عون يذكّر بشراكته الدستورية في تأليف الحكومة

«المستقبل» يعتبرها «ذريعة ليبرر التعطيل»

TT

عون يذكّر بشراكته الدستورية في تأليف الحكومة

استبق الرئيس اللبناني ميشال عون زيارة الرئيس سعد الحريري المرتقبة اليوم إلى قصر بعبدا، بالتأكيد على شراكته الدستورية في تشكيل الحكومة مع الرئيس المكلف، كما تنص المادة 53 من الدستور اللبناني، رغم تأكيد «تيار المستقبل» أن صلاحيات الرئيس «لا أحد يمسّ بها أو يتخطاها»، معتبراً في الوقت نفسه أن تحويل الخلافات السياسية إلى معركة صلاحيات «تعكس إصرار عون على موقفه الرافض أي تشكيلة حكومية لا تتضمن الثلث المعطل».
وتلقى رئيس الجمهورية أمس اتصالاً من الحريري، طلب فيه الأخير تأجيل الاجتماع بينهما الذي كان مقرراً أمس إلى اليوم (الأربعاء)، بحسب ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية.
وقال نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، بعد لقائه الحريري أمس، إن الرئيس المكلف «بات مدركاً لكل أهداف الحكومة وأبعادها، وحاول قدر الإمكان أن يتعاطى مع هذا الشأن بذاته، وفقاً للمتيسر بين يديه، وهو سيحاول ترجمة الأمور في الوقت القريب».
وعشية الزيارة المرتقبة إلى قصر بعبدا لتقديم تشكيلة حكومية بعد انقطاع طويل، قال عون في تغريدة له في «تويتر» إن «‏من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة فليقرأ جيداً الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور».
وتنص الفقرة الرابعة في المادة 53 من الدستور على أن رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم»، ما يعني بحسب «التيار الوطني الحر»، شراكة دستورية في تأليف الحكومة بين الطرفين، وتحتاج مراسيم تشكيلها إلى توقيع الطرفين.
غير أن «تيار المستقبل» يرى في توقيت التذكير بهذه المادة عشية زيارة الحريري إلى بعبدا «ذريعة ليبرر تعطيله للبلد»، بحسب ما قال عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجار، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التمادي في خرق الدستور من قبل الرئيس عون لم يثمر سوى تخريب البلد والإطاحة بالمؤسسات»، مضيفاً أن «همه الوحيد هو كيفية تأمين مستقبل صهره (النائب جبران باسيل) الرئاسي والسياسي من غير إعارة أي اهتمام لمشكلات الناس».
وقال الحجار إن رئيس الجمهورية «يتذرع في كل مرة، ليبرر تعطيله البلد وتشكيل أي حكومة لا يكون له فيها القرار الذي يمكّنه من تسيير البلد على إيقاع الانتخابات الرئاسية المقبلة»، معتبراً أن تغريدته «تمثل محاولة استباقية لتبرير رفضه وتعطيله لتشكيلة حكومية يمكن أن يتقدم بها الحريري اليوم، وهي واحدة من خياراته».
وإذ رأى أن التذكير بالمادة الدستورية يعني تحويل الخلافات السياسية إلى معركة صلاحيات، أكد أن «لا أحد ينكر على رئيس الجمهورية حقه في أن يكون له رأي بأسماء الوزراء»، لكنه أكد أن هذا الحق «بهدف تسهيل التشكيل، وليس تعطيل البلد، كما فعل عون منذ 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حتى اليوم»، في إشارة إلى تاريخ تسمية الحريري لتأليف الحكومة من قبل الأكثرية البرلمانية.
وأشار الحجار إلى أن زيارة الحريري إلى بعبدا اليوم «تمثل محاولة جديدة ليقلع البلد والانطلاق به نحو حكومة تلبي شروط المجتمع الدولي وتستعيد ثقة الداخل بالحكومة»، مجدداً التأكيد أن الحريري «يجهد لتقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية تتناسب مع معايير المجتمع الدولي».
والمادة 53 واضحة لجهة إرساء المبدأ الذي يكرس صلاحية دستورية واضحة وكاملة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بحسب ما يقول الباحث الدستوري الدكتور أنطوان صفير، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الدستور لم يدخل في تفاصيل أو أصول معينة لكيفية التأليف، مشيراً إلى أنه في موقع النص لا يمكن الاجتهاد، لذلك «إذا كان من تعديل فهو تعديل شامل لمنطق السلطة الإجرائية وصلاحياتها ودور رئيس الجمهورية فيها، ومن ضمنها موضوع تشكيل الحكومة»، أما اليوم «فلا يمكن أن تشكل حكومة من دون توقيع الرئيسين، وبالتالي توافقهما على كل الأسماء والحقائب».
ويقول صفير إن الرئيسين «يجب أن يتحليا بالإيجابية بطريقة الطرح والتعاون، كما كان يحصل في كل مرة يتم فيها تشكيل الحكومة». ويضيف أن «التذرع بمسألة الصلاحيات لإرساء قواعد جديدة أو لعرقلة تشكيل حكومة في أخطر مرحلة من تاريخ لبنان، هو أخطر من مسألة صلاحيات، ويجب أن ندخل في تأليف حكومة اليوم قبل الغد مقبولة، لتكون هناك قدرة على بداية حلحلة، للتعاون مع مؤسسات دولية».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.