بري لـ«الشرق الأوسط»: أمام حكومة ميقاتي 45 يوماً للنجاح... أو الفشل

انتقد «التلهي بـ «التعيينات والتشكيلات»... وأكد أن لا تمديد لولاية البرلمان

الجيش اللبناني قدم مخزونا من المحروقات لمعامل الكهرباء يكفي لثلاثة أيام
الجيش اللبناني قدم مخزونا من المحروقات لمعامل الكهرباء يكفي لثلاثة أيام
TT

بري لـ«الشرق الأوسط»: أمام حكومة ميقاتي 45 يوماً للنجاح... أو الفشل

الجيش اللبناني قدم مخزونا من المحروقات لمعامل الكهرباء يكفي لثلاثة أيام
الجيش اللبناني قدم مخزونا من المحروقات لمعامل الكهرباء يكفي لثلاثة أيام

أعطى رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مهلة شهر ونصف الشهر للنجاح أو الفشل، منتقداً بشدة «التلهي بالتعيينات، ورغبات بعضهم بالسيطرة على هذا الموقع أو ذاك». وجزم بري بأن الانتخابات البرلمانية سوف تحصل في الربيع المقبل، مهما كانت الظروف، وبالتالي فإن «تمديد ولاية البرلمان الحالي غير مطروح».
وكشف بري، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بضرورة الاستعجال في العمل، معتبراً أن الفرصة أمام حكومة ميقاتي «لا تتعدى شهراً ونصف الشهر». فمع بداية ديسمبر (كانون الأول) «يصبح البرلمان شبه معطل؛ أولاً بسبب الأعياد، وثانياً بسبب قرب موعد الانتخابات، واتجاه النواب نحو حملاتهم الانتخابية». وقال بري: «خلال هذه الفترة، لا بد للحكومة من أن تكون قد أنهت النقاش مع صندوق النقد الدولي، أو على الأقل خطت خطوات عملية في هذا الاتجاه، وثانياً حل مشكلة الكهرباء، وإلا فإنها ستكون قد فشلت».
وانتقد بري ما سماه «التلهي بالتعيينات والتشكيلات»، معتبراً أن هذا «ليس مطلباً أساسياً الآن، فالمطلب هو الكهرباء التي انقطعت عن الناس، وسببت لهم ما تسببه من مشكلات ومعاناة، ولولا الجيش اللبناني الذي تبرع بمخزونه الاستراتيجي لكنا اليوم في العتمة الشاملة»، وختم قائلاً: «هذا ليس وقت التعيينات، وليس وقت هذا أو ذاك لينهش من هذا الطبق».
وفيما خص الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتباين حول موعدها، وقضية انتخاب المغتربين، قال بري: «نحن في كتلة (التنمية والتحرير) مع ما تقرره الهيئة العامة لمجلس النواب في نهاية المطاف؛ انتخاب المغتربين حق منصوص عنه في القانون الساري، وبالتالي من حقهم التصويت، لكن يبدو أن ثمة خلافاً بين (القوات) و(التيار الوطني الحر) حول ما إذا كان هؤلاء سيصوتون لستة نواب يمثلونهم أم يصوتون للنواب الـ128؛ نحن نرى أن من حقهم التصويت، والتفصيل يتحدد في الهيئة العامة».
ورأى بري أن تقريب موعد الانتخابات «أمر طبيعي»، فـ«الدستور يعطينا الحق بإجراء الانتخابات في أي موعد خلال فترة الشهرين التي تسبق نهاية ولاية المجلس، ونحن فضلنا موعد 27 مارس (آذار) من أجل تفادي إجراء الانتخابات والحملات الانتخابية خلال شهر رمضان المبارك. فإذا قررنا إجراء الانتخابات في موعد 8 مايو (أيار)، فستكون هناك صعوبة أمام المرشحين للقيام بجولات انتخابية، وإلقاء خطابات وزيارات، وغيرها من متطلبات الانتخابات».
واستغرب بري اعتراض «التيار الوطني الحر» (المؤيد لرئيس الجمهورية ميشال عون) على تقريب موعد الانتخابات، مشيراً إلى أنهم «كانوا يطالبون أساساً باختصار ولاية المجلس، وإجراء الانتخابات مبكراً»، وأضاف: «في نهاية المطاف، فإن ما تقرره الهيئة العامة للمجلس سينفذ، وعلى الجميع التقيد به طوعاً أو كراهية».
وأكد بري أن الانتخابات ستجري من دون شك، جازماً بأنه لن يكون هناك تمديد لولاية المجلس، معتبراً أن ما يتم الحديث عنه من ذرائع قد تؤدي إلى التأجيل، كـ«فقدان القرطاسية والأدوات اللوجيستية الأخرى، كما انقطاع الكهرباء، هي أمور يمكن تأمينها بسهولة، وكلها لا تساوي قيمة نصف حمولة باخرة وقود».
وكان نواب من كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري قد تناوبوا، أمس، على انتقاد «تباطؤ» حكومة ميقاتي في التعامل مع الأزمات. ورأى النائب محمد خواجة أن حكومة ميقاتي «تعمل بوتيرة عادية في ظروف استثنائية»، وسأل: «ألم تكن العتمة الشاملة تستأهل دعوة مجلس الوزراء للانعقاد الفوري؟ يجب على الحكومة إبقاء جلساتها مفتوحة للبحث عن حلول لأزمات الكهرباء، والقطاعات الخدماتية، وانهيار سعر العملة الوطنية، وغيرها، فمن هنا تبدأ مسيرة استعادة الثقة».
وشدد عضو الكتلة نفسها، النائب قاسم هاشم، على ضرورة «إيلاء الحكومة قضايا الناس الحياتية، من كهرباء وغلاء وكل التفاصيل اليومية، أولوية في حركتها التي يجب أن تحولها إلى مادة نقاش محورية في كل الاتجاهات للوصول إلى الحلول والمعالجات، ليستطيع اللبنانيون أن يثقوا بدولتهم، وبحرص حكومتهم على بذل كل جهد من أجل حياة كريمة لأبناء الوطن، في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية والمالية بعد انهيار العملة الوطنية، وفقدان اللبناني لمقدراته، حتى بات يشعر بأنه متروك لقدره». ورأى أن «المطلوب من الحكومة قرارات استثنائية لظروف أكثر من استثنائية، واجتماعات الحكومة يجب أن تبقى مفتوحة لمناقشة كل الحلول آنية ومستدامة للتخفيف من آثار الأزمة».



ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)
مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)
TT

ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)
مُسيّرات حوثية تستخدمها الجماعة في هجماتها ضد السفن (رويترز)

لم تمضِ سوى ساعات معدودة على احتفالات الجماعة الحوثية بإطلاق صاروخ باليستي على تل أبيب، حتى اضطر قادتها إلى الصمت، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي عن تمكّنه من اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في غارات جوية على الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت.

وجاءت الهجمة الصاروخية الحوثية بعد ساعات من إبداء زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، في كلمته الأسبوعية عزمه وجماعته المضي قدماً في إسناد «حزب الله» وحركة «حماس» في مواجهتهما مع الجيش الإسرائيلي، وهي الكلمة التي أكد فيها أن «(حزب الله) في تماسك تام، وأقوى من أي زمن مضى»، متوعداً إسرائيل بالهزيمة.

وبينما كانت الجماعة تُعدّ هجمتها الصاروخية تلك تعزيزاً لحضورها في مشهد الصراع الإقليمي، وتأكيداً على مزاعمها في التفوق التكنولوجي والعسكري، جاءت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع مهمة لـ«حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان، لتضع حدّاً لتلك الاحتفالات، خصوصاً بعد إعلان إسرائيل تمكّنها من اغتيال قائد الحزب، الأمر الذي يُمثل ضربة في مقتل لمحور الممانعة.

وتتزامن هذه التطورات مع تقرير سري قدّمه خبراء في الأمم المتحدة حول تحول الجماعة الحوثية من حركة مسلحة محلية بقدرات محدودة، إلى منظمة عسكرية قوية، بعد تلقي مساعدات وخبرات من «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني ومتخصصين وفنيين عراقيين.

ولا يمتلك الحوثيون القدرة على التطور والإنتاج من دون دعم أجنبي وأنظمة أسلحة معقدة، وفق ما نقل الخبراء عن متخصصين عسكريين يمنيين ومقربين من الحوثيين، إذ إن نطاق عمليات نقل العتاد والتكنولوجيا العسكرية من مصادر خارجية إلى الجماعة غير مسبوق، وتشمل عمليات الدعم التمويل المالي والتدريب الفني والتكتيكي.

ولاحظ الخبراء تشابه الأسلحة والتكتيكات التي تستخدمها الجماعة مع تلك التي تمتلكها وتنتجها إيران، إلى جانب توصلهم إلى زيادة التعاون بينها و«تنظيم القاعدة» من جهة، وزيادة أنشطة التهريب المتبادل بينها وحركة «الشباب» الصومالية.

استبعاد الخلافة

تضع الضربات المتتالية التي تعرض لها «حزب الله» خلال الأيام الأخيرة الجماعة الحوثية أمام خيارات معقدة، خصوصاً أنها استفادت من المواجهات بين الحزب وإسرائيل في تسويق نفسها، من خلال التصعيد الذي تخوضه في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وصولاً إلى إطلاق صواريخ باليستية، تزعم أنها فرط صوتية، باتجاه إسرائيل.

ومن شأن التعامل الإسرائيلي العنيف تجاه «حزب الله» أن يدفع الأذرع الإيرانية في المنطقة، مثل الجماعة الحوثية، لتحسس رقابهم وفق إسلام المنسي، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط، الذي يتوقع أن هذه الأذرع ستحسب حسابها لأي خطوة تصعيدية.

زوارق تابعة للجماعة الحوثية التي يقول خبراء الأمم المتحدة إنها تحوّلت إلى منظمة عسكرية (أ.ف.ب)

ويوضح المنسي لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية أصبحت الآن أبعد ما تكون عن الاستهانة بما يجري من تصعيد، بل إنها ستختار مساراً جديداً للتعامل مع ما فرضه هذا التصعيد، وذلك وفق لتوجيهات طهران التي تُحدد لكل طرف مهامه وأدواره، والأوامر تأتي عادة من قيادة «الحرس الثوري» و«فيلق القدس».

ولا يتوقع الباحث أن يكون هناك رد فعل انتقامي غريزي من أي ذراع إيرانية في المنطقة، دون النظر للحسابات الإقليمية والدولية، ومنها الملف النووي الإيراني والحسابات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، مستبعداً أن تسعى الجماعة الحوثية إلى وضع نفسها بديلاً لـ«حزب الله» في مواجهة إسرائيل.

ويرى المنسي، وهو باحث في الشؤون الإيرانية، أن الجماعة الحوثية لا تملك القوة أو الخبرة التي كان يمتلكها «حزب الله»، والذي تعرض لاختراق كبير من طرف إسرائيل، ومع احتمالية نشوء فراغ كبير بعد اغتيال نصر الله، فإن الجماعة الحوثية ليست مؤهلة لملئه، خصوصاً مع العوائق الجغرافية وبُعد المسافة عن مركز الصراع.

وعلى مدى 10 أشهر، تشّن الجماعة الحوثية هجمات متكررة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية على سفن في ممرات الشحن المهمة في البحر الأحمر، تحت ما تسميه «دعم الفلسطينيين» في قطاع غزة، متسببة في تعطيل حركة التجارة البحرية العالمية.

حسابات معقدة

لم يصدر رد فعل من الجماعة الحوثية على إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال حسن نصر الله، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشط فيها عدد من القادة الحوثيين على مدار الساعة، توقف غالبيتهم عن النشر، خصوصاً أنهم كانوا يحتفلون بالهجمة الصاروخية الأخيرة على تل أبيب.

لقطة شاشة لاعتراض الصاروخ الذي تبنّت الجماعة الحوثية إطلاقه على تل أبيب الجمعة الماضي (إكس)

ويتوقع الباحث السياسي صلاح علي صلاح، أن تكون الجماعة في حيرة من أمرها حالياً بين استمرار التصعيد أو التراجع عن ذلك، وأن ثمة انقساماً داخلياً حول اتخاذ قرار بهذا الشأن، خصوصاً أنها عانت مثل هذا الانقسام سابقاً في مواقف عدة، حتى وإن لم يظهر ذلك للعلن.

ولا يمكن للجماعة، وفق حديث صلاح لـ«الشرق الأوسط» أن تحسم أمرها بشأن التصعيد أو الانتقام لمقتل أمين عام «حزب الله»، والضربات التي تلقاها الحزب الذي قدم كثيراً من الخدمات والمعونات لها، وتمكنت بمساعدة خبراته من تحقيق مزيد من النفوذ والسيطرة محلياً، وتقديم نفسها لاعباً خطيراً على المستوى الإقليمي، يؤثر على مصالح كثير من القوى.

لكنه يستدرك بالإشارة إلى أن الجماعة ربما لا تدرك مخاطر التصعيد عليها وعلى المجتمع اليمني، وإن كان السكان تحت سيطرتها ليسوا في محور اهتماماتها، فإن الجناح العقائدي المتشدد فيها قد لا يكون في مستوى من الإدراك بما يمكن أن يعود به التصعيد عليها من آثار.

ويذهب صلاح إلى أن تأخر إسرائيل في الرد على الجماعة الحوثية ليس من قبيل عدم الاكتراث بهجماتها أو تجاهلها، بل إن ذلك يأتي من باب ترتيب الأولويات، فهي حالياً في طور التعامل مع «حزب الله»، قبل الانتقال إلى مصادر الهجمات التي تتعرض لها من سوريا والعراق، ثم التوجه إلى اليمن، حيث تؤثر الجغرافيا في ذلك الترتيبات.

تهدئة إجبارية

لم تتردد إسرائيل في الرد على التهديدات الحوثية، وفي العشرين من يوليو (تموز) الماضي، شنّت هجمة جوية على ميناء الحديدة على الساحل الغربي في اليمن الذي تُسيطر عليه الجماعة الحوثية، بعد يوم واحد من هجوم حوثي مميت بطائرة مسيرة على تل أبيب، ما أسفر عن احتراق منشآت وخزانات وقود وسقوط قتلى من عمال الميناء.

المخاوف تتزايد من تأثيرات مضاعفة للتصعيد الحوثي الإسرائيلي على الوضع الإنساني الكارثي في اليمن (رويترز)

ومن المرجح أن تؤثر عملية اغتيال أمين عام «حزب الله» على التصعيد الحوثي طبقاً لما يراه الباحث السياسي اليمني، عبد الرحمن أنيس، الذي يعيد التذكير بما نتج عن الضربة الإسرائيلية في ميناء الحديدة من تأثير كبير على العمليات الحوثية باتجاه إسرائيل لوقت ليس بالقصير.

ولم تلمس الجماعة الحوثية جدية في محاولة ردعها عن ممارساتها طوال أشهر من الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها مثلما شعرت بعد الضربة الإسرائيلية، طبقاً لإفادات أنيس، التي خصّ بها «الشرق الأوسط»، لدرجة أن الصاروخ الباليستي الذي أطلقته أخيراً لم يكن سوى محاولة للفت الانتباه بفرقعة إعلامية أكثر مما هي ضربة عسكرية.

ومن المؤكد، حسب أنيس، أن الجماعة الحوثية ستستقبل اغتيال أمين عام «حزب الله»، بجدية بالغة، وأن تلجأ إلى تخفيف حدة هجماتها، ليس فقط باتجاه إسرائيل، بل في البحر الأحمر أيضاً، وأن يتخذ قاداتها احتياطات أمنية شديدة لحماية أنفسهم، خوفاً من الاستهداف الإسرائيلي، في حين لن يطرأ أي جديد في التعامل الأميركي البريطاني معهم.