الصدر يمهد لتشكيل الحكومة بانفتاح مشروط على واشنطن

من بينها استقلالية القرار العراقي وإبعاد البلاد عن صراعات أميركا الإقليمية

TT

الصدر يمهد لتشكيل الحكومة بانفتاح مشروط على واشنطن

في تحول بدا مفاجئاً للمراقبين السياسيين أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، انفتاحاً مشروطاً على الولايات المتحدة الأميركية، في خطوة تمهد لتشكيل الحكومة المقبلة. خطوة الصدر البراغماتية هذه جاءت بمثابة غلق آخر فتحة يمكن أن يتنفس منها خصومه الذين يراهنون على موقف الصدر الصارم لجهة رفضه الجلوس مع الأميركيين في حال أصر على تسليم الحكومة لشخصية من تياره.
يذكر أن أياً من قياديي التيار الصدري سواء في الهيئة السياسية أو داخل البرلمان لم يلتقوا أياً من المسؤولين الأميركيين بدءاً من السفراء الأميركيين الذين توالوا على تمثيل بلادهم في بغداد. ومع أن هذا الموقف ينسحب على البريطانيين، لكن بدرجة أقل، فإن السفير العراقي في المملكة المتحدة هو جعفر محمد باقر الصدر، ابن عم مقتدى الصدر.
جعفر الصدر كان إلى حد قبل فترة قصيرة أحد الأسماء المتداولة لتشكيل الحكومة. لكن إعلان الصدر مؤخراً أنه يرفض تسليم الوزارة إلى شخصية من آل الصدر خشية تلطخ سمعة عائلته في ملفات الفساد أبعده عن المنافسة التي انفتحت إما على صدريين لكن من غير آل الصدر مثل أمين عام مجلس الوزراء حميد الغزي أو رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي كرر الصدر شكره له في الأيام الماضية كثيراً. مع ذلك فإن الصدر وما إن شكل لجنته التفاوضية مع الكتل الأخرى لبحث إجراءات تشكيل الحكومة، صدرت تغريدة من رئيس هذه اللجنة حسن العذاري بشأن إمكانية تولي امرأة منصب رئاسة الحكومة خلطت الأوراق من جديد. وكان الصدر أعلن مساء أول من أمس حين أعلنت المفوضية النتائج النهائية القابلة للطعن في غضون ثلاثة أيام أنه قبل بهذه النتائج. وقال في بيان: «أعلنت القبول بقرار المفوضية وإعلان النتائج مهما كانت»، مضيفاً أنه «تبين لنا أن الكتلة الصدرية هي الأكبر انتخابياً وشعبياً وكله بعين الله ومن أفضاله». وأضاف: «سنسعى إلى تحالفات وطنية لا طائفية ولا عرقية نزيهة تكون ساهرة على حماية الوطن وأمنه وسيادته».
ودعا الصدر جميع أطياف الشعب العراقي إلى المساهمة في «إصلاح الوطن معاً وتخليصه من الفساد والاحتلال والتطبيع والإرهاب والتبعية والخضوع».
وفيما يتعلق بشروط الصدر لإمكانية التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية عند تشكيل الحكومة من قبل كتلته، قال: «لعل من  أهم ما ينتظره العالم في تسنم التيار الصدري رئاسة الوزراء، هو موقفنا من (أميركا) أو (الاحتلال) فهنا أقول: لنا بعض النقاط المهمة التي تخرج العراق من التبعية لأي أحد». وحدد الصدر 7 شروط لإمكانية التعامل مع الولايات المتحدة وهي التعامل مع الحكومة العراقية بالمِثل، والحوار الجاد والفاعل فيما يخص بقاء قواتها ومعسكراتها وطائراتها وبوارجها وتدخلاتها في العراق. ومضى الصدر في تحديد شروطه قائلاً إن «ثورات الشعب ومظاهراته شأن داخلي وأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، وكذلك إبعاد العراق أرضاً وجواً وبحراً وشعباً عن صراعاتها الإقليمية أياً كانت». كما جدد الصدر التأكيد على استقلالية القرار العراقي طبقاً للمفهوم الذي يتبناه دائماً وهو «لا شرقية ولا غربية». كما أبدى الصدر الرغبة في التعامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة أو أي مجالات أخرى «إذا ما تحققت النقاط آنفة الذكر وإلا فلا يمكن أن نرضخ للضغوط والتبعية». واختتم الصدر شروطه بالقول إنه «في حال عدم تحقق ما سبق فهذا يعني أنها دولة معادية للعراق ولا تريد له الاستقرار».
ورغم إصرار الصدر وكتلته على أنهم الكتلة الأكبر فإن الجدل القانوني والدستوري لا يزال قائماً حول تفسير المحكمة الاتحادية للكتلة الأكبر، طبقاً لمادة 76 من الدستور العراقي. وفي هذا السياق يقول الخبير القانوني أحمد العبادي لـ«الشرق الأوسط» أن «الكتلة النيابية الأكثر عدداً هي طبقاً لقرار المحكمة الاتحادية عام 2010 هي إما الكتلة التي تدخل الانتخابات وتحصل على أعلى الأصوات أو الكتلة التي تتشكل من عدة كتل وتعلن داخل قبة البرلمان في الجلسة الأولى». وأضاف العبادي أن «هذه الكتلة إذا كان عدد النواب فيها أكثر من الباقين هي التي تكلف بتشكيل الحكومة، وذلك طبقاً لهذا التفسير الذي أعادت المحكمة الاتحادية تفسيرها خلال انتخابات عام 2014».
لكن الخبير القانوني طارق حرب يرى أن «رئيس الجمهورية ملزم بتكليف مرشح الكتلة الصدرية، لأن المادة 45 من قانون انتخاب مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020 (الذي صدر بعد قرارات المحكمة العليا السابقة) لم يطعن به لدى المحكمة العليا، وهذه المادة منعت الانتقال للنائب وللحزب وللكتلة، لا كما يفسرها البعض خطأ بأنها منعت النواب فقط ولم تمنع الأحزاب والكتل، وفي ذلك تنص المادة 45؛ (لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف مع حزب أو كتلة أو قائمه أخرى)»، مبيناً أن «هذا النص صريح ولا يحتاج إلى تعليق أو شرح حيث إن المنع مطلق وشامل للنائب والحزب والكتلة».  



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.