أعاد تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» فتح ملف اغتيال نائب وزير الدفاع الإيراني لشؤون الأبحاث والعالم النووي محسن فخري زاده، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كاشفاً عن دراية الإدارة الأميركية السابقة بخطة العملية التي جرت بواسطة رشاش آلي، في وقت تبعد فيه إيران أقل من 3 أشهر من ذكرى الاغتيال.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن تفاصيل اغتيال نائب وزير الدفاع والعالم النووي محسن فخري زاده «واضحة» لأجهزة إيران الأمنية والاستخباراتية. وبدا أن المتحدث، سعيد خطيب زاده، يقلل من تفاصيل التقرير بشأن اطلاع ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو على الأمر. وقال: «يجب النظر في سياق تقرير صحافي» وليس أكثر.
وصرح المتحدث للصحافيين أمس: «متابعتنا في هذا الخصوص متواصلة عبر طرق عدة»، وأضاف: «بالتأكيد الطريق التي يجب أن تتابعها الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، تمت متابعتها وتواصل متابعتها». وقال: «هذه قضايا يعرفها من يجب أن يحتاج إلى معرفتها. قد تمت متابعة هذا الموضوع على المسار القانوني إلى جانب المسارين الاستخباراتي والأمني، ويمكن الحصول على تقارير مفصلة تحدد الأطراف المشاركة» في الاغتيال.
وفي تقرير نشرته السبت، سردت «نيويورك تايمز» الساعات الأخيرة من حياة فخري زاده الذي حاولت إسرائيل اغتياله اقتناعاً بقيادته الجهود الإيرانية لصناعة قنبلة نووية، مشيرة إلى أنه تلقى تحذيرات من احتمال وجود مخطط لاغتياله، دون أن يأبه، وذلك في إشارة إلى معلومات وردت مسبقاً على لسان وزير الأمن السابق، محمود علوي، حول تقديرات وزارته باستهداف فخري زاده في النقطة التي تعرض فيها لهجوم، دون أن تعرف توقيت العملية. وأشارت الصحيفة إلى اتباع أسلوب المراوغة من فخري زاده في حياته اليومية بعد سلسلة العمليات الإسرائيلية التي استهدفت الخبراء الذين يعتقد أنهم يقودون برنامج الأسلحة النووية الإيرانية. وبحسب الصحيفة، في عام 2009 كان فريق الاغتيال ينتظر فخري زاده في الموقع المخطط له في طهران، لكن العملية توقفت في اللحظات الأخيرة. فلقد اكتشفت المؤامرة، كما نما إلى علم الموساد، ونصبت السلطات الإيرانية كميناً لهم. وقدمت الصحيفة الأميركية بدورها تأكيداً لبعض روايات المسؤولين الإيرانيين حول استخدام رشاش آلي مثبت على شاحنة نقلت صغيرة، بينما كان فخري زاده يقود سيارته الشخصية من طراز «نيسان تيانا»، متجاهلاً طلب فريق حمايته استقلال سيارة مصفحة، وفقا للبروتوكول الأمني.
تنسيق إسرائيلي - أميركي
وأشارت الصحيفة إلى أن استعدادات العملية بدأت بعد سلسلة الاجتماعات بين مسؤولين إسرائيليين بقيادة يوسي كوهين مدير الموساد ومسؤولين أميركيين رفيعي المستوى؛ بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترمب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وجينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في فترة زمنية امتدت من أواخر 2019 إلى أوائل 2020.
وكانت إسرائيل قد أوقفت حملة التخريب والاغتيالات في عام 2012 مع بدء الولايات المتحدة المفاوضات مع إيران التي أسفرت عن الاتفاق النووي لعام 2015. والآن بعد أن ألغى ترمب هذا الاتفاق، أرادت إسرائيل استئناف الحملة، بحسب «نيويورك تايمز».
وفي أواخر فبراير (شباط) 2020 قدم كوهين إلى الأميركيين لائحة بالعمليات المحتملة؛ بما فيها قتل فخري زاده. وقال مسؤول كان حاضراً إن المسؤولين الأميركيين أيدوا خطة الاغتيال فور الاطلاع عليها.
وكانت الحراسة المشددة حول فخري زاده، منعت تكرار أساليب سابقة استخدمت لتصفية علماء إيرانيين، مما دفع بالموساد إلى تغيير حساباته باستخدام الروبوت القاتل، حسب الصحيفة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها صحيفة أجنبية تفاصيل اغتيال فخري زاده، ففي فبراير الماضي، نقلت صحيفة «جيويش كرونيكل» اليهودية البريطانية، تفاصيل أكثر دقة عندما أشارت إلى مشاركة 20 عميلاً إسرائيلياً وإيراني، عملوا على مدى 8 أشهر، لنقل معدات السلاح الموجه الذي بلغ وزنه طناً، بموازاة اكتشاف تحركات فخري زاده.
محكمة سليماني
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن بلاده تستعد لإقامة محكمة في قضية مقتل العقل المدبر للعمليات الخارجية في «الحرس» الإيراني، قاسم سليماني، في ضربة جوية أميركية بأوامر الرئيس السابق، دونالد ترمب، وذلك بالقرب من الذكرى الثانية للحادث الذي كاد يشعل مواجهة عسكرية مباشرة بين البلدين.
وقال المتحدث سعيد خطيب زاده إن المحكمة بدأت أعمالها في الجهاز القضائي بتسمية قاض خاص، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الجديد، أمير عبد اللهيان، اجتمع في أول أيام عمله بطاقم وزارة الخارجية، قبل أن يجتمع بممثلين من أجهزة معنية بمقتل سليماني، في الجهاز القضائي، والادعاء العام، و«فيلق القدس»، ووزارة الأمن، و«الحرس الثوري»، وأشار إلى إعداد التماسات، على أن تصدر لائحة اتهامات ضد المتهمين.
وصرح خطيب زاده: «المتهمون في القضية؛ سواء في الحكومة الأميركية والدول الأخرى، وحتى القواعد العسكرية التي ساعدت في هذه العملية (…) عبر تقديم معلومات... تمت المناقشة وتقرر رفع دعاوى قضائية ضدها». وأضاف: «على الصعيد الدولي، ناقشنا سبل مساءلة المسؤولين الأميركيين السابقين حول الاغتيال». وأضاف: «أعتقد أنه سيكون هناك اجتماع آخر الشهر المقبل، ويرأسه وزير الخارجية».
وبعد مقتل سليماني، تولى وزير الخارجية الحالي، أمير عبد اللهيان، منصب المتحدث باسم «لجنة قاسم سليماني»، التي نشطت على المستويين السياسي والدعائي لمتابعة مقتله.
وشهدت الذكرى الأولى لمقتل سليماني العام الماضي توتراً حاداً بين الولايات المتحدة وإيران في الأيام الأخيرة من حكم ترمب. ومن شأن أي تصعيد إيراني مماثل في الذكرى الثانية للضربة الموجعة التي تلقتها طهران، أن يؤثر سلباً على محاولات تنشيط الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي.