الحلقة (8): عودة الحرب على الإرهاب

تواصل «الشرق الأوسط» نشر حلقات من فصول كتاب «من بوعزيزي إلى داعش: إخفاقات الوعي والربيع العربي»، من تأليف الكاتب والباحث السياسي المصري هاني نسيره الذي يعمل حاليا مديرا لمعهد العربية للدراسات بقناة «العربية» بدولة الإمارات. ورصد المؤلف في كتابه الصادر عن «وكالة الأهرام للصحافة» - والتي حصلت «الشرق الأوسط» على حق نشر حلقات من فصوله - سنوات الثورات العربية الأربع وتابع الكاتب تشابهاتها واختلافاتها، وحاول تفسير أسباب تعثر ثورات ونجاح أخرى في إسقاط من ثارت بوجهه، حين اشتعلت من جسد بوعزيزي بتونس ومن أشباهه في مصر، إلى الانتقال من دعوى الربيع العربي ووعده وأمنياته إلى حقيقة «داعش» الداهمة.
وفيما يلي الحلقة الثامنة من الكتاب:

النظام العربي بعد الثورات

صعدت مشكلة الإرهاب للمقدمة من جديد في العالم العربي، لتمثل التهديد الأكبر لدوله ومجتمعاته، سواء مع صعود تنظيمات ومرجعيات العنف ومنتوجاتها الجديدة في دول الثورات العربية غير المستقرة، أو في مجالها الجغرافي والإقليمي.
تتمدد في المنطقة التنظيمات القديمة مثل «القاعدة» والجديدة كتنظيمات أنصار الشريعة وبيت المقدس و«داعش»، والجهاديات الطائفية المعادية لها والمتصارعة معها، خاصة بعد أن استفادت منها أنظمة أرادت اللعب بورقتها في تثبيت سلطتها واستخدامها كفزاعة ضد معارضيها وللغرب، كما هو الحال في سوريا، أو حاولت شراء ولائها واستخدامها في تحقيق مصالح ضيقة ضد خصومها السياسيين، كما يتواتر عن تورط تنظيمات جهادية ليبية في عمليات اغتيال على الأرض التونسية للقيادي المعارض شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهو ما ساعد بعض هذه الأنظمة على التمكين لنفسها في ملاذات آمنة كفاعل إقليمي ضد الدول والشعوب العربية، وليس ضد الغرب كما كانت تتمسك بقتال العدو البعيد قبل هذا الربيع! وزاد من زخمها وحضورها وجود وصعود جهاديات طائفية كحزب الله وجيش المهدي المؤيدين لبشار الأسد، أو تأكيد النزوع الانفصالي للحوثيين بعيدا عن خارطة الطريق اليمنية.
وهي حركات كذلك تتعالى على تصور ومفهوم الدولة التوافقي، وتنازعها استخدام القوة، وتنفرد بقراراتها دونها! مما يؤكد أن الدولة العربية يلفها الخطر انكماشا وتمددا لهذه التنظيمات جميعا!
اتسم الإرهاب الجديد بتحوله من المحلية لتنظيمات عابرة لها، سواء على مستوى العناصر والقيادات متعددة الجنسيات، سواء أكانت تنظيما كتنظيم بيت المقدس والتنظيمات الجهادية في سيناء التي تضم العشرات من غير المصريين، أو كتائب عبد الله عزام، أو تنظيمات أخرى مثل «داعش» التي تتمدد من الأنبار العراقية إلى الرقة السورية، أو ترتد عمليات حزب الله في سوريا على الضاحية في الجنوب اللبناني بعد تمدده في بيروت والقلمون، كما تسمع أصداء الاشتباكات الطائفية على وقعها بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس بين فينة وأخرى، حتى إقرار الخطة الأمنية الأخيرة وتسلم الجيش اللبناني الإدارة الأمنية فيها في 5 أبريل سنة 2014!
يمكننا أن ندلل على هذا الصعود للعمليات الإرهابية في المنطقة، بأنه في عام 2013 نفذ بمنطقتنا ما لا يقل عن 148 عملية انتحارية، تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي العمليات في العالم التي بلغت 291 عملية، وبينما كانت العمليات الانتحارية والإرهابية في السابق تتجه للعدو البعيد - حسب مصطلحات «القاعدة» - والآخر المحتل نجدها خلال العامين الأخيرين وخاصة دول الثورات العربية داخلية بامتياز، ضد القائمين على السلطة أو المنافسين عليها، أو وفق سياسات تمييز طائفي وفكري ديني، وصعود ما يمكن تسميته جهادية سلطة وجهادية طائفية فضلا عن العنف العشوائي الذي يروح ضحاياه المواطنون العاديون، في مناخات من الانفلات الأمني وضعف أجهزة الدولة في بعض دول الثورات العربية.

موجات إرهاب أكثر تطرفا

بثت شبكة «السحاب» الذراع الإعلامية لـ«القاعدة» تسجيلا صوتيا لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري يرثي فيه أبو خالد السوري أحد قدامى الجهاديين السوريين، ورفيق درب أبو مصعب السوري الذي قتلته «داعش» في 23 فبراير الماضي، ووصف قاتلي رفيقه القديم، والذين يصفون أنفسهم بأنهم قاعديون، حيث تمثل «داعش» تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بأنهم أهل فتنة. وطالب جميع المسلمين بعدم مساعدتهم أو تقديم الدعم لهم، لأنهم يفخخون مقرات المجاهدين ويحققون هدف الغرب في ضرب الجهاد! أتى حديث الظواهري ضد إرهاب «داعش» وقد سبقه تعليق مصور لآدم غادان أحد المسؤولين الإعلاميين لـ«القاعدة» في 30 مارس الماضي وصف فيها «داعش» بقتلها أبو خالد السوري بالغلو والطغيان! وكذلك وصفهم أبو قتادة الفلسطيني يوم الخميس 28 فبراير الماضي في أثناء محاكمته في العاصمة الأردنية عمان بالجماعة المنحرفة وأن أفكارها «فيها غلو وتشدد»، وقال أبو قتادة أيضا إن «اسم (داعش) غير حقيقي وهي مجموعة أفراد متفرقين بلا قيادة وبلا ضابط شرعي»، مضيفا أن «(داعش) تستخدم العبارات الشرعية في غير موضعها كما هو حال أهل البدع».
كذلك ما نجده إخوانيا في مصر حين يغزو تنظيم بيت المقدس الغزوات تعطيلا وإرهابا، ضد مسار ودولة وأمن ما بعد 30 يونيو، ويسمي غزواته بالثأر لمسلمي مصر في إشارة للإخوان، وأحيانا من أجل حرائر مصر في إشارة للسجينات من الناشطات الإخوانيات، ويصر على تعطيل الاستحقاق الرئاسي المزمع خلال الشهور المقبلة عنفيا كما تلح أيضا اشتباكات ومظاهرات جماعة الإخوان المسلمين، يتبرأ الأول تبرؤا كلاميا من الثاني، كما تبرأ متحدثهم محمود غزلان يوم 4 أبريل سنة 2014 من الناشط الشاب أحمد المغير، وأعلن أنه لا ينتمي لجماعة الإخوان، لمجرد تعبيره الصريح والصادق عن تأييده لتفجيرات جامعتي القاهرة يوم 2 أبريل، ورد الأخير بأنه عضو في الإخوان ولا يملك الأول فصله وفق لائحة الجماعة، ثم يقرر الشاب - شأن كل النشطاء الشباب الإخوان - المفارقة لمساحة أخرى تتهم الإخوان بالخذلان وتتهم قياداتهم بالرفاه بينما شبابهم يضحون! وأن حسن البنا - المرجعية الإخوانية الأولى والوحيدة - بريئة منهم؛ لأن – القادة - يرددون شعار الجهاد سبيلنا ولم يطبقوه!
كذلك توالت اعتذارات الإخوان وبراءاتهم من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه، في التعاطي مع 30 يونيو ومع المسار بعده، واستمرار توجه دول عربية وغربية لحظر أنشطة الجماعة على أراضيها، أو التوجه والتفكير في ذلك شأن ما كان من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في الأول من أبريل هذا العام، بفتح تحقيق حول جماعة الإخوان المسلمين، بناء على تقييم قُدم له من الأمن الداخلي والمخابرات البريطانية عن احتمال ضلوع الجماعة في قتل 3 سياح في حادث إرهابي استهدف حافلة في مصر.
وخلال الأيام الأولى من نفس الشهر قرر البرلمان الكندي تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية، بأغلبية مطلقة، وقد سارعت جماعة الإخوان المسلمين ردا على التوجه البريطاني، الذي ما زال في طور التوجه لا الفعل والقرار، بإصدار بيان تؤكد فيه سلمية مبادئها ومرجعياتها المنشورة والمعلنة، وأنها تستنكر العنف دائما، وتبدي استعدادها للتعاون مع كل الجهات من أجل تأكيد ذلك، واتهمت ما تصفه بالانقلاب العسكري والحملات الإعلامية التي تسعى لتشويه صورتها التي تراها سلمية.
الأهم في هذا الأمر، بغض النظر عن أزمة التفكير الإخواني، الذي يجمع بين السلمية والعنف في آن واحد، فيدعو أحدهم للجهاد والقتل في مصر ويشجعون كل يوم الاحتجاجات العنفية التي يقوم بها طلاب الأزهر ضد مشيخة الأزهر وضد أساتذتهم وضد جامعتهم، لمجرد الخلاف السياسي، ويؤكد آخر على الرابط بين اعتصامات رابعة التي كنا نسمع منها المجابهة مع الدولة والمجتمع والمخالف دينا أو رأيا، يتبرأون في الشهور الأخيرة مما أنتج ذلك! أنهم تحولوا من طور المظلومية لطور تعديل الصورة ومواجهة التحديات المتوالدة من دول شرقية وغربية للتضييق على الجماعة التي تراها خطرا عليها! وهو ما كان متوقعا في مسار المجابهة الذي اختارته الجماعة بعد سقوطها في 30 يونيو في مصر شعبيا أولا ورسميا ثانيا.

ملامح الخطر المتصاعد

1- تنظيمات إرهابية جديدة أكثر غلوا وتشددا من سابقتها.
2- تمدد خطر بعض هذه التنظيمات عبر الحدود، بين أكثر من دولة، وتأثيرها في الاستقرار في دول الجوار بالخصوص والإقليم بعموم.
3- تأثيرات في الاجتماع والاستقرار الثقافي المتعدد في عدد من الدول الأخرى؛ نظرا لصراع الجهاديات الطائفية في سوريا، لصالح النظام وضد الثورة أغلب الأحيان، وقد لا يقف الأمر عند لبنان القريبة بل امتد حتى دولة كالبحرين وبعض المناطق الأخرى.
4- استقطاب وتزكية لروح الفوضى: خاصة بعد تحول الموقف من سقوط جماعة الإخوان المسلمين بعد الحراك الشعبي في 30 يونيو، لموقف إقليمي فرزي خاصة بعد ميل عدد من الأنظمة لدعمهم والانتصار لهم، واستهداف النظام والمسار المصري بعدهم، وكذلك استنفار فروع الإخوان في بلدان متعددة للانتصار لأزمة ومأزق الجماعة الأم في مصر، وهو الموقف التي وضعت نفسها فيه، نتيجة ميلها العنفي وإصرارها على رفض خارطة الطريق وتعطيل مسارها واستنزاف استقرارها ومواردها.
5- على وقع الأزمة والثورة السورية التي عسكرها النظام مبكرا بقمعيته وانشقاق عدد كبير من عناصر جيشه انضماما للشعب ضده، كان استنجاده الطائفي مبررا لدخول «داعش» و«النصرة» كجهادية طائفية مضادة أفادت النظام، رغم استقلالها عن جسد الثورة الفعلي.
6- لا تعتذر الحركات الأقدم عن منتوجاتها الأكثر غلوا وتشددا، أو عن دفعها لظهورها سواء نتيجة خطابها العنفي والصدامي، كما هو حال الإخوان المسلمين، أو سلبا كرد فعل على ممارساتها الخطأ خارج إطار دولتها كما هو حال حزب الله في لبنان الذي لم ينأ بنفسه بينما نأت دولته، فأرهق الدولة والسلم اللبنانيين، لصالح بقاء نظام بشار الأسد!
سنحاول فيما يلي تناول بعض مظاهر الصعود الإرهابي والعنف الأصولي أو الطائفي أو الجهوي في عدد من بلدان الربيع العربي تدليلا على هذا التحدي الذي نشير إليه بأزمة الدولة العربية المعاصرة والنظام العربي ككل.

اليمن.. صحوة الحوثيين و«القاعدة»

عادت «القاعدة» لنشاطاتها في اليمن بعد أن تراجعت العام الماضي 2013 مع ضربات الدولة المتتالية بعد تولي عبد ربه منصور هادي، ولكن بعد أن خرق الحوثيون التوافق الوطني، والاستقواء على الدولة وعلى دماج وحاشد، ثم صنعاء في 21 سبتمبر سنة 2014، بدعم إيراني مكشوف، واستهدافه الدولة والثورة معا، عادت كذلك «القاعدة» لصحوتها ونشاطها المدوي، وهو ما ينذر كما أسلفنا بسيناريو داعشي محتمل في هذه البلاد.
خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 2014 فقط، نجحت «القاعدة» في اليمن في تنفيذ ما لا يقل عن 20 عملية، ضد قوات الجيش والأمن، باستثناء جرائم الاغتيالات لعشرات الضباط، كان آخرها في 4 أبريل الحالي من استهداف مقتل 8 عسكريين يمنيين بينهم ضابط برتبة مقدم بهجوم على نقطة في حضرموت، وسبقتها عمليات كبرى بنفس الطريقة في حضرموت أيضا، إحداها في مارس في منطقة المضى راح ضحيتها 20 جنديا، وأخرى راح ضحيتها 18 جنديا بمنطقة شبام في حضرموت كذلك.
كما أنه ليس أدل على هذه العودة القوية لـ«القاعدة» في اليمن، من عملية الهروب الكبرى واقتحام سجن صنعاء، التي نفذتها في فبراير الماضي 2014، وتفوقت بها على عمليات الهروب السابقة من السجون، كهروب مفجري فنادق عدن من سجن المنصور في 17 يوليو عام 1993، والهروب الكبير في 3 فبراير سنة 2003، الذي هرب خلاله قادة «القاعدة» في اليمن مثل أبو بصير ناصر الوحيشي، وغيره قادة تفجير المدمرة الأميركية «كول» عام 2000 والهجوم على الناقلة الفرنسية ليمبورغ عام 2002، وجاء هذا الهروب بعد أسبوع واحد من إعلان الولايات المتحدة أن اليمن لم تعد تشكل تهديدا على أمنها القومي، مما أحرج علي عبد الله صالح وقطع بينه وبين الهدنة التي كانت سائدة بينه وبين «القاعدة».
في هذه المرة فبراير سنة 2014 نجح مسلحون من تنظيم القاعدة، من اقتحام السجن المركزي بصنعاء، وإطلاق 21 سجينا من أخطر عناصرهم، وقتل 18 جنديا، من حرس السجن، في عملية نوعية بامتياز.
كذلك استهدفت «القاعدة» في اليمن، في مارس 2014، مبنى الاستخبارات العسكرية بلحج، بسيارة مفخخة، وأصيب فيها 3 جنود، كما وقع عدد من المدنيين ضحايا.

عراق المالكي المبعد.. الطائفية منهجا

عراقيا عادت صحوة «القاعدة» والتنظيمات المتفرعة عنها عام 2013، وزادت عمليات «القاعدة» عموما بنسبة 143 في المائة عن عام 2012، كما زادت نسبة العمليات الانتحارية حيث مثل العراق المرتبة الأولى بين دول العالم في العمليات الانتحارية عام 2013، بمجموع 98 عملية انتحارية، بنسبة 280 في المائة مقارنة بالسنة السابقة (35) عملية انتحارية فقط، وهو ما يعيده العديد من المراقبين شرقا وغربا لسياسات المالكي الطائفية والإقصائية والتمييزية ضد السنة، فضلا عن تورطه الأخير - بأوامر إيرانية - في التدخل لصالح بشار الأسد في سوريا.
كان مرد ذلك سياسات التمييز الطائفي لنوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، منذ عام 2010، والتي قضت على الصحوات واستخدمت الطائفية والتسلطية ذريعة أولى للبقاء في السلطة لولاية ثالثة! وهي السياسة التي يرفضها أقطاب البيت الشيعي كمقتدى الصدر وعمار الحكيم، كما يرفضها خصومه عامة.

ليبيا بين «القاعدة» والميليشيات

ينتشر في ليبيا السلاح الذي يمثل تهديدا أمنيا على جوارها الشرقي والغربي، مصر وتونس والجزائر، وبينما يتعثر المسار السياسي نتيجة الهيمنة الإخوانية على المؤتمر العام وسياستها الأحادية الراغبة في البقاء في السلطة رغم انتهاء ولايته في 7 فبراير سنة 2014، ورغم ما شهدته العراق من نكسة يونيو سنة 2014 وتوافق المرجعية والقوى السياسية على ضرورة رحيله، أصدر بيانا يؤكد فيه هذا الإصرار على البقاء وإن ذهب العراق بكامله.
على جانب آخر دعت حركة تمرد التي تضم مجموعة من منظمات المجتمع المدني في طرابلس وبنغازي للعصيان العام يبدأ يوم 6 أبريل سنة 2014 وسط معارضة من أنصار الجماعة والمؤتمر الوطني العام التي تلاحق عددا من قياداتها ورموزها فضائح أخلاقية ومالية، وظلت هذه الحركات تسيطر على بنغازي حتى أوائل نوفمبر سنة 2014.
قبل النجاح النسبي للبرلمان المنتخب والحكومة الشرعية في طبرق، كان العنف المسلح الديني والجهوي سيد المشهد في ليبيا، حيث تنتشر الميليشيات المسلحة، ففي مصراتة وحدها، في عامين فقط بين نوفمبر 2011 ونوفمبر سنة 2013 تم تسجيل 236 كتيبة ثورية في اتحاد ثوار مصراتة، وهو ما يتكون مما يقرب من 40 ألف عنصر مدرب، وحسب عدد من المراقبين توجد 1700 جماعة مسلحة تحبس أنفاس ليبيا، لم تنجح الدولة التي تعهدت بعد اغتيال السفير الأميركي في بنغازي و3 من مرافقيه بعد هجوم جماعة أنصار الشريعة على القنصلية في 11 سبتمبر سنة 2012، بنزع سلاحها، أنصار الشريعة «المعروفة بتوجهاتها الإسلامية، والتي تعتبر أكثر الكتائب تسليحا وتنظيما وقوة، وهو ما حصل وفق ما صرح به، إلا أن كتيبة شهداء 17 فبراير، وتعتبر هذه الكتيبة أكبر وأفضل الميليشيات المسلحة في شرق ليبيا، وتحصل الكتيبة على تمويلها من وزارة الدفاع الليبية، وكتيبة شهداء أبو سليم وكتائب الشهيد راف الله السحاتي وقوة درع ليبيا التي تبدو الأوسع انتشارا في شتى أرجاء ليبيا، وتشبه تحركاتها وتصرفاتها كثيرا وحدات الجيش النظامي الاعتيادية، وترفع القوة تقاريرها إلى وزارة الدفاع الليبية، وفي غرب ليبيا أيضا تنتشر العديد من الكتائب، المجلس العسكري لثوار الزنتان ولواء سعدون السويحلي والسويق والقعقاع وغيرها الكثير التي تخدم الأهداف الآيديولوجية والقبلية والمناطقية والعرقية.
من جانب آخر تنشط «القاعدة» وأنصار الشريعة، في شرق ليبيا، وخاصة منطقة درنة، ويمتد نشاطها داخليا وخارجيا حسب العديد من التقارير، وقد تظاهر منتمون لـ«القاعدة» علنا، في درنة، رافعين أعلامها في 5 أبريل سنة 2014 ويسيطرون على أجزاء كبيرة منها، كما تنشط مشكلة إقليم برقة الراغب في الانفصال، الذي تصالحت معه الحكومة المؤقتة، في 5 أبريل سنة 2014 لتنظيم بيع النفط.
هذه الفوضى المسلحة دفعت مليون ليبي للخوف من العودة لبلادهم بعد ثورة 17 فبراير سنة 2011، ويرحل عنها بعض رموز ثورتها في 17 فبراير سنة 2011 ضد نظام معمر القذافي، حيث تنتشر الاغتيالات المنظمة لرموز سياسية وأمنية، ففي عام 2013 بلغ عدد الاغتيالات 120 اغتيالا وفي شهر فبراير سنة 2014 وحده طالت الاغتيالات 52 شخصية أغلبهم من القيادات الأمنية.

مصر.. استهداف الدولة

بعد الحراك الشعبي في 30 يونيو الذي انتهى رسميا بانتهاء حكم الإخوان المسلمين، وعزل رئيسها السابق محمد مرسي بعد عام من ولايته، ومحاكمته مع عدد من قيادات الجماعة، سعت الجماعة وأنصارها، لمحاولة إسقاط المسار والدولة معه، بطريقة أكثر عنفا ودموية من احتجاجات 25 يناير و30 يونيو، وهو ما عبر عنه عاصم عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية المصرية والمقيم الآن في قطر في 9 أكتوبر سنة 2013 بقوله: «سنلاعب الانقلابيين ونرهقهم حتى يفلت الزمام من أيديهم وتنهار مؤسسات الدولة جميعا، وفي تلك اللحظة لن يجد الانقلابيون من يدعمهم ولن يجدوا إلا أفواها جائعة لتأكلهم». وبين اشتباكات مع قوات الأمن والشرطة بلغت حتى 4 أبريل 194 اشتباكا على الأقل، في مناطق متفرقة، ونشط فيها طلاب الجامعات وبخاصة جامعة الأزهر، الذين توجه لهم بيان ما يعرف بتحالف دعم الشرعية بالتحية في 5 أبريل سنة 2014 من التعدي على المنشآت الجامعية، والاعتداء على بعض الرموز المعارضة لهم، ولو كان شيخا أزهريا كما حدث في أبريل 2014 ضد الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، أو ضد الشيخ الدكتور علي جمعة في أثناء مناقشته لأطروحة جامعية في جامعة القاهرة في سبتمبر سنة 2013. كما تكررت محاولات اعتدائهم على مشيخة الأزهر بعد 30 يونيو أكثر من مرة.
بلغ العنف ضد الدولة والمجتمع أوجه في الشهور الأولى بعد 30 يونيو، وخاصة شهر أغسطس سنة 2013 والذي كانت حصيلة قتلاه الأعلى منذ 30 يونيو، وسقط فيها من الضحايا 131 من قوات الشرطة والجيش.
تركز عنف الإخوان وأنصارهم ضد قوات الشرطة وقوات الجيش ويوضح الشكل التالي عدد القتلى والضحايا منهم بعد 30 يونيو وحتى 3 أبريل سنة 2014..
توالد العنف تنظيمات تكفيرية أكثر تشددا في مصر، مثل تنظيم بيت المقدس الذي كان أول ظهوره في يوليو سنة 2013 كما ظهر تنظيم أجناد مصر الذي أعلن مسؤوليته عن تفجيري جامعة القاهرة في 2 أبريل سنة 2014، وقد قام تنظيم بيت المقدس بـ24 عملية كبرى منذ خلع الرئيس المعزول في 3 يوليو أعلن مسؤوليته المباشرة عن 16 عملية منها، يمكن أن نوجز أبرزها فيما يلي:
1- استهداف مديرية أمن سيناء في 9 أكتوبر سنة 2013، والتي سماها التنظيم غزوة الثأر لمسلمي مصر عبر استهداف جهاز الشرطة الذي وصفته بالمجرمة، ثأرا للقتلى في رابعة والنهضة.
2- استهداف مديرية أمن الدقهلية في 25 ديسمبر سنة 2013 عبر عملية انتحارية نفذها أحد عناصر التنظيم، وراح ضحيتها 14 شهيدا ونحو 130 مصابا، وقد وصف التنظيم في – بيانه - هذه المنشأة الأمنية بأحد أوكار الردة وكرر نصيحته لعناصر الشرطة المصرية بترك الخدمة.
3- وقوع تفجير بالقرب من مبنى المخابرات الحربية في مدينة الإسماعيلية في 19 أكتوبر 2013، مما أدى إلى إصابة 6 أفراد وإحداث خسائر في المباني واحتراق العديد من السيارات.
4- تفجير سيارة ملغمة بالقرب من مبنى المخابرات الحربية بمنطقة أنشاص الرمل في محافظة الشرقية في 29 ديسمبر 2013، مما نتج عنه دمار في المنطقة المجاورة.
5- عملية اغتيال المقدم محمد مبروك في 19 نوفمبر سنة 2013 وهو من قطاع الأمن الوطني وأحد المسؤولين عن إعداد تقرير التحريات الأمنية في قضية الهروب من سجن وادي النطرون وأن الرئيس السابق مرسي أحد المتهمين فيها، وقد وصفه بيان التنظيم حينئذ بأحد الطغاة، وأنها جاءت كجزء من عمليات تحرير الأسيرات حسب بيان التنظيم.
6- استهداف مديرية أمن القاهرة في 24 يناير سنة 2014: والتي راح ضحيتها 4 قتلى وعشرات الضحايا، كما أصيب خلالها المتحف الإسلامي، ونفذها 7 عناصر من التنظيم حسب بيان الجماعة.
7- اغتيال اللواء محمد سعيد - مدير المكتب الفني لوزير الداخلية المصري - في 28 يناير سنة 2014 في حادث إرهابي بمنطقة الهرم.
8- ظهر يوم الأربعاء 2 أبريل الماضي شهدت جامعة القاهرة تفجيرين، راح ضحيتهما العميد طارق المرجاوي، مباحث قطاع غرب الجيزة، الذي لقي مصرعه، الأربعاء، في انفجار عبوتين ناسفتين بمحيط جامعة القاهرة.
بلغت مظاهرات الإخوان والاشتباكات بينهم وبين قوات الأمن أوجها بعد 30 يونيو حتى الخامس من أبريل سنة 2014، ووصل عددها حسب البيانات المتاحة، من البيانات الحكومية وغير الحكومية إلى 194 اشتباكا، بلغ عدد ضحاياها في يونيو ويوليو 2013 نحو 34 قتيلا، ثم بلغت قمتها في أغسطس حيث ارتفع عدد القتلى من قوات الأمن (شرطة وجيش) 131 قتيلا، وكانت أقوى هذه الاشتباكات في منطقتي كرداسة بمحافظة الجيزة ودلجا بمحافظة المنيا في شهر أغسطس سنة 2013، حيث تم اقتحام أقسام الشرطة مما أسقط ضحايا، وهو ما تكرر في عدد من المناطق الأخرى كذلك.
ورغم تراجع عدد الاشتباكات والعمليات وعدد الضحايا من قوات الأمن، نظرا للضربات الاستباقية التي وجهها الأمن المصري لتنظيم الإخوان وقياداته الهرمية والقاعدية، وكذلك لتنظيم بيت المقدس، وعودة هيبة الدولة بعد إقرار دستور 2013 بنسبة عالية، واستمرار محطات خارطة الطريق التي تنتهي بالانتخابات البرلمانية عام 2015.
واستهدافا للدولة والاستقرار واستنزافا لها كما يعلن ممثلوها دائما تصعد هذه التنظيمات من العمليات الخطيرة في أكتوبر ونوفمبر سنة 2014، سواء عبر الإرهاب العشوائي الذي يمارسه تنظيم أجناد مصر ويستهدف المدنيين وإرهابهم، فقد تبنى هذا التنظيم تفجيرات بالقرب من محطات المترو، في 14 أكتوبر 2014، أو في طريق القطارات يوم 24 أكتوبر أيضا من نفس العام. أو العمليات المنظمة التي يتبناها بيت المقدس والتنظيمات التكفيرية، كتلك التي حدثت يوم الجمعة 24 أكتوبر، وراح ضحيتها 27 قتيلا شهيدا - بإذن الله - من المجندين المصريين وما لا يقل عن 30 مصابا، وهو ما وصفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحرب وجود يشنها الإرهاب وداعموه ضد الدولة والمجتمع المصري.
بينما يعلن ممثلو هذه الجماعة السياسيون خطابا جهاديا ويدعون لنفير عام وثورة مجاهدي مصر، وهو ما يكشف الترابط الوثيق بين الإسلام السياسي والجهادي في هذه المرحلة، كما يكشف مدى اشتهاء هؤلاء للسلطة وأولوية الجماعة عندهم على الوطن!
وهو ما يعني أن الجماعة الإخوانية وأنصارها من بيت المقدس وأجناد مصر وأنصار الشريعة وغيرها، تتجه لتصعيد عنفها مع اقتراب هذا المسار الحاسم، فقد نشطت عمليات تنظيم بيت المقدس بشكل جزئي في مارس سنة 2014 رغم تعرضها لعدد من العمليات الاستباقية من الجيش المصري في سيناء، واتباع سياسة تصالحية واستيعابية مع قبائل سيناء من قبل قوات الجيش، وتضييق الخناق على شبكات التمويل والدعم في الداخل والخارج.
ختاما وفق منطق الموجات الإرهابية الجديدة والمتوالدة، وتحول الإرهاب من قضية وطنية إلى قضية إقليمية، ينداح من أزمة دولة ما بعد الثورات العربية، والنظام العربي ككل، واستعصاء الأزمة السورية على الحل السياسي، مع إصرار بشار الأسد على البقاء، ووجود ملاذات آمنة للقواعد الجديدة في سوريا وليبيا، ولعب بعض الأنظمة بورقتها، يمثل تحديا وطنيا وإقليميا كبيرا وخطيرا يهدد الحاضر كما يهدد بشكل أكبر المستقبل في هذه المنطقة من العالم.

* ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة