مقدسي يُجبر على هدم منزله بيديه

السلطة تشكو لمجلس الأمن محاولات تغيير التركيبة السكانية والوضع القانوني للقدس

نفذت الشرطة الفلسطينية عملية أمنية أمس في القسم الخاضع لسيطرة إسرائيل بمدينة الخليل بالضفة الغربية، واعتقلت عدداً من الأشخاص بتهم مختلفة (إ.ب.أ)
نفذت الشرطة الفلسطينية عملية أمنية أمس في القسم الخاضع لسيطرة إسرائيل بمدينة الخليل بالضفة الغربية، واعتقلت عدداً من الأشخاص بتهم مختلفة (إ.ب.أ)
TT

مقدسي يُجبر على هدم منزله بيديه

نفذت الشرطة الفلسطينية عملية أمنية أمس في القسم الخاضع لسيطرة إسرائيل بمدينة الخليل بالضفة الغربية، واعتقلت عدداً من الأشخاص بتهم مختلفة (إ.ب.أ)
نفذت الشرطة الفلسطينية عملية أمنية أمس في القسم الخاضع لسيطرة إسرائيل بمدينة الخليل بالضفة الغربية، واعتقلت عدداً من الأشخاص بتهم مختلفة (إ.ب.أ)

اضطر مقدسيون من عائلة جابر إلى هدم منزلهم بأيديهم بعد نحو 30 عاماً على بنائه، بعد إخطار إسرائيلي رسمي بالهدم في فترة محددة.
ولجأت العائلة لهدم المنزل تجنباً للثمن المالي الباهظ الذي ستضطر العائلة لدفعه لبلدية الاحتلال في القدس إذا هي نفذت الهدم بعد انتهاء المهلة المحددة، وهي خسارة ثانية يضطر المقدسيون لتكبدها فوق خسارة منازلهم.
وهدم شبان العائلة المنزل المقام في وادي الجوز بالقدس مستخدمين مهدات وأدوات يدوية.
وشوهد نادر جابر، وهو صاحب المنزل، وهو يقوم بهدم جدران وسقف المنزل عبر مهدة ثقيلة، في عمل شاق وطويل استمر طيلة اليوم.
وقال جابر إن المنزل مقام منذ عام 1991 ومنذ ذلك الوقت فرضت البلدية جملة من المخالفات حتى تقرر هدمه. وأضاف «لقد أجبرونا على هدم المنزل بعد إخطار رسمي بهدمه، وفرض دفع غرامة مالية باهظة في حال عدم تنفيذ ذلك». وتابع: «أجبرتنا البلدية على الهدم بحجة البناء دون ترخيص، وطيلة السنوات الماضية رفضوا منحنا أي تصاريح». وأردف: «اليوم نهدم شقاء والدتنا وذكرياتنا بأيدينا».
وجابر ليس أول فلسطيني يضطر إلى هدم منزله بيديه أو تهدمه له إسرائيل في مدينة القدس بحجة البناء من دون ترخيص. وعادة لا يستطيع عدد كبير من الفلسطينيين في المدينة استيفاء الإجراءات الصعبة والمعقدة التي تطلبها بلدية الاحتلال، مقابل منحهم رخص البناء، وهي إجراءات تحتاج إلى سنوات وتكلف عشرات الآلاف من الدولارات.
ويقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة «بتسليم» إن إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لمنع التطوير والبناء المخصص للسكان الفلسطينيين، مقابل البناء واسع النطاق وتوظيف الأموال الطائلة في الأحياء المخصصة لليهود فقط، وفي كتل الاستيطان التي تشكل «القدس الكبرى».
ويعيش آلاف الفلسطينيين في المدينة تحت التهديد المستمر بهدم منازلهم أو محالهم التجارية، والتي يقدرها المسؤولون الفلسطينيون بأكثر من 20 ألف منزل. ويقول وزير القدس في السلطة الفلسطينية فادي الهدمي إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هدمت ما يزيد على 62 مبنى في المدينة منذ بداية العام الجاري.
ويشير الهدمي إلى أن خطر الإخلاء القسري للعائلات الفلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح «ما زال قائماً»، ويوضح أن خطر الإخلاء يهدد 86 عائلة في حي بطن الهوى، فيما يهدد الهدم 100 منزل في حي البستان في سلوان بالقدس المحتلة.
وبعث المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، مساء الجمعة، ثلاث رسائل متطابقة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر (كينيا)، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن سياسات وممارسات إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، في فلسطين المحتلة.
ونوه منصور إلى «الوضع الحرج في القدس المحتلة جراء مواصلة إسرائيل بناء المستوطنات غير القانونية وهدم المنازل والطرد القسري ومصادرة الأراضي، بهدف عزل المدينة عن بقية الأراضي المحتلة»، مشيراً إلى إعلان الحكومة الإسرائيلية قبل أيام «ما يسمى بـ(الموافقة المسبقة) على البناء غير القانوني لأكثر من 3000 وحدة استيطانية، الأمر الذي يتناقض مرة أخرى بشكل صارخ مع كل مبدأ وقاعدة أقرها وأعاد تأكيدها مجلس الأمن»، مشدداً على ضرورة قيام المجتمع الدولي بمطالبة إسرائيل مرة أخرى بالوقف الفوري لجميع أنشطتها الاستيطانية غير القانونية بجميع مظاهرها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وشدد على ضرورة امتثال إسرائيل لالتزاماتها القانونية، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، بحسب ما أكد عليه قرار مجلس الأمن 2334، أو «أن تواجه عواقب سلوكها المارق».
كما نوه منصور إلى مواصلة «الجماعات الاستيطانية المتطرفة التي ترعاها دولة الاحتلال عمليات التوغل المنسقة في المسجد الأقصى المبارك، بهدف تأكيد السيطرة والسيادة الإسرائيلية على الحرم الشريف كجزء لا يتجزأ من محاولاتها لترسيخ الاحتلال في المدينة المقدسة ومحو هويتها الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية». وحذر مرة أخرى من أن «مثل هذا السلوك، إلى جانب المحاولات المستمرة لتغيير التركيبة السكانية والطبيعة والوضع القانوني للقدس، بما في ذلك من خلال الاستيلاء على منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم وبنيتهم التحتية وهدمها، يلحق أضراراً جسيمة بالسكان الفلسطينيين في القدس ويؤجج التوترات الدينية».
وشدد منصور على أهمية «توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني التي طالما حرم منها رغم استمرار ارتكاب أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، في جميع مناطق فلسطين المحتلة». واستشهد بتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن الفترة ما بين 8 - 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، والذي أفاد باعتقال 41 طفلاً في القدس الشرقية وقتل طفل واحد في بيت لحم «في انتهاك خطير لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، والالتزام بحماية الأطفال في القدس الشرقية، بما يتماشى مع مواثيق حقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.