حرير صناعي أقوى من الفولاذ

يُنتج عبر بكتيريا مهندسة وراثياً

TT

حرير صناعي أقوى من الفولاذ

حرير العنكبوت، هو أحد أقوى المواد وأكثرها صلابة على وجه الأرض، والآن قام المهندسون في جامعة واشنطن في سانت لويس بأميركا، بتصميم بروتينات «أميلويد» هجينة يمكن استخلاصها من بكتريا مهندسة وراثياً، لإنتاج ألياف أقوى من الحرير الطبيعي، بل إنها أقوى من الفولاذ، وتم نشر البحث في العدد الأخير من دورية «إيه سي إس نانو».
وإنتاج الألياف من بروتينات أميلويد، والتي يطلق عليها «الحرير الصناعي»، ليست عملاً جديداً، لكن فوزهونغ تشانغ، الأستاذ في قسم الطاقة والهندسة البيئية والكيميائية في مدرسة ماكلفي للهندسة بالجامعة، عمل في بحثه الجديد على معالجة بعض الجوانب التي جعلت الألياف الناتجة أقوى من الحرير الصناعي. ومنذ عام 2018 يعمل تشانغ على إنتاج الحرير الصناعي بواسطة بكتريا مهندسة وراثياً، وحصل من قبل على منتج يضاهي الحرير الطبيعي في جميع الخواص الميكانيكية المهمة.
يقول في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة واشنطن في 21 يوليو (تموز) الماضي «بعد عملنا السابق، تساءلت عما إذا كان بإمكاننا صنع شيء أفضل من حرير العنكبوت باستخدام المنصة البيولوجية التركيبية الخاصة بنا».
وخلال الدراسة الجديدة، قام فريق البحث الذي يقوده تشانغ بتعديل تسلسل الأحماض الأمينية لبروتينات أميلويد لإدخال خصائص جديدة، مع الحفاظ على بعض السمات الجذابة لحرير العنكبوت.
وتتمثل إحدى المشكلات المرتبطة بألياف الحرير الصناعي في الحاجة إلى تكوين بلورات بيتا النانوية، وهي مكون رئيسي من حرير العنكبوت الطبيعي، والذي يساهم في قوته.
يقول تشانغ «اكتشفت العناكب كيفية غزل الألياف بكمية مرغوبة من البلورات النانوية، لكن عندما يستخدم البشر عمليات الغزل الصناعية، فإن كمية البلورات النانوية في ألياف الحرير الصناعية غالباً ما تكون أقل من نظيرتها الطبيعية».
لحل هذه المشكلة، أعاد الفريق تصميم تسلسل الحرير عن طريق إدخال تسلسلات أميلويد التي لديها ميل كبير لتكوين بلورات بيتا نانوية، وقاموا بإنشاء بروتينات أميلويد بوليمرية مختلفة باستخدام ثلاثة متواليات أميلويد مدروسة جيداً.
وتحتوي البروتينات الناتجة على سلاسل من الأحماض الأمينية أقل تكراراً من حرير العنكبوت؛ مما يسهل إنتاجها بواسطة البكتيريا المهندسة، وفي النهاية، أنتجت البكتيريا بروتين أميلويد بوليمري هجيناً مع 128 وحدة متكررة.
وكلما زاد طول البروتين، زادت قوة الألياف الناتجة، ونتج من البروتينات المكررة الـ128، ألياف ذات قوة تفوق الفولاذ العادي على مقياس غيغاباسكال (مقياس لمقدار القوة اللازمة لكسر الألياف ذات القطر الثابت)، وكانت القوة والصلابة أعلى من بعض ألياف حرير العنكبوت الطبيعية. وأكد الفريق البحثي، أن الخصائص الميكانيكية العالية لألياف الأميلويد البوليمرية تأتي بالفعل من الكمية المعززة من بلورات بيتا النانوية.
يقول تشانغ «هذه البروتينات الجديدة والألياف الناتجة ليست نهاية قصة الألياف الصناعية عالية الأداء في مختبرنا، فما فعلناه هو البداية، وهذا يوضح أنه يمكننا هندسة علم الأحياء لإنتاج مواد تتفوق على أفضل المواد في الطبيعة».



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»