لم يُخفِ الرئيس الفرنسي قلقه من النتائج الكارثية المترتبة على سيطرة حركة «طالبان» على كامل الأراضي الأفغانية وتحول ذلك إلى واقع قائم يتعين البحث عن السبل الناجعة للتعامل معه. وفي الكلمة المتلفزة التي ألقاها ليلة أول من أمس، رصد إيمانويل ماكرون المخاطر الكامنة في الوضع الأفغاني الجديد، مستلهماً تاريخ «طالبان» في حماية التنظيمات الإرهابية؛ على رأسها «القاعدة» من جهة... ومن جهة أخرى، الأزمة الإنسانية والتدمير المجتمعي اللذين أفرزهما حكم متشدد هيمن على أفغانستان بين عامي 1996 و2001 وكان مظهره الأوضح هروب مئات الآلاف من الأفغانيين والأفغانيات إلى الخارج بحثاً عن مكان آمن.
اللافت أن ماكرون سعى للتوفيق بين توجهين؛ الأول: إظهار الدعم والتعاطف الإنساني مع الشعب الأفغاني واستعداد بلاده لمد يد المساعدة لكل من يشعر بأن النظام الطالباني الجديد ـ- القديم، يمثل تهديداً له.
وأشار ماكرون إلى المدافعين عن حقوق الإنسان والفنانين والصحافيين... الذين وعد الرئيس الفرنسي بالوقوف إلى جانبهم «قدر الإمكان»، وهم يضافون إلى الذين عملوا، من الأفغان، إلى جانب القوات والمصالح والجمعيات الفرنسية. وبذلك أراد ماكرون أن يبين أن فرنسا ما زالت بلداً يدافع عن القيم الإنسانية. أما التوجه الثاني فعنوانه: إظهار التشدد والتأكيد سلفاً على أن باريس ستكون حازمة في التعامل مع كل ما تراه تهديداً لأمنها والمتأتي عن عاملين: الإرهاب، والهجرات غير الشرعية. يرى ماكرون أن أفغانستان ولجت، مع عودة «طالبان» للإمساك بتلابيب السلطة، «منعطفاً تاريخياً»؛ الأمر الذي يتطلب اتخاذ «قرارات ومبادرات فورية تتناسب مع خطورة الوضع»؛ أولاها «مواصلة الحرب النشطة على الإرهاب الإسلاموي بأشكاله كافة». وبحسب الرئيس الفرنسي؛ فإنه «يتعين ألا تتحول أفغانستان مجدداً إلى ملاذ للإرهابيين كما كانت في السابق»، مضيفاً أن هذا الأمر «يشكل تحدياً للسلام والاستقرار الدولي؛ حيث إن العدو واحد؛ وهو الإرهاب وكل الذين يدعمونه».
وما يريده ماكرون هو أن تتعاون روسيا والولايات المتحدة وأوروبا بشكل «فعال» في الحرب على الإرهاب الإسلاموي المنطلق من أفغانستان؛ لأن لكل هذه الأطراف «المصالح نفسها». أما العامل (التحدي) الثاني، فإنه لا يقل خطورة؛ إذ إن انعدام الاستقرار في أفغانستان يعني التسبب في موجات من الهجرات باتجاه أوروبا التي «لا تستطيع وحدها أن تتحمل نتائج الوضع الحالي، ولذا يتعين علينا استباق الأمور وحماية أنفسنا ضد موجات الهجرات غير الشرعية التي تشكل خطراً على الذين يقومون بها، كما أنها تغذي شبكات التهريب من كل نوع».
ومن أجل تلافي التوصل إلى وضع كهذا واستنساخ الأزمة التي عرفتها أوروبا في عامي 2015 و2016 بسبب الهجرات من سوريا وغيرها من البلدان، فقد أعلن ماكرون أنه ينوي إطلاق «مبادرة» بالتشارك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ودول أوروبية أخرى من أجل «بلورة رد صلب ومنسق وموحد»، داعياً إلى «التضامن» و«بذل» الجهود و«التجانس في معايير الحماية، وإقامة آليات تعاون مع دول العبور والإقامة مثل باكستان وتركيا وإيران».
وما يعنيه ماكرون، بصريح العبارة، أن الأوروبيين سيطلبون من حكومات الدول التي عدد أسماءها أن تعمد إلى إبقاء المهاجرين واللاجئين الأفغان ضمن حدودها ولا تسمح بتوجههم إلى أوروبا كما تفعل تركيا مع اللاجئين السوريين الذي تمنع انتقالهم إلى أوروبا مقابل منافع مالية ومادية.
ولم ينس الرئيس الفرنسي تأكيد أن باريس «مستمرة في الدفاع عن مبادئها وقيمها»، لكنها لا تريد، بأي حال، أن تتحول إلى وجهة للأفغان الراغبين في الخروج من بلادهم والذين تقدرهم بعض الدراسات بـ5 ملايين شخص. ومواقف ماكرون تحكمها الرغبة في إرضاء الجناح اليساري في البلاد ممثلاً في الاشتراكيين و«الخُضر» والشيوعيين ومحازبي «فرنسا المتمردة». لكنه في القوت عينه يريد إرضاء اليمين الذي يلتزم مواقف متشددة للغاية في موضوع الهجرات.
الرئيس الفرنسي يحذّر من تبعات «المنعطف التاريخي» في أفغانستان
ماكرون يسعى لإطلاق مبادرات لمحاربة الهجرات الأفغانية العشوائية
الرئيس الفرنسي يحذّر من تبعات «المنعطف التاريخي» في أفغانستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة