يعود قضاة المحكمة العليا الأميركية إلى قاعتهم الشهيرة في واشنطن، اليوم (الاثنين)، للمرة الأولى شخصياً بعد غياب استمر 18 شهراً بسبب تفشي فيروس «كوفيد - 19»، وذلك للتداول في عدد من القضايا الرئيسية التي تشغل الولايات المتحدة، وأبرزها مستقبل حقوق الإجهاض، بالإضافة إلى قضايا رئيسية أخرى تتعلق بحقوق حمل السلاح.
وفيما يلوح في الأفق احتمال تقاعد القاضي الليبرالي ستيفن براير، البالغ من العمر 83 عاماً، هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها القضاة التسعة للمحكمة حضورياً بتركيبتها الحالية، وفي حضور القاضية المحافظة إيمي كوني باريت، التي عيّنها الرئيس السابق دونالد ترمب، بعد وفاة القاضية الليبيرالية روث بايدر غينسبيرغ.
وبذلك، باتت المحكمة تتشكل من 6 قضاة محافظين، مقابل 3 ليبيراليين، في تغيير جوهري أدى إلى وضع صدقيتها على المحك. ويترقب كثيرون ما إذا كانت التركيبة الحالية ستبطل «قرار رو ضد وايد» التاريخي الذي صدر عام 1973 وأكّد حق المرأة في الإجهاض على الصعيد الوطني. ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن أستاذ القانون بجامعة شيكاغو ديفيد ستراوس، أنه «مع وجود الإجهاض والأسلحة والدين على جدول الأعمال بالفعل، ستجيب المحكمة على سؤال رئيسي خلال العام المقبل؛ هل حان الوقت لتعود الحروب الثقافية إلى المحكمة العليا؟».
وسيستمع القضاة إلى الحجج في الأول من ديسمبر (كانون الأول) في محاولة ميسيسيبي لفرض حظر على معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل. ومنعت المحاكم الأدنى القانون، لأنه يتعارض مع أحكام المحكمة العليا التي تسمح للولايات بتنظيم الإجهاض، لكن لا تحظره قبل أن يصير قابلاً للحياة، وهي النقطة التي يستغرقها نحو 24 أسبوعاً من الحمل حيث يمكن للجنين البقاء على قيد الحياة خارج الرحم.
وتطالب هذه الولاية المحكمة بالتخلي عن دعمها لحقوق الإجهاض ضد حكم سابق لمصلحة جمعية «بلاند بارينتهود» الأميركية لتنظيم الأسرة. وكانت المحكمة صوّتت بأكثرية 5 أصوات مقابل 4 أصوات في أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي عندما سمحت المحكمة لولاية تكساس بفرض حظر على معظم عمليات الإجهاض في الولاية.
وقال المدير القانوني لاتحاد الحريات المدنية، الأميركي ديفيد كول، لوكالة «أسوشيتد برس»، إن «هذا التصويت وقضية ميسيسيبي يسلطان الضوء على الخطر المحتمل على سمعة المحكمة»، مذكراً بأن «الحجج التي قدمتها ولاية ميسيسيبي، نظرت فيها المحكمة العليا ورفضتها في عام 1992». وأضاف أن «الاختلاف الوحيد بين الماضي والحاضر هو هوية القضاة».
حقوق السلاح
ورأى جيف وول، وهو أحد كبار محامي وزارة العدل في عهد ترمب، أن المحكمة العليا يمكن أن توسع بشكل حاد حقوق السلاح، وتنهي استخدام العرق في القبول في الجامعات، لكن الإجهاض وحده هو الذي يحرك التصور العام للمحكمة. وقال: «لا أزال أعتقد أن هذا لن يؤثر كثيراً في الجمهور، إلا إذا كان مصحوباً بنوع من الأحكام الفاصلة بشأن الإجهاض».
وستنظر المحكمة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الطعن بالقيود التي وضعتها نيويورك على حمل السلاح في الأماكن العامة، وهي قضية تتيح للمحكمة الفرصة لتوسيع حقوق السلاح بموجب التعديل الثاني من الدستور الأميركي. وقبل انضمام باريت إلى المحكمة، رفض القضاة قضايا مماثلة.
ويتساءل بعض القضاة الذين يدعمون حقوق السلاح عما إذا كان رئيس المحكمة العليا جون روبرتس سيطلب تصويتاً جديداً من أجل الحصول على «قراءة أكثر شمولاً للتعديل الثاني» المتعلق بحقوق السلاح، علماً أن هناك أكثر من 40 ولاية تجعل من السهل بالفعل حمل الأسلحة في الأماكن العامة.
لكن نيويورك وكاليفورنيا، وهما من الولايات الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، من بين الولايات القليلة التي لديها لوائح أكثر تشدداً في ذلك. وأثارت هذه القضية قلق دعاة مراقبة الأسلحة. وقال نائب الرئيس وكبير المستشارين في مجموعة «برادي» لمنع العنف المسلح جوناثان لوي، إن «حكماً موسعاً للتعديل الثاني من المحكمة العليا يمكن أن يقيد أو يحظر الحلول المعقولة التي عرضت ويمكن أن تنهي عنف السلاح».
الإعدام لمفجر بوسطن
ومن القضايا البارزة الأخرى، سينظر القضاة في إعادة العمل بعقوبة الإعدام على مفجر ماراثون بوسطن، جوهر تسارناييف، علماً أن إدارة الرئيس جو بايدن تضغط من أجل ذلك، حتى مع تعليقها لعمليات الإعدام الفيدرالية.
وستنظر المحكمة أيضاً في قضيتين تتعلقان بـ«أسرار الدولة»، وهي فكرة أن الحكومة يمكن أن تمنع نشر معلومات تدعي أنها ستضرّ بالأمن القومي إذا كشفت. وتتعلق إحدى القضايا بمعتقل في خليج غوانتانامو، أفادت محكمة أدنى أنه تعرض للتعذيب خلال احتجاز وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» له، ودعوى أخرى من مسلمين مقيمين في كاليفورنيا يقولون إن مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» استهدفهم للمراقبة بسبب دينهم.
ولن يتم اتخاذ القرارات في معظم القضايا الكبرى قبل الربيع، لأن القضاة عادةً ما يقضون أشهراً في صياغة ومراجعة آراء الأكثرية والمعارضين.