البرامج الانتخابية للمرشحين... «الهدف الغائب» في الاستحقاق الليبي

بين أولويات الاصطفاف الجهوي والدعم القبلي

إحصاء بآخر أعداد المرشحين لمجلس النواب الليبي حتى الثاني من الشهر الجاري (مفوضية الانتخابات)
إحصاء بآخر أعداد المرشحين لمجلس النواب الليبي حتى الثاني من الشهر الجاري (مفوضية الانتخابات)
TT

البرامج الانتخابية للمرشحين... «الهدف الغائب» في الاستحقاق الليبي

إحصاء بآخر أعداد المرشحين لمجلس النواب الليبي حتى الثاني من الشهر الجاري (مفوضية الانتخابات)
إحصاء بآخر أعداد المرشحين لمجلس النواب الليبي حتى الثاني من الشهر الجاري (مفوضية الانتخابات)

يكاد تكون البرامج الانتخابية للمرشحين الكثر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة في ليبيا هي الغائب الأبرز عن هذا الاستحقاق الذي يتنافس فيه كثيرون.
ففي ظل ما تشهده الساحة من انقسام واضح، طُرحت مجموعة من التساؤلات حول المعايير التي سيختار الناخب مرشحه على أساسها، وهل سيكون في مقدمتها وجود برنامج انتخابي قادر على ملامسة واقعهم اليومي ووضع الحلول لإنهاء معاناتهم؟ لكن الإجابات في معظمها جاءت لتعكس واقعاً محكوماً بمعايير مختلفة، ربما الاصطفاف الجهوي ودعم ابن القبيلة في مقدمة أولويات غالبية الناخبين.
عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة، على الرغم من تفاؤله بمشاركة أعداد كبيرة في الانتخابات المقبلة، فإنه رأى أن «فئة محدودة من الناخبين فقط هي من ستفاضل بين المرشحين للرئاسة أو البرلمان على أساس برامجهم الانتخابية، في مواجهة أغلبية حسمت قرارها لاعتبارات قبلية وجهوية، أو بالاصطفاف وراء تيار أو مشروع سياسي بعينه».
وقال أوحيدة لـ«الشرق الأوسط»: «الكل يختار حسب قناعاته وثقافته، ووعيه بجسامة عملية التصويت ودورها في تحسين وضع البلاد عبر اختيار المؤهلين واستبعاد غيرهم، وبالتالي سنجد ناخبين قرروا دعم مرشح ما لكونه فقط ابن قبيلتهم أو مدينتهم، كما سنجد آخرين يؤيدون مرشحاً يرى أنه يمتلك من عوامل القوة والقدرة ما يؤهله لقيادة البلاد بشكل أفضل والدفع لاستقرارها، كما الحال فيمن يؤيدون المرشح خليفة حفتر، (القائد العام للجيش الوطني المتنحي مؤقتاً) باعتباره شخصية عسكرية استطاعت بالماضي القريب تطهير مدن الشرق من الجماعات الإرهابية، وبالتالي سيسهل عليه بالمستقبل مواجهة التشكيلات المسلحة المنفلتة وفرض سيادة القانون».
من جهتها، قالت عضو مجلس النواب ابتسام الرباعي، إنها تطلع إلى «برنامج انتخابي يتعهد فيه المرشح إذا فاز بإنهاء الخلاف التشريعي والعمل على وضع دستور للبلاد، كأولوية لخطة مدته الرئاسية»، لكنها تستبعد «إمكانية تحقيق ذلك». وذهبت الرباعي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن توجهات التصويت في الانتخابات المقبلة سترتبط بنسبة كبيرة بالصراع الراهن بين تيارات «ثورة فبراير (شباط)» و«أنصار النظام السابق» و«الكرامة» بالشرق الليبي، إلى جوار «المال الفاسد». وقالت إن «الدعوة لعقد الانتخابات في ليبيا لم تأتِ في إطار طبيعي أو دوري، بل بضغط من الأمم المتحدة لإنهاء الصراع»، وبالتالي، وفقاً لحديثها، و«قبل أن تتحقق المصالحة الوطنية، من الطبيعي أن يتم اختيار الرئيس المقبل في ضوء معايير الصراع و(المال الفاسد) فقط، حتى الدور القبلي أو الجهوي لن يكون له أثر يذكر».
وتابعت: «للأسف نحن كليبيين لم يعد لنا خيار، والمفروض أن نقبل بالنتائج مهما كانت، وندفع ضريبة خلافاتنا».
بدورها، أيدت الأمين العام السابق لحزب «الجبهة الوطنية» فيروز النعاس، الطرح السابق، معتبرة أن الصراع بين «مراكز القوى ألقى بظلاله الكثيفة على مجمل العملية الانتخابية بما في ذلك القوانين المنظمة لها، ما دفع البعض لانتقادها ورفضها أيضاً، وبخاصة قانون الانتخابات الرئاسية».
وقالت النعاس: «هذه الأجواء حفزت قطاعاً كبيراً من الليبيين لمعرفة نتائج الطعون الانتخابية تخوفاً من احتمالية استبعاد مرشحهم، وذلك بدلاً من التفكير بوعي والبحث عن برنامج انتخابي لمرشح رئاسي يضمن إنعاش الاقتصاد، وتوفير فرص عمل للشباب والقضاء على المشاكل والأزمات التي أثقلت كاهلهم طيلة العقد الماضي».
وبجانب توقعها بألا تكون هناك فرصة كافية لاستعراض برامج المرشحين نظراً لكثرة أعدادهم، أمام المدة الزمنية المحدودة بين موعد انطلاق الحملات الدعائية في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وموعد إجراء الانتخابات في الـ24 من الشهر ذاته، لفتت النعاس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى عائق آخر قد يحد من رغبة الناخبين في مطالعة البرامج وهو «الخبرة (السلبية) التي تشكلت لدى عموم الليبيين بسبب» عدم إيفاء أي مسؤول سابق بتعهداته لهم، فضلاً عن «التشابه وتكرار بنود تلك البرامج من حيث العزف على ذات وتر معاناة الليبيين من خدمات الكهرباء والوضع الصحي والتعليم، وتكرار تقديم حلول في الأغلب غير مفهومة للبسطاء تتركز على تحرير الاقتصاد من هيمنة الحكومة». واعتبرت أن تلك «(الخبرة السلبية) قد تكون مدخلاً لفهم الشعبية التي بات يتمتع بها المرشح عبد الحميد الدبيبة، (رئيس حكومة الوحدة الوطنية) خلال أشهر قليلة، لتمكنه من استرضاء المكونات والشرائح البسيطة من الشعب عبر حديثه إليهم بلهجة عامية سهلة، وأيضاً بحلحلة بعض مشاكلهم الاقتصادية وتقديم الدعم لشريحة الشباب المقبلين على الزواج».
أما الناشطة السياسية فاطمة التكروي، وبالرغم من إقرارها بأنها اختارت المرشح للرئاسة الناشط الشاب مصدق حبرارة، لاقتناعها بما طرحه من آراء سياسية، فإنها تستبعد اتباع كثير من أقرانها الشباب لهذا النهج. وقالت التكروي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «نسبة كبيرة من الفتيات والسيدات بمن فيهن خريجات الجامعات والمعاهد العليا سيجبرن على تأييد المرشح الذي قررت أسرتها تأييده». ولفتت إلى أن «الشباب قد ينتهي بهم الحال لعدم المشاركة بالاستحقاق رغم تسلمهم بطاقاتهم الانتخابية، بالنظر إلى ازدياد الغموض والصراعات».
وانتهت إلى أن «البعض من الشباب يرجح فوز الدبيبة، في السباق الرئاسي، نظراً لإدارته طيلة الأشهر الماضية حملة دعائية ناجحة بكل المقاييس في أوساط الشباب والعائلات»، مستكملة: «طالما عُرف الفائز مقدماً فلا داعٍ للمشاركة، وبالتبعية لا داعٍ لمطالعة أي برامج انتخابية»، بحسب قولها. هذا، إلى جانب ما تراه «تقويضاً مبكراً لنزاهة العملية الانتخابية عبر ما يروج لبيع البطاقات الانتخابية بأسعار وصلت إلى ألف دولار بطرابلس، وثلاثة آلاف دولار في سرت».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.