ميقاتي يختبر استعداد عون لدعم البرنامج الإنقاذي

TT

ميقاتي يختبر استعداد عون لدعم البرنامج الإنقاذي

اجتاز الرئيس نجيب ميقاتي بعد نيل حكومته ثقة المجلس النيابي مرحلة «الجهاد الأصغر» ليبدأ معركة «الجهاد الأكبر» بإخراج لبنان من أزماته المتراكمة والانتقال به إلى التعافي المالي والاقتصادي، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن موقف رئيس الجمهورية ميشال عون ومدى استعداده للتعاون معه لأنه لم يعد لديه خيار آخر إلا إذا قرر أن يعيق مهمة الحكومة بتشكيل فريق عمل متجانس للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وبوضع العصي لتعطيل إعادة تأهيل قطاع الكهرباء ما لم يشمل برنامجه إنشاء معمل لتوليد الطاقة في منطقة سلعاتا في قضاء البترون استجابة لمطلب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بخلاف كل الدراسات.
ومع أن ميقاتي نأى بنفسه عن الدخول في السجالات السياسية التي استحضرها عدد من النواب خلال مناقشتهم للبيان الوزاري، فإن معظمهم سعوا لاستدرار عطف الرأي العام اللبناني تحت عنوان إبداء حرصهم الشديد على المال العام ومكافحة كل أشكال الفساد والهدر برغم أن غالبية المتكلمين من النواب ينتمون إلى الكتل النيابية الداعمة لحكومة ميقاتي وسبق لكتلهم أن شاركت في الحكومات السابقة التي تسببت في الانهيار الذي دمر لبنان.
وبصرف النظر عن المضامين التي احتوتها مداخلات معظم النواب ولن يكون لها مفعول رجعي سوى محاولتهم كسب ود الناخبين، وهذا ما دفع بعدد من المراقبين في مقاربتهم للسخونة التي اتسمت بها مداخلات النواب إلى التعاطي مع ما شهدته جلسة الثقة النيابية على أنها تحولت إلى مهرجان انتخابي بامتياز.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» إن مهمة الحكومة الميقاتية تبقى انتقالية وتتمحور حول تأمين الانتقال السلمي للسلطة في لبنان من خلال تهيئة الأجواء السياسية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها كشرط لتولي المجلس النيابي المنتخب انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً لعون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 بالتوازي مع الانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي.
ويؤكد المصدر السياسي أن محاولة غالبية النواب كسب ود الناخبين لن يُصرَف في مكان لأن معظم الكتل النيابية في واد والمزاج الشعبي في واد آخر، وهذا ما يدركه ميقاتي في تركيزه في كلمته رداً على مداخلات النواب على أنه سيكون أمام مهمة صعبة في استعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم، لأن الأوضاع صعبة وليست نزهة، ويسأل إذا كان عون سيصر بناء لإلحاح باسيل على أن يكون إنشاء معمل لتوليد الطاقة في سلعاتا من ضمن البرنامج الخاص بإعادة تأهيل قطاع الكهرباء، خصوصاً أن بيار دوكان الذي كانت أوكلت إليه مهمة متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر بالنيابة عن الحكومة الفرنسية لمساعدة لبنان، ارتأى أن لا ضرورة له لانعدام جدواه الاقتصادية؟
كما يسأل إذا كان عون سيقرر الإفراج عن التشكيلات القضائية لوضع حد للكيدية والانتقائية والاستنسابية التي يمارسها بعض القضاة ومن بينهم من يتمرد على التعليمات الصادرة عن النيابة العامة التمييزية، ويقول إن لبنان يخضع حالياً لمراقبة دولية ليس باستطاعة أهل السلطة أو بعضهم على الأقل التفلت منها، وإلا سيكون هؤلاء قد أهدروا آخر فرصة لإنقاذ لبنان من الانهيار، وهذا ما يشكل الخط البياني لميقاتي الذي يسعى لتعطيل حقول الألغام، وهو يواصل تحركه دولياً وإقليمياً لإعادة تصحيح علاقات لبنان بالمجتمع الدولي ومنها تحديداً الدول العربية بعد أن دمر «العهد القوي» علاقات لبنان بها.
فاستعادة لبنان لعلاقاته العربية لن تتم بالأقوال وإنما بالأفعال التي تلزمه باتباع سياسة النأي بالنفس عن الصراعات المشتعلة في المنطقة والابتعاد عن سياسة المحاور التي كان لـ«العهد القوي» ووريثه السياسي باسيل دور في إلحاق لبنان بمحور الممانعة بقيادة إيران استرضاء لحليفه «حزب الله»، وإلا لم يكن لبنان مضطراً لدفع فاتورة سياسية تسببت بانهياره بعد أن تخلى عن علاقاته العربية وانحاز للمحور الإيراني.
ويرى المصدر نفسه أن لبنان يدخل حالياً في مرحلة النزع الأخير لأنه يعاني من موت سريري، ويفتقد إلى مقومات الاستمرار بإعادة الروح السياسية إليه بعد أن انتهى «العهد القوي» فور توقيع عون على مراسيم تشكيل الحكومة ولم يبقَ سوى ميقاتي الذي سيقاوم كل محاولات التعطيل إذا قرر رئيس الجمهورية أن ينقلب على ما وعد به اللبنانيين بأن السنة الأخيرة من عهده ستشهد انفراجاً اقتصادياً ومالياً واجتماعياً برغم أنه أطاح بكل الفرص التي أتيحت له لتحقيق الحد الأدنى من الوعود «الوردية» التي أطلقها فور انتخابه رئيساً للجمهورية. ويبقى السؤال كيف سيتصرف لبنان حيال سعي إسرائيل للتنقيب عن النفط في المنطقة المتنازع عليها؟ ولماذا أحجم عون عن التوقيع على المرسوم الخاص بتعديل الحدود في هذه المنطقة كشرط لإيداع الأمم المتحدة نسخة عن المرسوم المعدل الذي ينص على أن حدود لبنان البحرية تمتد إلى النقطة 29 بدلاً من النقطة 13 التي سبق للبنان أن راسل الأمم المتحدة في خصوصها وأودعها نسخة عن المرسوم الذي أعدته لجنة وزارية وعسكرية تولت سابقاً تحديد الحدود البحرية للبنان؟
وفي السياق نفسه لماذا امتنع عون عن توقيع المرسوم المعدل؟ خصوصاً أن التذرع بعدم انعقاد مجلس الوزراء بسبب استقالة حكومة حسان دياب ليس في محله لأنه سبق أن اتخذت عشرات القرارات على أن يأخذ مجلس الوزراء علماً بها لاحقاً وما مدى علاقة امتناعه بالوعد الذي قطعه لمساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل قبل استقالته لعله يسهم في رفع العقوبات الأميركية المفروضة على باسيل؟
وهل بات «حزب الله» مضطراً لخوض معركة تتعلق باسترداد مزارع شبعا بعد أن امتنع عن التعليق على ما نقله الوسيط الأميركي سابقاً فريدريك هوف لإنهاء النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل عن لسان الرئيس السوري بشار الأسد بأن مزارع شبعا المحتلة هي أرض سورية؟ وبالتالي ما جدوى الحملات ما دام أن لبنان لم يبادر إلى تعديل المرسوم، ويصر في نفس الوقت على حقوقه البحرية في المنطقة المتنازع عليها؟
وعليه فإن الحكومة الميقاتية تدخل بعد نيلها الثقة في مرحلة لاختبار مدى استعداد عون للتعاون، مع أن لبنان يدخل في سباق بين إنقاذه من أزماته وبين افتتاح الموسم الانتخابي الذي حضر بامتياز في جلسة الثقة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.