الفقر يعمّ لبنان بسرعة «صاروخية»... والحد الأدنى للأجور يهبط إلى دولار واحد يومياً

سكانه مرشحون بالجملة لامتحان «العيش بالخبز وحواضر المنازل»

صيدلية مقفلة بسبب أزمة الدواء في لبنان (أ.ف.ب)
صيدلية مقفلة بسبب أزمة الدواء في لبنان (أ.ف.ب)
TT
20

الفقر يعمّ لبنان بسرعة «صاروخية»... والحد الأدنى للأجور يهبط إلى دولار واحد يومياً

صيدلية مقفلة بسبب أزمة الدواء في لبنان (أ.ف.ب)
صيدلية مقفلة بسبب أزمة الدواء في لبنان (أ.ف.ب)

لم تعد روحانية «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» متوافقة تماما مع شظف العيش الذي يعانيه معظم اللبنانيين، بعدما صار للرغيف حصة من الارتفاعات اليومية في سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية في «السوق السوداء» (لامس 19 ألفاً)، بذريعة أن الاستمرار بدعم الطحين من قبل الدولة لا يكفي لأن بقية المكونات من الخميرة والملح والسكر وأكياس النايلون وسواها باتت وفق سعر السوق، فضلا عن تكلفة تشغيل الأفران من كهرباء المولدات إلى أجور العاملين.
ومع تسجيل ارتفاع جديد في سعر الخبز، ليصل الإجمالي إلى ثلاثة أضعاف تكلفته السابقة قبل الأزمة، زادت بحدة المخاوف لدى معيلي الأسر من الدخول سريعا في حقبة الاكتفاء بهذه السلعة الحيوية كمرتكز غذائي يومي، معززا بما يتيسر من «حواضر» منزلية، في حين تنمو أعداد «المنقبين» في حاويات القمامة بحثا عن بقايا صالحة للبيع من زجاج أو كرتون وحديد وسواها، ومواربة بالخجل سعيا إلى التقاط فضلات طعام.
وقد سعت «الشرق الأوسط» إلى تظهير بعض معالم المشهد المعيشي عبر استطلاع ميداني شمل عينة من المعيلين لأسرهم وكيفية تدبر أمورهم. لتبرز فورا حقيقة مؤلمة بأن الفقر المدقع يتوسع بوتيرة «صاروخية» ليشمل كل المداخيل التي تقل عن 3 ملايين ليرة شهريا، ويلامس من تصل رواتبهم إلى 5 ملايين ليرة، وينذر بضم كامل الطبقة المتوسطة إلى أتونه.
وفي عمليات الاحتساب الواقعية، بات الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة يوازي فقط نحو 34 دولارا شهريا أو 1.15 دولار واحد يوميا. وبذلك فإن المتوسط المفترض للمداخيل عند مستوى 3 ملايين ليرة، هبط بدوره فعليا إلى نحو 150 دولارا شهريا أو 3 دولارات يوميا. لكن هذه المعادلات غير نهائية ما دام أن سعر صرف العملة الوطنية هو مهدد يوميا بهبوط إضافي. والأهم أن ما تبقى من قدرات شرائية يصطدم بندرة السلع الضرورية أو انقطاعها التام، مع إقرار الجميع بالتخلي الطوعي عن «رفاهية» الغذاء باللحوم والدواجن.
بمرارة، يسرد معيل أسرة مكونة من 5 أفراد جانباً من الوقائع التي تتراكم ككرة الثلج في يومياته. يستهل: «ظلمت جدي حين وصمت روايته بشيء من المبالغة عندما كان يخبرنا عن حقبة المجاعة التي ألمت بالبلاد والمنطقة إبان سيطرة العثمانيين والحرب العالمية الأولى (سفر برلك/1914). نحن الآن في قلب الرواية التي لم تقتل الأجداد، فيما تنذرنا يوميا بالموت جوعا أو مرضا أو كمدا».
ويستطرد رافضاً ذكر اسمه، قائلاً إن «تكلفة وجبة الفطور وحدها تبلغ نصف مدخولي اليومي؟ راتبي يتعدى قليلا 3 ملايين ليرة شهريا وبيتي ملك بالإرث. هذا الدخل كان يزيد على ألفي دولار قبل الأزمة، وكان يؤمن لأسرتي «رفاهية» الوجبات الثلاث يوميا والحد المقبول من المصاريف الضرورية على النقل والألبسة والكهرباء والطبابة المدعومة من صندوق الضمان الاجتماعي وتغطية التكلفة المتدنية لتعليم ثلاثة أبناء في المدارس الرسمية. إضافة إلى ترفيه بالحد الأدنى في نهاية الأسبوع والأعياد والمناسبات الخاصة كأعياد الميلاد ونظيراتها».
سأحدثك عن الترويقة (وجبة الصباح)، يضيف دامعاً: «بعدما تخلينا عن تعدد الصحون وقررنا الاكتفاء بمناقيش الزعتر (الصعتر) والشاي، أبت بورصة الدولار أن تدعنا نهنأ بكفايتنا. تكلفة المنقوشة الواحدة مع مصروف السكر والشاي ارتفعت إلى 10 آلاف ليرة. بالتالي، ارتفعت تكلفة الترويقة المتقشفة إلى 50 ألف ليرة كل صباح أو 1.5 مليون ليرة شهريا. وجدت الحل المؤقت بأن أقلع وزوجتي عن هذه (العادة) ونكتفي بالخبز. بالوهم خففت المصروف، وفي الحقيقة ظل الوجع المادي والنفسي يتفاقم في احتساب مصاريف وجبتي الغداء والعشاء، وقد حان الوقت للتخلي عن أي منهما».
يعكس هذا المثال الصارخ بمدلولاته، مستوى الدرك المعيشي الذي ينحدر إليه اللبنانيون زرافات من مستويات المداخيل المتنوعة. فمن يقدر أن يؤمن الإنفاق على الغذاء، يعجز حكما عن تغطية الإنفاق على ضرورات قد يتعذر الاستغناء عن معظمها. فالأدوية المدعومة مفقودة بغالبيتها، والتغطية الاستشفائية تتناقص إلى حدود العدم. والتيار الكهربائي العام أصبح حلما متقطع التغذية إلى حدود الساعة يوميا، فيما تكلفة الاشتراك بالمولدات الخاصة قفزت إلى نحو المليون ليرة شهريا وإلى مزيد منتظر. أما أكلاف النقل فتضاعفت عدة مرات تبعاً لارتفاع أسعار البنزين والديزل، وصارت طوابير «الذل» أمام محطات المحروقات مشهداً يومياً مألوفاً لمن يملك سيارته الخاصة. ولاحقا سينكشف «ذل» التزود بمادتي المازوت أو الغاز لزوم التدفئة في فصل الشتاء.
إدارة التكيّف مع هذه الوقائع باتت متعذرة إن لم نقل مستحيلة، كما يقول مدير في مؤسسة خاصة من ذوي المداخيل المرتفعة بالليرة. ويضف: مدخولي كان يوازي نحو مائة ألف دولار سنويا، وكنا كأسرة نعيش برفاهية حقيقية تشمل السفر السياحي سنويا في الإجازة الصيفية. حاليا تقلص المدخول عينه إلى 7.5 ألف دولار سنويا، أي ما يوازي 625 دولارا شهريا. قد أكون محظوظا بالقياس إلى المداخيل الأدنى، إنما حقيقة لست وعائلتي بخير أبدا. أحاول دون جدوى، اختبار كل أنواع التقشف وإلغاء الخروج إلى المطاعم والمقاهي، وشطب كل المصاريف «الرعناء» التي تعودنا عليها. مع كل ذلك، أفشل كل شهر في توزيع المدخول على أبواب الإنفاق الضرورية، ولست بمنأى عن حكمية الاستغناء عنها بالتوالي.
في خلفية المشهد، يبدو السواد أشد قتامة. أكثر من نصف العاملين في القطاع الخاص، أي ما يربو على 500 ألف في مختلف القطاعات، انضموا إلى البطالة التامة أو الجزئية. ومن استحصل على تعويضه من صندوق الضمان فقد نحو 90 في المائة وأكثر من قيمته الفعلية قياسا بموجات الغلاء التي تعدت 600 في المائة على السلع غير المدعومة، وتنضم إليها المواد المدعومة تباعا بسبب نفاد احتياطات العملات الصعبة لدى «مصرف لبنان» (البنك المركزي) واقتصارها على الاحتياطي الإلزامي بنسبة 14 في المائة من الودائع بالعملات الأجنبية لدى الجهاز المصرفي.
وليست الصورة بأفضل في القطاع العام بعد معلومات ترددت عن فرار عسكريين من الخدمة وإقبال استثنائي على طلب التقاعد المبكر والقبول بالتعويضات عبر إيداعها في البنوك وتقنين صرفها لمن بلغوا نهاية الخدمة. أما من يملكون الشهادات النوعية من موظفي الإدارة العامة، فلا يترددون في البحث عن أي فرصة مواتية للعمل خارج لبنان.
وفي الواقع، لا يوجد إحصاء رسمي دقيق حول عدد العاملين في مؤسسات الدولة، بحسب دراسة أجرتها «الدولية للمعلومات». وذلك لأسباب عدة منها تعدد التسميات الوظيفية: موظف، متعاقد، أجير ومتعامل، وتعدد الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات. ولكن الرقم الصحيح إلى حد ما هو نحو 320 ألفا يتوزعون: 120 ألفا في القوى الأمنية والعسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وشرطة مجلس النواب، 40 ألفا في التعليم الرسمي، 30 ألفا في الوزارات والإدارات العامة، 130 ألفا في المؤسسات العامة والبلديات، ويضاف إلى هؤلاء نحو 120 ألفا من المتقاعدين أكثريتهم من العسكريين والمدرسين.



تقديرات أميركية باستمرار حملة ترمب ضد الحوثيين 6 أشهر

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ف.ب)
مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ف.ب)
TT
20

تقديرات أميركية باستمرار حملة ترمب ضد الحوثيين 6 أشهر

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ف.ب)
مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ف.ب)

وسط تقديرات أميركية باستمرار الحملة التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب ضد الحوثيين 6 أشهر، تواصلتْ الضربات في نهاية أسبوعها الثالث على معقل الجماعة الرئيسي في صعدة ضمن سعي واشنطن لإرغام الجماعة المدعومة من إيران على وقف تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

ومع توقف الهجمات الحوثية باتجاه إسرائيل منذ الأحد الماضي، يتكهن مراقبون يمنيون بتعرض قدرات الجماعة العسكرية لضربات موجعة جراء الغارات التي استهدفت مخابئهم المحصنة في الجبال والكهوف ومراكز قيادتهم ومستودعات الأسلحة.

وأفاد الإعلام الحوثي بتلقي ضربات جديدة، فجر الجمعة، استهدفت منطقة العصايد بمديرية كتاف في صعدة، إلى جانب ضربات أخرى استهدفت منطقة كهلان شرق مدينة صعدة، وجميعها مواقع تعرضت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية للاستهداف أكثر من مرة.

ولم يتحدث إعلام الجماعة عن الخسائر جراء الضربات الجديدة، ولا عن عددها، إلا أن التقديرات تشير إلى بلوغ مجمل الغارات نحو 320 غارة منذ بدء الحملة في 15 مارس (آذار) الماضي.

منظر للأضرار في منطقة ضربتها غارة جوية أمريكية في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون (أ.ف.ب)
منظر للأضرار في منطقة ضربتها غارة جوية أمريكية في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون (أ.ف.ب)

ويقول القطاع الصحي الخاضع للحوثيين إن الضربات التي أمر بها ترمب أدت حتى الآن إلى مقتل 63 شخصاً وإصابة 140 آخرين، بينهم أطفال ونساء، في حين بلغ الإجمالي منذ بدء الضربات التي تلقتها الجماعة في عهد جو بايدن 250 قتيلاً و714 مصاباً.

ومع تكتم الجماعة على الخسائر العسكرية، لم يتم التحقق من هذه الأرقام للضحايا المدنيين من مصادر مستقلة.

مليار دولار

مع تصاعد وتيرة الضربات الأميركية ضد الحوثيين، كشف مسؤولون لصحيفة «نيويورك تايمز» أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنفقت ما يقارب 200 مليون دولار على الذخائر خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من عملية «الفارس الخشن»، مع توقعات بأن تتجاوز التكلفة مليار دولار قريباً.

ونقلت الصحيفة أن الضربات الأميركية، التي أطلق عليها وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، اسم «عملية الفارس الخشن» نسبة إلى القوات التي قادها ثيودور روزفلت في كوبا خلال الحرب الإسبانية الأميركية، قد تستمر على الأرجح لمدة 6 أشهر.

آثار قصف أميركي استهدف موقعاً خاضعاً للحوثيين في الحديدة (أ.ف.ب)
آثار قصف أميركي استهدف موقعاً خاضعاً للحوثيين في الحديدة (أ.ف.ب)

وأقر المسؤولون، حسب الصحيفة، بأن الحملة الجوية لم تحقق سوى «نجاح محدود» في تقليص الترسانة العسكرية الضخمة للحوثيين، التي توجد إلى حد كبير تحت الأرض، وتشمل صواريخ وطائرات مسيرة وقاذفات، وذلك وفقاً لما أفاد به مساعدو الكونغرس وحلفاؤهم.

ويقول المسؤولون الأميركيون، الذين اطلعوا على تقييمات الأضرار السرية، إن القصف كان أكثر كثافة من الضربات التي نفذتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وأكبر بكثير مما أوردته وزارة الدفاع علناً.

وخلال الأيام الأخيرة كثّف الجيش الأميركي ضرباته على معقل الحوثيين في صعدة، وبدأ في تصيّد تحركات قادة الجماعة على الطرقات.

تراجع الهجمات

كان لافتاً توقف الهجمات الصاروخية الحوثية تجاه إسرائيل بعد إطلاق 10 صواريخ منذ 17 مارس (آذار) الماضي، إذ كان أحدث هجوم اعترضه الجيش الإسرائيلي، الأحد الماضي، وهو ما يؤشر على ضعف التهديد الحوثي من الناحية الاستراتيجية لإسرائيل ومحدودية قدرة الجماعة على تكثيف الهجمات.

الحوثيون تبنوا استهداف إسرائيل بـ10 صواريخ خلال 3 أسابيع دون تأثير هجومي (إعلام حوثي)
الحوثيون تبنوا استهداف إسرائيل بـ10 صواريخ خلال 3 أسابيع دون تأثير هجومي (إعلام حوثي)

وتضاف ضربات ترمب إلى حوالي ألف غارة وضربة بحرية تلقتها الجماعة في عهد إدارة جو بايدن على مدار عام ابتداءً من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، وحتى إبرام هدنة غزة بين حركة «حماس» وإسرائيل في 19 يناير الماضي.

وكانت إدارة بايدن توقفت عن ضرباتها ضد الحوثيين بعد سريان اتفاق الهدنة في غزة، كما توقفت الجماعة عن مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، قبل أن تعود مجدداً للتهديد بشن الهجمات تجاه السفن الإسرائيلية مع تعذر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة في غزة.

ودخل الحوثيون على خط التصعيد الإقليمي بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حيث أطلقوا نحو 200 صاروخ وطائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل، دون تأثير عسكري يُذكر، باستثناء مقتل شخص واحد في تل أبيب في يونيو (حزيران) الماضي.