أفغانستان: عودة «طالبان» توقظ النزاعات العرقية... و«زعماء الحرب»

الطاجيك والأوزبك ينظّمون صفوفهم... ومخاوف من حرب بشتونية ـ بشتونية

عطا محمد نور خلال القائه كلمة في تجمع لأنصاره في مزار الشريف قبل أيام (حزب الجمعية الإسلامية)
عطا محمد نور خلال القائه كلمة في تجمع لأنصاره في مزار الشريف قبل أيام (حزب الجمعية الإسلامية)
TT

أفغانستان: عودة «طالبان» توقظ النزاعات العرقية... و«زعماء الحرب»

عطا محمد نور خلال القائه كلمة في تجمع لأنصاره في مزار الشريف قبل أيام (حزب الجمعية الإسلامية)
عطا محمد نور خلال القائه كلمة في تجمع لأنصاره في مزار الشريف قبل أيام (حزب الجمعية الإسلامية)

أيقظ التقدم الميداني الواسع الذي تحققه حركة «طالبان» في مختلف المناطق الأفغانية، مخاوف غرق البلاد من جديد في حرب أهلية ينقسم المتقاتلون فيها، إلى حد كبير، على أسس عرقية، كما كان الوضع سابقاً.
لكن نجاح «طالبان» في التمدد خارج مناطق نفوذها التقليدية، وهي أساساً المناطق التي يقطنها البشتون، لا سيما في جنوب البلاد وشرقها، يوحي بأن النزاع بين العرقيات قد لا يكون حتمياً، على رغم وجود مؤشرات متزايدة إلى أن معارضي «طالبان» من غير البشتون يحشدون حالياً مناصريهم ويقومون بتسليحهم لصد تمددها في مناطقهم.
وفي الواقع، ليست هناك إحصاءات دقيقة للتوزع العرقي في المجتمع الأفغاني المكوّن، رسمياً، من 14 عرقية. وتضع غالبية التقديرات البشتون كأكبر عرقية في أفغانستان بأكثر من 40 في المائة من مجموع السكان (تقديرات أخرى تضع النسبة أعلى بكثير)، ثم الطاجيك بنحو 25 في المائة. ويشكل الهزارة والأوزبك أيضاً أقليات لا يُستهان بها، بحدود 10 في المائة لكل منهما. وعلى هذا الأساس، يمكن التكهن بأن المعارضة الأساسية لتمدد «طالبان» قد تأتي في مناطق انتشار الأقليات التي تخشى هيمنة البشتون، لا سيما في شمال البلاد ووسطها حيث ينتشر الطاجيك والأوزبك والهزارة، كما أنها يمكن أن تأتي من داخل البشتون أنفسهم وتحديداً من القبائل التي شكلت عماد الحكم الجديد الذي نشأ بعد إطاحة نظام «طالبان» عام 2001.
- «تحالف الشمال»
تشير تقارير مختلفة، منذ أيام، إلى عمليات تسليح واسعة في صفوف الطاجيك والأوزبك يقوم بها قادة ممن يوصفون بـ«زعماء الحرب» السابقين الذين لعبوا أدواراً مختلفة في منع سيطرة «طالبان» على كامل أفغانستان في تسعينات القرن الماضي، ثم لعبوا أدواراً مهمة في السلطة التي نشأت في كابل عقب الغزو الأميركي. ويبرز، في هذا الإطار، اسم حاكم ولاية بلخ السابق، عطا محمد نور، وهو زعيم طاجيكي كبير يقود جناحاً في الجمعية الإسلامية، الحزب الذي قاده الرئيس السابق برهان الدين رباني والذي قُتل بتفجير انتحاري في كابل عام 2011. ولعبت الجمعية الإسلامية في التسعينات دوراً رئيسياً في مناهضة تمدد «طالبان»، لا سيما من خلال ما عُرف بـ«تحالف الشمال»، وقادها عسكرياً الراحل أحمد شاه مسعود الذي اغتيل عشية هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وبعد إسقاط الأميركيين نظام «طالبان» في كابل، عام 2001. تولى نور أدواراً مهمة في الحكم الجديد، لكن أنظاره ظلّت مركزة على معقله بشمال أفغانستان، حيث تولى منصب حاكم ولاية بلخ. وقبل أيام، أعلن نور، في تجمع حاشد لأنصاره في مزار الشريف، مركز ولاية بلخ، تشكيل «مركز قيادة» للقوات التي تضم مسلحين مدنيين يعملون تحت قيادته. وتوجه نور لمقاتليه قائلاً: «لا يجب أن تتدخلوا في شؤون الناس، وقضاياهم القانونية والقضائية. تجنبوا التجول في المدينة (مزار الشريف). ابقوا في قواعدكم. سيُطلب منكم أن تخدموا عندما تكون هناك حاجة لكم».
ولا تقتصر عمليات التسليح والتجنيد على الطاجيك في شمال أفغانستان، إذ تشهد صفوف الأوزبك أيضاً، كما يبدو، استعدادات لرص الصفوف بعد تمدد «طالبان» في مناطقهم. لكن ليس واضحاً ما إذا كانت لدى معارضي الحركة الأوزبكيين قدرة بالفعل على وقف اكتساحها مناطقهم. ويبرز، في هذا الإطار، اسم نائب الرئيس الأفغاني السابق، عبد الرشيد دوستم، الذي سيطرت «طالبان» على أجزاء واسعة من معاقله المفترضة في ولاية جوزجان، بشمال البلاد. ويقود دوستم حالياً حزب «الحركة الإسلامية الوطنية لأفغانستان»، وقد وجّه، يوم الجمعة، انتقادات شديدة لحكومة كابل نتيجة عدم إرسالها دعماً وتجهيزات لمقاتليه الذين يتصدون لتقدم «طالبان»، كما قال. وقال دوستم في كلمة لمناصريه ألقاها عبر الهاتف، أول من أمس، إن الحكومة لم تقدم حتى الآن دعماً كافياً لمقاتليه، معتبراً أن معنويات هؤلاء «عالية جداً» رغم التقدم الكبير الذي تحققه «طالبان» في مناطقهم. ولا يُعتقد أن «طالبان» يمكن أن تتساهل مع دوستم ومؤيديه إذا ما تمكنت منهم، خصوصاً أن زعيم الحرب السابق متهم بقتل مئات من عناصر الحركة خلال نقلهم أسرى في شاحنات من قندوز (شمال أفغانستان) عقب الغزو الأميركي قبل عقدين. وينفي دوستم مسؤوليته عن وفاتهم.
- غرب أفغانستان
ويُسجّل تحرك مماثل لوقف تمدد «طالبان» في غرب أفغانستان يقوده أحد «زعماء الحرب» السابقين إسماعيل خان، المعروف بـ«أسد هرات». وبدأ تحرك خان، المنتمي إلى عرقية الطاجيك، مباشرة بعد سيطرة «طالبان» على معبر إسلام قلعة في ولاية هرات، وهو أكبر معبر تجاري بين إيران وأفغانستان. وقال إسماعيل خان لمناصريه يوم الجمعة الماضي: «سنذهب قريباً جداً إلى الجبهات الأمامية، وبعون الله نغيّر الوضع»، مؤكداً أن مئات المدنيين من جميع أنحاء البلاد تواصلوا معه وأبدوا استعدادهم لقتال «طالبان». وفي حين تعهد «أسد هرات» بحشد أنصاره من أجل الدفاع عن هرات، إلا أن تجربته السابقة في التصدي لـ«طالبان» لا تبدو مشجعة. فقد طردته الحركة من هرات عام 1995، حيث فرّ مع آلاف من مناصريه إلى إيران. وبعد عودته لتنظيم المقاومة ضد «طالبان» في ولاية فارياب على الحدود مع تركمانستان عام 1997. تمكنت الحركة من اعتقاله وأخذته أسيراً إلى معقلها في قندهار حيث قضى ثلاث سنوات إلى أن تمكن من الفرار عام 1999. بعد سقوط نظام «طالبان» عام 2001، عاد إسماعيل خان ليلعب دوراً مهماً في نظام الحكم الجديد، حيث تولى مناصب وزارية قبل أن يغادر الحكم قبل الانتخابات الرئاسية عام 2014.
- الهزارة
توحي مقاطع فيديو مصورة وزعتها حركة «طالبان»، في الأيام الماضية، بأنها تتمدد أيضاً وبسهولة لافتة في مناطق الهزارة بوسط أفغانستان، مما يشير إلى أن لها أنصاراً هناك أيضاً. وربما يرتبط هذا الأمر بحقيقة أن الهزارة، وهم شيعة إلى حد كبير ويحظون بدعم واضح من إيران، يعتبرون أنفسهم أقلية لا يجب أن تقف في مواجهة الغالبية البشتونية، ربما نتيجة تجربتهم المريرة سابقاً مع «طالبان». ففي عام 1995، طلبت «طالبان» لقاء مع قائد «حزب الوحدة» الشيعي عبد العلي مزاري الذي لعب دوراً بارزاً في قتال الجيش الأحمر السوفياتي في الثمانينات لكنه دخل في نزاعات مسلحة مع فصائل أفغانية أخرى من فصائل المجاهدين. ولدى وصوله إلى مكان الاجتماع قرب كابل، احتجزته «طالبان» ويُزعم أنها عذّبته تعذيباً شديداً قبل قتله. وتقول: «طالبان» إنه قُتل خلال هجومه على حراسه أثناء نقله بطائرة إلى معقلها في قندهار. ودارت لاحقاً معارك كبيرة بين المقاتلين الهزارة وحركة «طالبان» خلال تمدد الأخيرة إلى شمال أفغانستان في أواخر التسعينات، حيث كانت الغلبة لـ«طالبان». وشكّل الهزارة آنذاك جزءاً من تحالف الشمال، ومثلهم فيه محمد محقق، الذي تولى قيادة «حزب الوحدة» في شمال البلاد. وبعد سقوط «طالبان» عام 2001، لعب الهزارة دوراً مهماً في الحكم الجديد، وتولى محقق منصب نائب الرئيس حامد كارزاي. وفي الفترة الأخيرة، كان محقق مسانداً لعبد الله عبد الله خلال منافسته الرئيس أشرف غني على منصب رئيس البلاد.
- البشتون
ليس واضحاً حتى الآن حجم المعارضة التي يمكن أن تلقاها «طالبان» من داخل الوسط البشتوني في تحركها لاستعادة نظام الحكم الذي خسرته قبل عشرين عاماً. لكن من الواضح أن القاعدة الصلبة حتى الآن للتصدي لـ«طالبان» في جنوب أفغانستان تأتي من قبائل البشتون أنفسهم، لا سيما من القبائل التي ساندت الحكم الجديد في كابل وهيمنت عليه خلال الأعوام العشرين الماضية. ومن بين أبرز معارضي «طالبان» من قبائل الجنوب قبيلة «بوبلزي»، وهي من أهم بطون قبيلة دراني وينتمي لها الرئيس السابق حامد كرزاي.
ويمكن أن تؤدي أي محاولة من «طالبان» لدخول معاقل مناهضيها في الجنوب إلى قتال بشتوني - بشتوني يُضعف هذه العرقية أكثر في مواجهة خصومها. وإذا كان هذا هو الوضع في جنوب البلاد، فإن جنوبها الشرقي وشرقها أيضاً يواجه سيناريو شبيهاً، إذ إن الإدارة الأفغانية القائمة هناك قائمة أصلاً على البشتون الذين وقفوا مع الحكم الجديد في كابل ضد «طالبان». وتضم قائمة هؤلاء حالياً عدداً من أبرز قادة «المجاهدين الأفغان» في الثمانينات والتسعينات، مثل عبد الرسول سياف (بشتوني من كابل) زعيم فصيل الاتحاد الإسلامي الذي تحوّل حالياً إلى حزب سياسي وصار له تمثيل في البرلمان. كما تضم قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي الذي وقع اتفاق سلام مع حكومة كابل وانتقل للإقامة فيها منذ عام 2016. ورغم أن الرجلين كانا جزءاً من تحالف الشمال في التسعينات وأوقفا سيطرة «طالبان» على أفغانستان، لا يُعتقد أنهما سيكونان قادرين هذه المرة على تكرار نجاحهما السابق. فسياف لم تعد له قوات عسكرية منذ تحوله إلى حزب سياسي، أما حكمتيار فقد تراجعت قوة مؤيديه كثيراً بعدما صارت مناطقه التقليدية بشرق البلاد معقلاً أساسياً لـ«ولاية خراسان»، فرع «داعش» الأفغاني.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.