لماذا فشل الأميركيون وحلفاؤهم في أفغانستان؟

أفغان في طائرة عسكرية إسبانية تستعد للإقلاع من مطار كابل (رويترز)
أفغان في طائرة عسكرية إسبانية تستعد للإقلاع من مطار كابل (رويترز)
TT

لماذا فشل الأميركيون وحلفاؤهم في أفغانستان؟

أفغان في طائرة عسكرية إسبانية تستعد للإقلاع من مطار كابل (رويترز)
أفغان في طائرة عسكرية إسبانية تستعد للإقلاع من مطار كابل (رويترز)

لا تقتصر معاني مشهد الفوضى العارمة في مطار كابل على اللحظة التي تذكّر حكماً بما حصل في سايغون عام 1975، بل هي تجسيد حقيقي لعقدين من فوضى التعامل الغربي – وتحديداً الأميركي – مع أفغانستان، البلاد المعقّدة في تركيبتها العرقية وموقعها الجغرافي المفتوح على كل «الرياح»...
ذهبت الارتدادات السلبية للانسحاب الأميركي السريع من أفغانستان (أرض الخيّالة) في كل الاتجاهات: ذهول وارتباك في قلب حلف شمال الأطلسي، تخوّف في دول آسيا الوسطى، امتعاض في الداخل الأميركي، وشماتة ممزوجة بمقدار من القلق لدى روسيا والصين...
ثمة من يقول دفاعاً عن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، أن الانسحاب أمر حتمي بغض النظر عن موعده، إذ لا طائل من البقاء في تلك البقعة من العالم التي أخذت من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين ألفي مليار دولار، وكلّفت الجيش الأميركي أكثر من 2350 قتيلاً، وكل ذلك من دون النجاح في بناء دولة مركزية قوية تبسط سيطرتها على كل أنحاء البلاد.

*الأسلوب الفاشل
كيف قارب الأميركيون معضلة التغيير في أفغانستان؟
ظنّ واضعو السياسات و«الخبراء» أن استقرار أفغانستان يحتاج إلى مؤسسات قوية من قوى أمنية وقضاء وإدارات فعالة فقط. وبناء على ذلك، عمل الأميركيون جاهدين على وضع أسس الدولة التي تخيلوها، واستعانوا بمنظمات غير حكومية – كالعادة – وأنفقوا المال على إنشاء أجهزة وقوى عسكرية أفغانية، ودعموا الرئيس حامد كرزاي وبعده الرئيس أشرف غني بكل زخم واندفاع...
إلا أن كل شيء انهار كقصر من رمل، فمقابل هذا البناء لم يفهم الأميركيون وحلفاؤهم الغربيون العقل الأفغاني. ولم تستطع الدولة المركزية السيطرة على الولايات الأربع والثلاثين إلا بالرصاص، وبشكل غير كامل في أفضل الأحوال. وهكذا بقيت حركة «طالبان» قوية وتواجه السلطة على مر السنوات. وعندما حانت اللحظة انقضّت على الدولة الهشّة وأسقطتها بكل سهولة، وليس مهماً هنا إذا تم ذلك باتفاق مع واشنطن أو من دونه.
كان وراء المقاربة الأميركية عنصران أساسيان: القوة العسكرية والزخم الاقتصادي.
تقول هذه الفرضية الثنائية إن فرض الهيمنة العسكرية الكافية لإخضاع القوى المناوئة، وضخ المال في شرايين الاقتصاد بغية إنهاضه، يؤديان الغرض ويغيّران وجه أي بلاد في الكرة الأرضية.
غير أن أفغانستان دحضت هذا النهج تماماً، وأثبتت أن البلاد القائمة على نظام قبليّ متجذّر، لا تُدار كدولة غربية تنصهر كل مكوّناتها في بوتقة المصلحة الاقتصادية. فالولايات الأفغانية ليست الولايات المتحدة، والتوازنات بين البشتون والطاجيك والأوزبك والهزارة لا تُحفظ في مجلس شيوخ على الطريقة الأميركية يضمن المساواة بين الولايات.
وبالتالي لا يفيد في شيء بناء جسم إداري وأمني في العاصمة بهدف أن يفرض سيطرته على المناطق، إذ سرعان ما سيقوّض هذا البناء مزيج من الفساد وعدم الأهلية، وبالتالي تذهب كل الجهود أدراج الرياح.

* فهم الخصوصيات
لعلّ الأغرب في كل ما حصل، أن واشنطن لم تتعلم الدرس من موسكو. فالجيش السوفياتي الذي بقي في أفغانستان من 1979 إلى 1989 لم يستطع ترويض الذين تصدوا له من مجموعات مسلحة مختلفة، ودفع ثمن ذلك أكثر من 14 ألف قتيل. بل إن دخوله المستنقع الأفغاني جلب إلى المعمعة قوى أجنبية من كل حدب وصوب، الأمر الذي خلّف تداعيات لا تزال قائمة إلى يومنا.
هكذا ارتكبت الولايات المتحدة الخطأ نفسه من حيث الجوهر. كما إنها ركزت على كابل فيما نسبة 70 في المائة من الأفغان يعيشون في الأرياف. وهؤلاء رأوا في القوات الأجنبية قوى احتلال تدافع عن الحكومة المركزية لا عن السكان المحليين المعرّضين لهجمات تشنها «طالبان» ساعة تشاء. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأخطاء التي ارتكبها الأميركيون في عمليات القصف بالطائرات المسيّرة والتي أودت بالكثير من المدنيين، ساهمت في إذكاء الشعور بالقلق والنفور من القوات الأجنبية.
خلاصة القول أن الوجود العسكري الأميركي والأطلسي في أفغانستان لم يحقق مبتغاه، وهو إنشاء دولة حليفة ومستقرة. فوصول حركة «طالبان» إلى السلطة لا يطمئن الكثير من الأفغان، على الرغم من تأكيد الحركة أنها تغيّرت ولن تعود إلى الممارسات التي طبعت حكمها البلاد من 1996 إلى 2001. والدليل الساطع على ذلك تهافت الأفغان على مغادرة وطنهم إلى أي دولة تستقبلهم.
في النهاية، يكتمل الانسحاب الأميركي ويترك أفغانستان في عهدة «طالبان»، مفتوحةً على كل الاحتمالات، من الحرب الأهلية إلى التوترات العسكرية مع عدد من دول الجوار. وفي هذا الوقت سيعكف المفكرون والخبراء الغربيون والمؤرخون على تحليل ما حصل، والتفكير في ما سيحصل مستقبلاً في أفغانستان وما حولها، وفي ما هو أبعد من الجوار.

في السياق، يبدي العسكري الأميركي المخضرم ديفيد بترايوس، الجنرال المتقاعد ومدير وكالة الأستخبارات المركزية (سي آي إي) سابقاً، تخوفه من أن يؤدي الانسحاب الأميركي إلى إنتاج ظروف مماثلة لما سبق 11 سبتمبر (ايلول) 2001، فتجد تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» في أفغانستان المكان المناسب لإعادة تنظيم الصفوف وتنفيذ هجمات في أنحاء مختلفة من العالم.
من يراجع الصحف والمجلات الغربية المرموقة هذه الأيام سيقع على موقف شبه واحد يتلخص في إلقاء اللوم في هذا «الفياسكو» الأميركي على الرئيس جو بايدن، مع أن قرار الانسحاب اتُّخذ في عهد دونالد ترمب. والحقيقة أن اللوم يجب أن يقع على الفكر الذي يقف وراء قرار إرسال قوات أميركية إلى بقعة ما من بقاع العالم، والذي يقف وراء قرار سحبها.
بمعنى آخر، على الغرب أن يفهم أن الشرق مختلف ولا يمكن أن تهبط عليه القيم الغربية فيعتنقها فوراً... كم كان محقاً روديارد كيبلينغ عندما قال إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
لكن هذا لا يمنع أن يتعاونا ويتكاملا...



الأمم المتحدة: أكثر من 200 قتيل بمذبحة في هايتي مرتبطة بالسحر

سيدة هايتية تبكي ضابط شرطة قضى خلال مواجهته مسلحي إحدى العصابات في العاصمة بورت أو برنس (رويترز)
سيدة هايتية تبكي ضابط شرطة قضى خلال مواجهته مسلحي إحدى العصابات في العاصمة بورت أو برنس (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: أكثر من 200 قتيل بمذبحة في هايتي مرتبطة بالسحر

سيدة هايتية تبكي ضابط شرطة قضى خلال مواجهته مسلحي إحدى العصابات في العاصمة بورت أو برنس (رويترز)
سيدة هايتية تبكي ضابط شرطة قضى خلال مواجهته مسلحي إحدى العصابات في العاصمة بورت أو برنس (رويترز)

أفاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة اليوم الاثنين بأن ما لا يقل عن 207 من سكان ضاحية سيتي سولاي المطلة في هايتي قتلوا هذا الشهر على أيدي مسلحين من عصابة وارف جيريمي، ما يرفع عدد القتلى الذي قدر في بادئ الأمر بنحو 187.

وفي تقرير جديد عن هذه المذبحة، قال مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 134 رجلا و73 امرأة، معظمهم من كبار السن المتهمين بممارسة السحر، قتلوا خلال عمليات إعدام جماعية وخطف ومداهمات نفذها نحو 300 من مسلحي عصابة وارف جيريمي على سيتي سولاي في أقل من أسبوع.

جاء ذلك بعد أن أمر زعيم العصابة مونيل "ميكانو" فيليكس بشن هجمات على الضاحية بعد مرض طفله، متهما سكانها بالتسبب فيه عبر ممارسة عقيدة الفودو المرتبطة بالسحر والأرواح. وقالت الأمم المتحدة إن الكثيرين من القتلى خطفوا من معابد الفودو وخلال احتفالات مرتبطة بهذه العقيدة. ووفقا للأمم المتحدة، تسيطر العصابة التي يتزعمها ميكانو منذ نحو 15 عاما على منطقة صغيرة، ولكنها استراتيجية تقع بين موانئ رئيسية ومستودعات في محيطها وطرق سريعة خارج العاصمة.