها العقوبات التي تضر إيران اقتصادياً.
وأضاف أن إدارة بايدن اقترحت فترة تقييد جديدة مدتها 25 عاماً، مفترضة أن إيران لن تخفضها إلى عشر سنوات أو خمس سنوات. وقال رفيع زاده، عضو مجلس إدارة صحيفة «هارفارد إنترناشيونال ريفيو» بجامعة هارفارد، إن هذا سوف يسمح لإيران باستئناف تخصيب اليورانيوم عند أي مستوى ترغب فيه، وتشغيل الكثير من أجهزة الطرد المتقدمة حسبما ترغب، وجعل مفاعلاتها النووية تعمل بكامل طاقتها، وبناء مفاعلات جديدة لإنتاج الماء الثقيل، وإنتاج وقود بالقدر الذي ترغب فيه للمفاعلات، والاحتفاظ بقدرة أعلى لتخصيب اليورانيوم دون قيود بعد انتهاء فترة سريان الاتفاق.
ويشبر رفيع زاده إلى أنه يمكن القول بكل تأكيد إن إيران، من خلال سجل نهجها، سوف تنتهك سراً القواعد خلال سريان أي اتفاق. ومن الناحية التكنولوجية، يمكن القول إنه بعدما تصبح إيران على اعتاب أن تصبح دولة نووية، فإن مجرد أسابيع تكون كافية لتحويل ما لديها من مواد إلى مادة يمكن استخدامها في تصنيع أسلحة نووية.
وعلاوة على ذلك، تعتزم إدارة بايدن أيضاً، بعد قيامها برفع بعض العقوبات، شطب العقوبات الباقية المفروضة على إيران في اليوم الأول للاتفاق، حتى قبل أن تنصاع لأي شيء من التزاماتها.
وأوضح رفيع زاده أنه حينئذ، لن تتمتع واشنطن بالفعل بأي نفوذ فعلي على إيران، التي سوف تنضم على الفور إلى المجتمع الدولي وتزيد مبيعاتها من النفط والتجارة، مما يضمن للدوائر الحاكمة سيطرتها على السلطة، ويزيل على الأقل الخطر الاقتصادي الذي يصاحب الاضطرابات المحلية الضخمة، ويزيد من تهديد سيطرة حكام إيران القمعية على السلطة.
وقال رفيع زاده إن هذا هو نفس الخطأ الخطير الذي ارتكبته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. ففي عام 2015. حصل النظام الإيراني على اتفاق مرضٍ للغاية، وتم في يوم واحد، رفع كل عقوبات الأمم المتحدة، التي كانت تشكل ضغطاً على إيران واستغرق إعدادها عقوداً وقدراً كبيراً من الجهود السياسية.
وأوضح رفيع زاده أنه إذا ما تم رفع كل العقوبات مرة أخرى فور إحياء الاتفاق النووي، وتقرر إيران فيما بعد انتهاك شروط الاتفاق، فلن يجد الغرب إجماعاً في مجلس الأمن لإعادة فرض عقوبات على إيران، حيث سوف تصوت الصين وروسيا بالرفض على ذلك.
وأشار رفيع زاده إلى أن المجتمع الدولي شهد كيف قامت إيران بتوسيع برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية وإطلاق المزيد منها بعد الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 رغم قرار أصدره مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن.
واختتم رفيع زاده تقريره متسائلاً عن سبب رغبة إدارة بايدن في اقتراح اتفاق نووي مع إيران لن يؤدي سوى لتمكينها وتشجيعها على القيام بتصرفات عدائية.



«لجنة لإدارة غزة» وتحذير ترمب... هل يسرّعان «اتفاق الهدنة»؟

فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«لجنة لإدارة غزة» وتحذير ترمب... هل يسرّعان «اتفاق الهدنة»؟

فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يجلسون وسط الأنقاض في موقع غارة إسرائيلية على منزل بالنصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

تطورات جديدة يشهدها حراك التوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة، مع حديث عن اتفاق «مبدئي» بين حركتي «فتح» و«حماس» بشأن تشكيل لجنة لإدارة القطاع عقب اجتماعات بالقاهرة، وتحذيرات غير مسبوقة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب تضع مهلة تمتد إلى نحو 50 يوماً لإبرام صفقة للرهائن «وإلا سيدفع الشرق الأوسط ثمناً باهظاً»، وتأكيد مصر على استمرارها في العمل «بلا هوادة» لوقف دائم لإطلاق النار.

تلك التطورات التي صاحبها إعلان «حماس» عن مقتل وفقْد 33 أسيراً لديها، يشي بحسب خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، بأن «هناك اتفاقاً يكون قريباً، وأن كل طرف يستعد لمشهد اليوم التالي من الحرب ويمارس حالياً أقصى الضغوط لنيل مكاسب ولو إعلامية»، متوقعين أن «تساعد المهلة الانفعالية التي وضعها ترمب، فريق الرئيس الأميركي الحالي جون بايدن للتوصل لاتفاق في أقرب وقت ممكن».

وكشف مصدر فلسطيني مطلع في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، عن أن «حركتي (فتح) و(حماس) اتفقتا بشكل مبدئي عقب سلسلة اجتماعات بالقاهرة، على تشكيل لجنة تحمل اسم الإسناد المجتمعي ستكون معنية بإدارة قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب».

فلسطيني يسير بجوار الأنقاض وهو يحمل كيساً من الدقيق في خان يونس جنوب غزة (رويترز)

وتشير معلومات المصدر الفلسطيني إلى أن الجولة الثالثة بين الحركتين بالقاهرة بعد جولتين أخريين في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، «نجحت في التوصل لاتفاق مبدئي على تشكيل تلك اللجنة ولا يعني عدم التوقيع عليها فشلها»، مضيفاً: «الكرة الآن في ملعب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لمنح موافقة مبدئية على مسودتها المتفق عليها على أن يعود الأمر للقاهرة مرة ثانية ويعرض في اجتماع للفصائل، سيليها بعد التشاور صدور مرسوم نهائي بأعضاء اللجنة ومهامها تفصيلاً».

وستشكل اللجنة «حسب الاتفاق المبدئي من تكنوقراط دون تبعية لـ(حماس) أو (فتح)، وستُدمج كل القطاعات الحكومية بالقطاع داخل نظامها الإداري بدءاً من الشرطة والوزارات وغيرهما وصولاً لتسلم معبر رفح من الجانب الفلسطيني وإدارته»، وفق المصدر ذاته.

ويوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن لجنة الإسناد المجتمعي فكرة مصرية تقوم على عناصر مستقلة تدير غزة لقطع أي ذرائع إسرائيلية تعارض عودة «حماس» لإدارة القطاع، لافتاً إلى أن المعلومات الأولية التي لم تؤكدها القاهرة بشأن حدوث اتفاق بين الحركتين، وأنهما لن يكونا بالإدارة أو الواجهة، ستعزز الموقف الفلسطيني في مسار اليوم التالي من الحرب والتوصل لاتفاق هدنة قريب.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن تلك الفكرة المصرية يمكن وصفها بأنها خارج الصندوق ومتميزة، معتقداً أنها «تسير بشكل إيجابي، لمواجهة أزمة إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو على عدم بقاء (حماس) بالسلطة».

ويعتقد أن «الموافقة تأتي في توقيت مهم وقد تساعد في التوصل لهدنة قريبة وتسهل مهام تسلم معبر رفح من الجانب الفلسطيني»، لافتاً إلى أن موقف «حماس» يؤكد أن الأمور تسير بشكل إيجابي، وأن الحركة تفهمت استحالة بقائها بالحكم في غزة، وأنها تريد فقط حفظ ماء الوجه وبالتالي قبولها الاتفاق بعد جولات من التفاهمات منطقي وسيدخل حيز التنفيذ.

وجاء التوصل لاتفاق مبدئي بشان إدارة غزة، غداة تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الاثنين، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

وعبر منصته «تروث سوشال»، قال ترمب: «إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصبي رئيساً للولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم سيدفع في الشرق الأوسط ثمنه الباهظ، وأولئك المسؤولون الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية»، وفق «سي إن إن» الأميركية.

ورحب نتنياهو في فيديو قصير باللغة الإنجليزية خلال اجتماع حكومي ونشره مكتبه الثلاثاء بموقف ترمب، وقال إنه «موقف قوي ويضيف قوة أخرى إلى جهودنا المستمرة للإفراج عن جميع الرهائن».

وبحسب «سي إن إن»، «تم احتجاز أكثر من 250 شخصاً رهائن، في 7 أكتوبر 2023، وتم إنقاذ عدد قليل من الرهائن منذ ذلك الحين وفي نوفمبر 2023 تم إطلاق سراح أكثر من 100 شخص جزءاً من صفقة قصيرة الأمد لوقف إطلاق النار».

وتعتقد السلطات الإسرائيلية أن «نحو 101 رهينة لا يزالون محتجزين في غزة، ويُعتقد أن ما لا يقل عن 34 من الرهائن الذين تم احتجازهم في 7 أكتوبر لقوا حتفهم»، وفق المصدر ذاته.

وتتفق تلك التقديرات الأميركية بشأن مقتل الرهائن، مع ما أعلنته «حماس» الاثنين، عبر مقطع فيديو مصور نشرته الحركة يكشف عن أن «33 أسيراً إسرائيلياً قُتلوا وفُقدت آثار بعضهم مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة»، مخاطباً ذوي الرهائن بالقول: «مقتل بعض الأسرى وفقدان بعضهم كان بسبب المجرم نتنياهو وجيشه الفاشي وباستمرار حربكم المجنونة قد تفقدون أسراكم إلى الأبد، افعلوا ما يجب عليكم فعله قبل فوات الأوان».

ويرى السفير رخا، أن تصريحات ترمب «انفعالية»، نتيجة «متابعته فيديو لأسير أميركي - إسرائيلي صدر قبل أيام، وتأتي في ظل جهد دولي يسعى لمحاولة وقف إطلاق النار في غزة وفتح المعابر»، لافتاً إلى أنها قد تشكّل ضغطاً على نتنياهو للقبول بالاتفاق، خصوصاً وأنه يعلم أنه قد تتم التضحية به في أي مرحلة مستقبلية حال استمر بالمراوغة.

وباعتقاد الرقب، فإن «تهديد ترمب للمنطقة من باب الضغط على المفاوضات التي تتم حالياً وقد تصل لاتفاق قريب، وهذا أسلوب يكشف عن أن الرئيس القادم سيسكب وقوداً مع كل أزمات المنطقة لحلها»، لافتاً إلى أن تجاوب نتنياهو معه متوقع.

تلك المفاوضات كشف عنها وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي في تصريحات بمؤتمر صحافي، الاثنين، قائلاً إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

وكشف عبد العاطي، عن أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى بـ(اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو (أيار) الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

ويعتقد السفير رخا، أن الجهود المصرية قد تكلل بنجاح في هذه المرة خصوصاً وهناك احتمال كبير أن يتم اتفاق الهدنة قبل وصول ترمب للسلطة. وبرأي الرقب، فإن «القاهرة تبذل جهوداً كبيراً في إنهاء ملفات عالقة سواء بدعم تشكيل اللجنة أو التوصل لاتفاق هدنة، والكرة الآن في ملعب نتنياهو لحسم التوصل لاتفاق كما يرغب ترمب قبل وصوله، وأيضاً في ملعب أبو مازن لاعتماد مسودة الاتفاق بعد مشاورات الفصائل وتسويقه عربياً ودولياً لضمان نجاحه».