تشارك الدكتورة خيال الجواهري، كريمة الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري، في معرض الرياض الدولي للكتاب، حضوراً ومشاركةً في الفعاليات الثقافية، حيث تلقي جانباً من سيرة الجواهري ضمن أمسية بعنوان: «عوالم الشاعر محمد مهدي الجواهري الإنسانية والأدبية». وهذه ثاني زيارة لها للسعودية؛ الأولى في عام 1994 أثناء مرافقة والدها الجواهري في مهرجان الجنادرية، وهذه المرة حيث يحتفي معرض الكتاب بالعراق ضيف شرف المعرض.
الدكتورة خيال هي ثالث بنات الجواهري من زوجته الثانية «أمونة» ابنة عمه الشيخ جعفر الجواهري إلى جانب نجاح وكفاح وظلال. وقد تزوج قبلها شقيقتها «مناهل» التي توفيت عام 1939، وأنجبت له فرات وفلاح، ورثاها في قصيدة رائعة بعنوان: «ناجيتُ قبرك»، ومطلعها:
«في ذِمَة اللهِ ما ألقَى وما أَجِــدُ / أهذهِ صَخرة أم هذهِ كَبِدُ»،
وفيها يقول:
«قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُـدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِــدوا».
أما زوجته الثانية «أمونة» والدة الدكتورة خيال، فقد اقترنَ بها الجواهري عام 1939 بعد رحيل أختها «مناهل». وقد أنجبت له ولدين: نجاح وكفاح، وابنتين د.خيال وظلال...
وفيها كتب قصيدته: «حبيبتي»، وذلك في بغداد عام 1973، ومطلعها:
«حَبِيبَتي منذُ كان الحب فـي سَحَرٍ حلوَ النسائمِ حتى عَقهُ الشفقُ
ومذ تلاقى جَناحانا على فَنَنٍ منه إلى العالم المسحورِ ننطلقُ
نَصونُ عهد ضميرَيْنا وبينهما نجوى بها همساتُ الروح تُستَرَقُ
ولما توفيت عام 1992 رثاها بقصيدة، بنفس قافية قصيدة «حبيبتي»، قال فيها:
«ها نحنُ أمونة ننأى ونفترقُ والليلُ يمكثُ والتسهيدُ والحرقُ
والصبحُ يمكثُ لا وجهٌ يُصَبحُني به ولا بسماتٌ منكِ تنطلقُ
ما أروحَ الموتَ، بل ما كان أبغَضَه لدي إذ أنتِ مني الروح والرمقُ...
يا حلوة المجتلى والنفسُ ضائعة والأمرُ مختلطٌ والجو مختنقُ
ويا ضحوكة ثغرٍ والدنى عبسٌ ويا صفية طبعٍ والمنى رنـقُ...
مني عليكِ سلامٌ لا يقومُ به سن اليراعِ ولا يقوى به الورقُ
ولما توفي دفن بجوارها في مقبرة الغرباء، في منطقة السيدة زينب بدمشق، ونحتت على قبرهِ خريطة العراق مكتوب عليها: «يرقد هنا بعيداً عن دجلة الخير».
حصلت الدكتورة خيال الجواهري على شهادة الدكتوراه من براغ في تخصص علم المكتبات والمعلومات، وألفت عدداً من الكتب عن علم المكتبات وفهرستها وتاريخها. كما ألفت كتاباً عن الثقافة العراقية في المنفى، وكتابين عن الجواهري.
«الشرق الأوسط» أجرت الحوار التالي مع الدكتورة خيال الجواهري، على هامش مشاركتها في معرض الرياض الدولي للكتاب:
> كيف تصفين مشاركتكِ في معرض الرياض الدولي للكتاب بعد نحو 27 سنة من آخر زيارة لكِ للمملكة وكنت وقتها برفقة الجواهري...؟
- تلقيت دعوة كريمة من وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية، ومن إدارة المعرض، للمشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، ويسعدني لقاء المثقفين وجمهور الأدب في المملكة، ويشرفني ذلك وأنا ممتنة لهم لهذه المحبة للجواهري الكبير الذي ضحى بحياته من أجل الإنسانية ومن أجل الشعوب، ومن أجل التقدم ورفاه الفرد والإنسان.
> أيضاً لديك مشاركة في البرنامج الثقافي... للحديث عن الجواهري...
- نعم أشارك في اليوم الثاني من فعاليات المعرض، ضمن البرنامج الثقافي في ندوة تحمل عنوان: «عوالم الشاعر محمد مهدي الجواهري الإنسانية والأدبية».
والحديث عن الجواهري، هو حديث عن سيرة أدبية وشعرية تمتد لنحو قرن من الزمان، (26 يوليو (تموز) 1899 – 27 يوليو 1997)، كانت حياته مليئة بالأحداث على مختلف الصُعد، الأدبية والحياتية والسياسية والاجتماعية، وسوف أحاول في هذه الندوة تسليط الضوء على هذه السيرة بمختلف فصولها... وتعلمون أن سيرة الوالد (الجواهري) هي سيرة حاضرة في الوجدان العربي لا تُنسى، وبالنسبة لي شخصياً، فأنا رافقت الوالد في محطات متنوعة من حياته سواء في بغداد أو سوريا...
>.. أو براغ في (تشيكوسلوفاكيا)... وفيها عاش الجواهري منذ عام عام 1961، وكتب فيها روائع من قصائده مثل: «بائعة السمك، ويا غادة الجيك، وبراها»، ونعلم أنك حصلت على الدكتوراه من هناك...
- نعم صحيح، وحصولي على الدكتوراه من براغ تم بتشجيع الوالد، كنت وقتها أدلي برغبتني في إكمال دراستي الأكاديمية لنيل درجة الدكتوراه أمام والدتي، التي لم تكن مرحبة... وحين سمعها الوالد قال: «لا يا ابنتي كملي...»، ووضع يده على صدره مضيفاً: «أنا أتكفل باحتياجاتك... وأنا أدعمك، وأنا أشجعك لإكمال هذا المشوار»... وفعلاً شجعني كثيراً، حتى في مناقشة الدكتوراه مررت بموقف خاص يتعلق بالرد على الإشكالات التي يطرحها الدكتور المشرف على الرسالة... وكانت بعض ملاحظات المشرف مثيرة بالنسبة لي، حيث تلقيت نصائح بأن ألتزم الصمت ولا أرد عليه، لأن اللجنة ستلاحظ طريقتي في النقاش ضمن التقييم النهائي... وحين سألتُ الوالد، أطرق برأسه قليلاً ثم رفعه قائلاً: «لماذا سموه دفاعاً...؟ إذا لم يُتح فيه الردُ والنقاش؟»، وهذا ما حدث، فقد قدمتُ رداً على جميع الملاحظات... وتم إقرار منحي درجة الدكتوراه... وبعدها جاءت اللجنة للتسليم علي وتهنئتي.
> هل حضر الجواهري هذه المناقشة؟
- لم يكن الوالد حاضراً، كان هناك حضور من أدباء ونقاد ومثقفين وزملاء أكاديميين...
> ما السر في اختيارك تخصص «علم المكتبات والمعلومات»؟
- الحقيقة أنا درست الأساس لهذا التخصص في جامعة المستنصرية في بغداد، وهو وقتها كان فرعاً جديداً، وهو تخصص مهم في ظل عدم وجود أجهزة التبويب الحديثة عبر الكومبيوتر والبرامج الإلكترونية، فرأيت أن أقدم خدمة للمجتمع والحقل العلمي بشيء جديد وتخصص جديد...
> أليس للموضوع علاقة بالتراث العائلي كأسرة علمية تُعنى بالكتب والمكتبات...؟
- يجوز أن لدي وقتها «جينات» مع أني لا أعول على العامل الوراثي... فأنا كما تعرف نشأت في أسرة علمية والوالد كان يقرأ بشكل دائم... وننتمي لجدنا الكبير المعروف بالشيخ محمد حسن، صاحب الجواهر، صاحب كتاب «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام»، وهو الكتاب الذي أصبح مرجعاً لمختلف المدارس الفقهية، فبالنسبة لي أثرت هذه التربية في علاقتي بالكتاب، ولكني أيضاً رغبتُ أن أدرس تخصصاً مختلفاً يضيف للمجتمع خدمة، وكنت ربما أرغب في أن أدرس علم النفس...
> ماهي علاقتكِ بالشعر، هل أثر فيك الجواهري؟
- علاقتي به أنني أحب الاستماع إلى الشعر، أعرف أن كثيرين يسألون أن كنتُ سأصبح شاعرة كوني ابنة شاعر كبير... وأجيبهم بأن هذا الأمر ليس بالوراثة. أتذكر أنني سألتُ الوالد مرة في براغ بأنني أتلقى كثيراً هذا السؤال، وأيضاً (صفن) (أطرق برأسه) ثم قال: من سألك هذا السؤال؟ قلت: جماعة من المثقفين... قال: ألا يعلمون أن الشعر موهبة، وليس وراثة؟ وهو إلهام وإبداع شخصي وليس مهنة مثل الطبيب!
> اليوم، وبعد 24 عاماً على رحيل الجواهري، ما هو الشيء الذي ظل عالقاً بالذاكرة ولا ينسى من سيرته؟
- والله كثير... هو دائماً يشخص أمامي، في السنوات الأخيرة بعد وفاة الوالدة كنتُ أنا ملازمة له وزوجي كذلك، كان زوجي يقرأ له الكتب بشكل يومي، وأنا أصبحت ممرضته، وأنظم مواعيده واستقبال ضيوفه...
> قيل إنه ظل يواصل المتابعة والقراءة عبر الآخرين حتى وفاته... ماذا كان يقرأ...؟
- كان زوجي يقرأ له، وبقي لديه شغف في الاستماع إلى قراءة كتب الأدب والشعر والصحف... من بين تلك الصحف التي كان حريصاً على متابعتها «الشرق الأوسط»، و«الزمان»، و«السفير»، وكذلك متابعة الإصدارات الجديدة من كتب وروايات عربية وعالمية مثل رواية «زوربا» (للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس) و«بابا همنغواي» (للروائي الأميركي أيرون إدوارد هوتشنر)، ولديه اهتمام بمتابعة كثير من الكتب والتطورات السياسية...
الشيء الآخر الذي يشخص أمامي من سيرة الجواهري، هي ذاكرته، فهو يمتاز بذاكرة صلبة وقوية... وإحدى مميزاته أنه يحفظ قصائده عن ظهر قلب، معتمداً على الذاكرة حتى في سنوات عمره الأخيرة... حتى أن إحدى القنوات التلفزيونية أجرت برنامجاً عن 52 قصيدة من قصائد الجواهري يتلو خلالها شيئاً من شعره، ورغم أنه طلب كتابة تلك القصائد بخط كبير توضع أمامه إذا احتاج الرجوع إليها، لكنه أثناء التصوير لم يحتج إلى الرجوع للنصوص المكتوبة.
حتى مشاركته في مهرجان الجنادرية حين كنا في المملكة، ألقاها عن ظهر قلب...
> بالمناسبة نتذكر أن مشاركته في مهرجان الجنادرية سنة 1994، أدت إلى – كما قيل - لغضب السلطة العراقية وسحب الجنسية عنه... وهناك نصٌ شعري انتشر بعدها يُنسب للجواهري... ما حقيقة ذلك... النص الذي يقول في نهايته مخاطباً صدام: «سل مضجعيك يا ابن (الخنا)... أأنت العراقي أم أنا»...؟
- هذه القصيدة ليست للوالد (الجواهري)... حين بلغه سحب الجنسية عنه قال: «تباً لهم»... لكن هذه القصيدة اشتهرت وقتها، ونسبت للجواهري، والحقيقة أنها ليست له، وأنا شخصياً سألته قائلة: «أخبرني بيني وبينك بصراحة: هل كتبت فعلاً هذه القصيدة...؟»، وأجابني: «لا، لم أكتبها، لماذا أخفي أني كتبتها... صدقيني ليس أنا من كتبها».
- قصائد لم يكتبها الجواهري
> اشتهر عدد من القصائد بنسبتها إلى الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري، والحقيقة أنها ليست له. بعض تلك القصائد ألفها الشاعر العراقي الراحل حسين الرفاعي، الذي عمل مديراً للتربية في الرصافة بالعراق، وتوفي قبل سنوات.
وفي الدورة الأولى لمهرجان الجواهري الشعري الذي أقيم في بغداد، ألقى الرفاعي نصاً شعرياً بعنوان «زياد ابن أبيه»، مشيراً بحضور أبناء الجواهري، إلى أنه من نظم تلك القصيدة، التي عرفت على نطاق واسع بأنها للجواهري، وقال: «أنا مديون للجواهري بحياتي... فلو علم النظام السابق أنني كاتب تلك القصيدة لحكموا بإعدامي!».
وفي حديث لقناة «إذاعة العراق الحر» في العاشر من يوليو 2005، أوضح الرفاعي أنه كتب قصيدة «زياد بن أبيه» رداً على قمع نظام صدام ضد انتفاضة مارس (آذار) 1991 المعروفة بالانتفاضة الشعبانية، ونسبت بعدها إلى الجواهري، مضيفاً أن هذا الأمر «أبعد مدية الجلاد عن رقبتي».
لكن قصيدة «سل مضجعيك يا ابن الخنا... أأنت العراقي أم أنا»، فيراها عدد من الشعراء والأدباء العراقيين نصاً «إعلامياً» أكثر منه قصيدة، ومن المستحيل أن تنسب لشاعر كبير كالجواهري، أو شاعر مجيد كالرفاعي، لكونها نصاً يفتقد الوزن وفيه من الأخطاء العروضية الكثير.
الشاعر والناقد العراقي فارس حرام قال لـ«الشرق الأوسط»: من الواضح أن هذا النص ملفق... فتقريباً نصف أبيات القصيدة غير موزونة، ويبدو أنه جرى «ترتيبها» من مدون أو إعلامي مجهول، لا يعرف الشعر، أو هي قصيدة فعلاً لكن جرى نقلها بشكل سيئ، ووصلتنا نسخة مشوهة منها، فهذا النص المتداول لا يمكن أن تكون قصيدة. وغالبية أبياتها عبارة عن جمل مرصوفة من دون وزن ولها قافية فقط.
الشاعر العراقي حسين قاصد، قال لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أعرف الشاعر حسين الرفاعي (رحمه الله)، فقد كان صديقي، وقد كتب ونسب للجواهري شعراً كثيراً، ولكن هذا النص المتداول تحديداً، ليس للجواهري، وليس للرفاعي، فهذا النص يفتقد الوزن... وهو من محكيات العامة...».
يضيف قاصد: «أنا شخصياً سألتُ الرفاعي هل صحيح نسبة هذا النص إليك، وأجابني بالنفي».
يضيف قاصد: «نعلم أن الكثير من الشعر والأقوال نسبت للجواهري، من بينها أنه يقرأ (العراق)، (يضم العين)، وحين سئل أجاب: (لا أحب أن أكسر عين العراق)، وهذا أيضاً نسب له من باب الغلو في الحب».