لم يستفق بعد حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من صدمة الخسارة الانتخابية التي مني بها الأحد الماضي. وفيما تتصاعد الدعوات داخل الاتحاد المسيحي الديمقراطي للمرشح الخاسر أرمين لاشيت للاستقالة، تكمل ميركل عملها من مقر المستشارية من دون أي تعليق رسمي على خسارة حزبها التاريخية، رغم مرور أيام على صدور النتائج التي أظهرت فوز الحزب الاشتراكي بفارق ضئيل عن حزبها. وفيما تبقى ميركل صامتة، خرج المتحدث باسمها شتيفان زايبرت ليتحدث للصحافيين أمس في مؤتمره الصحافي الدوري وسئل عن «صمت» ميركل هذا، فرد قائلاً إن الأمور تسير بحسب القوانين الدستورية والتقليد المعتمد منذ عقود، ليضيف بأن المستشارة «ووزرائها يقومون بعملهم حتى تشكيل الحكومة الجديدة وتسلمها السلطة».
وأكمل زايبرت بأن أمام الحكومة مهمات كثيرة عليها إكمالها مثل تطبيق إعانات الفياضات والتعامل مع وباء «كورونا»، وهي ستستمر بذلك. ويبدو بأن ميركل لن تجلس من دون إلهاء نفسها بانتظار تشكيل الحكومة، فهي ستستمر بـ«صقل العلاقات الخارجية»، بحسب المتحدث باسمها، من خلال سفرات خارجية ولقاءات وحوارات مع رؤساء دول وحكومات. وعدا عن ذلك، قال زايبرت: «لا يمكن التنبؤ بما سيحدث».
ولم تواجه ميركل الصحافيين بعد منذ صدور النتائج عندما شوهدت وهي تدخل مقر الاتحاد المسيحي الديمقراطي مساء قبيل بدء إعلان النتائج الأولية، ووجهها كان عابساً قلقاً. وفي اليوم الثاني تسرب بأنها قالت في اجتماع داخلي للحزب، إن وضع «عدم الاستقرار» يجب أن ينتهي بسرعة وأن على الحزبين الصغيرين الخضر والليبراليين اتخاذ القرار بسرعة حول الحكومة المقبلة. وبات هذان الحزبان يمسكان بمصير خليفة ميركل، بحسب مع من يقرران الدخول في الحكومة. وقانونياً، ليس هناك ما يمنع لاشيت من قيادة الحكومة رغم أن حزبه حل ثانيا بـ24.1 في المائة وبخسارة قرابة 9 في المائة من الأصوات عن الانتخابات الماضية عام 2017. ويبدو بأن لاشيت نفسه ما زال مقتنعاً بإمكانية حصول ذلك، خاصة أن الليبراليين كانوا عبروا خلال الحملة الانتخابية عن تفضيلهم الحكم مع الاتحاد المسيحي وليس الاشتراكيين. وما زال المرشح الخاسر يتحدث عن استعداده لتقديم خطة للحكم سوياً إلى جانب الخضر الذين حصلوا على 15 في المائة من الأصوات والليبراليين الذين حصلوا على 11.5 في المائة.
إصرار لاشيت هذا على أنه ما زال قادراً على دخول المستشارية، ورفضه حتى تقديم التهنئة لأولاف شولتز مرشح الاشتراكيين الفائز، دفع بأعضاء داخل الاتحاد المسيحي لانتقاده. وكان الانتقاد الأقسى من ماركوس زودر زعيم حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري الشقيق، والذي نافس لاشيت على الترشح لمنصب المستشارية ولكنه فشل بالحصول على التسمية. وقال زودر تعليقاً على استمرار سعي لاشيت لتشكيل حكومة: «من الواضح أن أولاف شولتز لديه الحظ الأوفر لكي يصبح المستشار»، مضيفاً أن الاتحاد المسيحي مني بـ«هزيمة خطيرة» في انتخابات الأحد.
وحتى الحزب الليبرالي الديمقراطي يبدو أنه لم يعد متحمساً كثيراً لتشكيل حكومة مع لاشيت. وقد قال نائب رئيس البرلمان فولفغانغ كوبيكي المنتمي للحزب الليبرالي، في تصريحات صحافية يوم أمس، بأنه لا يتوقع حتى أن يصمد لاشيت في منصبه كزعيم الحزب لأكثر من أسبوع «لأن سلطته الآن محل تساؤل»، ومن الواضح أنه لم يعد يحظى بتأييد أغلبية حزبه. وعندما سئل عن إمكانية دخول الليبراليين والخضر في حكومة برئاسة لاشيت، قال إن حظوظ هكذا حكومة «تضاءلت الآن». وليس حزب لاشيت وحده ولا الليبراليين من يعتقدون بأن حظوظ الرجل باتت شبه معدومة، بل أيضاً أغلبية الألمان، بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد يو غوف. وأظهر الاستطلاع أن 68 في المائة من الألمان يعتقدون بأن على لاشيت أن يستقيل من جميع المناصب التي يشغلها، أي زعامة الحزب ورئاسة حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا.
وفيما يواصل الاتحاد المسيحي جهود التصالح مع خسارته الأكبر منذ 70 عاماً، بدأ الحزبان الصغيران الخضر والليبراليين مشاورات سوياً لاكتشاف «أرضية مشتركة» يمكن على أساسها الحكم سوياً. ورغم الخلافات الآيديولوجية الكبيرة بين الطرفين، فقد عقد الحزبان لقاء أول بينهما بقيا متكتمين على نتائجه. ولكن صورة واحدة خرجت من هذا الاجتماع تقول لوحدها الكثير.
وفي صورة الـ«سيلفي» يبدو فيها ملتقطها أمين عام الحزب الليبرالي فولكر فيسينغ وإلى جانبه مرشحة حزب الخضر الخاسرة أنالينا بيروبوك وخلفها زعيم الليبراليين كريستيان ليندر، وإلى جانبها الزعيم المشترك لحزب الخضر كريستيان هابيك. الأربعة كلهم نشروا الصورة نفسها على مواقعهم للتواصل الاجتماعي في الوقت نفسه ومصحوبة بالتعليق نفسه: «بحثاً عن حكومة جديدة، نحن نستكشف أرضية مشتركة وجسوراً لتخطي الخلافات. وحتى أننا وجدنا بعضها. أوقات مثيرة». لم يعلق الأربعة أكثر من ذلك، واكتفى متحدثان باسم الخضر والليبراليين بتكرار الجملة نفسها، والقول إنها «كانت محادثات سرية وطويلة وجرت في مكان حيادي».
ولكن الصورة توحي بأن الاجتماع الأول على الأقل جرى بشكل جيد وبأن الحزبين قد يكونا اقتربا من الإعلان عن تفضيلهما الدخول في محادثات لتشكيل الحكومة مع شولتز أو لاشيت، علماً بأن الخيار الأخير أصبح مستبعداً. وعلى أي حال، فإن الحزب الاشتراكي يهيئ نفسه للدخول في مفاوضات مع الحزبين ابتداء من الأسبوع المقبل، وقال وزير الدولة للشؤون المالية فولفغانغ شميت المنتمي للحزب الاشتراكي، إنه يعتقد بأن المشاورات مع الخضر والليبراليين ستبدأ في الأسبوع المقبل أو الذي يليه. ورغم أن شولتز كان حدد لنفسه ليلة النتائج مهلة زمنية لتشكل الحكومة تنتهي مع نهاية العام، فإن المشاورات قد تطول أكثر من ذلك بعد. وتبقى ميركل طوال هذه الفترة في منصبها، تقضي أيامها الأخيرة مستشارة لألمانيا قبل أن تتقاعد من العمل السياسي.
تصاعد الدعوات لإزاحة لاشيت من جميع مناصبه... وميركل صامتة
المستشارة السابقة ستستمر بـ«صقل العلاقات الخارجية» حتى تشكيل الحكومة الجديدة
تصاعد الدعوات لإزاحة لاشيت من جميع مناصبه... وميركل صامتة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة