تلقيت أولى دروسي حول ثقافة التدريب العملي في لا باز، بوليفيا، خلال أول ليلة لي هناك. فقد كان 5 من المتدربين برفقة الموظف المساعد البالغ من العمر (18 عاما) يدخنون بشكل فج حتى أفرغ اثنان منهما ما في جوفه جراء ذلك. وخلال الأسابيع التالية، لم تكن أجندتنا الاجتماعية هناك مثالية. تتحول الفرص المتاحة إلى فرص كارثية إذا ما أطلق الطلاب لأنفسهم العنان من دون تفكير في المواقف الخطرة بالدول الأجنبية. وهنا في بوليفيا تنتشر المخدرات بين الشباب.
كنت في منتصف السنة الأولى من دراستي الجامعية في جامعة كولومبيا الأميركية عندما قبلت عرض التدريب العملي خلال الصيف الماضي في مدينة لا باز. كنت قبل ذلك قد انتهيت فعلا من فرصتين للتدريب العملي المحلي (وواحدة أخرى منذ ذلك الحين)، ثم، وأثناء دراستي في المدرسة الثانوية، ذهبت للدراسة في الخارج في إنجلترا وإسبانيا.
عثرت على فرصة التدريب العملي خلال الصيف الماضي في صحيفة بوليفيا إكسبريس، على قائمة أرسلتها صحيفة طلاب جامعة كولومبيا لمساعدة المساهمين في بحثهم عن خطط التدريب خلال ذلك الصيف. ووفقا لما كان مكتوبا، فقد كان الغرض من التدريب منح الصحافيين الطامحين المهارات اللازمة للنجاح في المهنة الصحافية وفي نفس الوقت تشجيع السياحة والثقافة البوليفية من خلال مجلة مجانية ناطقة باللغة الإنجليزية. شمل البرنامج 40 ساعة في الشهر من دروس الكتابة، والتصوير، واللغة الإسبانية وفرصة حقيقية لإعداد التقارير الإخبارية.
جرى قبولي بعد إجراء مقابلة شخصية عبر تطبيق «سكايب» مع محرر شاب يبلغ من العمر (28 عاما) وهو من خريجي جامعة أكسفورد كان قد ساعد في تأسيس المجلة البوليفية. تم ذلك بصرف النظر عن نقص التمويل وما يقرب من 6 آلاف دولار هي مقدار التكاليف التي تحملتها في المصروفات الدراسية، ورحلات الطيران، والإقامة هناك. وقد ساعد برنامج المنح الدراسية للطلاب الجامعيين بجامعة كولومبيا بمنحة ألفي دولار من المبلغ.
تردد أبواي كثيرا قبل السماح لي بالسفر إلى أميركا الجنوبية، ولم يتخذا قرارهما إلا بعد وصول خاتم الموافقة المالية من جامعة كولومبيا. يقدم برنامج المنح الدراسية للمشتركين فيه، والذين يقدرون بنحو 10 في المائة من إجمالي عدد الطلاب، الدعم الكافي حتى يمكنهم قبول فرص التدريب العملي غير مدفوعة الأجر أو ضعيفة الأجر خلال فصل الصيف - مع العلم بأن جامعة كولومبيا لا تمنح الاعتماد الأكاديمي للتدريبات العملية. فعلى الطلاب توثيق وتسليم تجاربهم الخاصة، سواء كانوا يعملون على أبحاث مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية في كاليفورنيا أو يعملون مع مخرج سينمائي في فرنسا. ولكن جامعة كولومبيا لا تعتمد برامج التدريب العملي التي تشرف على تمويلها، ومن ثم انطلقت إلى موقف تشوبه الكثير من المشكلات.
يقول معهد التعليم الدولي إن 15 ألف طالب من المتدربين في عام 2012 - 2013، الذين عملوا أو تطوعوا للعمل في الخارج، لم يحصلوا على اعتماد أكاديمي، وهي نسبة تقدر بـ18 في المائة عن العام الماضي. ومن بين أولئك الطلاب هناك 20 في المائة منهم كانوا يعملون في أميركا اللاتينية أو منطقة الكاريبي.
تأتي الصين في الصدارة من حيث إنها الوجهة الأولى للطلاب الراغبين في التدريب العملي وفقا لموقع (GoAbroad.com) المعني بمجال التعليم الدولي. وتأتي الأرجنتين بعد الصين من حيث إنها أكثر الوجهات الجذابة لذلك المجال، ثم جنوب أفريقيا، وتايلاند (المشهورة بصناعة السياحة).
سألت تروي بيدين، أحد مؤسسي موقع (GoAbroad.com) عن السبب وراء ذلك. فقال إنها الرغبة لبناء سيرة ذاتية قوية وشهية الاستمتاع برحلة أجنبية مثيرة، وإثارة الرغبات وراء رحلات السفر الهادفة - و«اكتساب الخبرات العملية من خلال المغامرة!» - تغري كلها الطلاب الجامعيين للعمل مجانا مقابل أجور متواضعة. لا يفكر أحد في التدريب العملي المحلي، فالمجهول العظيم لا يزال يحمل أكبر قدر من الجاذبية، ناهيك بإضافة الاعتماد الدولي على السيرة الذاتية.
غير أن أوهام التجوال ليست إلا أوهاما فقط. فقد أخبرني بعض أصدقائي عن فقدانهم للهدف من وراء تجارب التدريب العملي التي خاضوها. حيث شكت إحدى طالبات رابطة إيفي حول تلقيها لفرصة تدريب عملي لدى إحدى كبرى شركات التقنيات الصينية والتي لم تُكلف خلالها بأي عمل يُذكر. وكانت تقضي أيامها تقرأ الأخبار، وتتصفح الـ«فيسبوك»، وتبحث عما يمكنها فعله في المدينة. كان من الواضح، بعد مرور أسبوعين في لا باز، أن فرصة التدريب العملي خاصتي غير ذات فائدة. كنت أعمل على 3 مقالات، وكانت موضوعاتي اجتماعية - سياسية وطموحة، وغير مفهومة في الوقت ذاته. وظل تضارب المواعيد يطاردني أينما ذهبت ويعطل فرص الدورات التدريبية التي أخطط لها. كنت أشعر بأنني أضيع أموال الكلية وأموال أبواي، وأقحمت نفسي في مواقف فعلا خطيرة.
كنا نعيش في بيت للشباب مكون من طابقين في إحدى التجمعات السكنية في حي سوبوكاشي العصري. كانت البوابة مغلقة، ولكن الحي مفتوح للجميع. وخلال عطلة نهاية الأسبوع الثانية لي هناك، ومع شروق الشمس، عاد المتدربون إلى المبنى واحدا تلو الآخر بعد ليلة صاخبة. ودلف الموظف المساعد المراهق من باب غرفة نومي المفتوحة، وكان بصحبته أحد السكان المحليين الذين التقى به في الحانة قبل أسبوع. خرجت من استحمامي الصباحي لأجدهما يعبثان بأغراض دولابي الشخصي. وحيث كنت أقف شبه عارية أمام ذلك الغريب الجالس على سريري، والذي أجرى أبحاثه في كافة متعلقاتي الشخصية، قررت أنه لا حاجة للذعر بعد ذلك الموقف، وقفلت راجعة إلى موطني بعدها بيومين. وعلى الرغم من أنني تحملت تكاليف رحلة الطيران، فقد تلقيت تعويضا بقيمة ثلاثة أرباع مبلغ المصروفات الدراسية - وقدرا من الاعتذار. أما الموظف المساعد، وقد كان متطوعا للعمل هناك، فقد سُرح من الخدمة، وفقا لإيفان رودريغز بيتكوفيك، الذي تولى منصب المدير العام في الخريف. (أما المحرر الذي كان يتلاعب بالوظائف، فقد غادر عمله هو الآخر). ثم عقدوا اجتماعا لتذكير الطلاب المتدربين بالقواعد، وخصوصا فيما يتعلق بتجريم المخدرات داخل بيت الشباب. ولكن المنظمين أوضحوا الأمر لي: إنهم لن يبلغوا الشرطة عن تصرفات المراهقين في غرفتي.
أرسلوا لي عبر البريد الإلكتروني سلسلة من شهادات المتدربين السابقين الرائعة. فتقدمت أنا أيضا بدعوة لمعرفة آراء الطلاب في التدريب العملي الخارجي. كان هناك الطالب جويل بالسام الذي قضى فترة للتدريب العملي هناك في 2012. كان قد تخرج لتوه في جامعة كونكورديا في مونتريال، وأراد الذهاب في رحلة حقائب الظهر الشبابية عبر أميركا الجنوبية - «لنكن صرحاء، إن إخبار العائلة والأصدقاء أنك ذاهب في جول للتدريب العملي هو أفضل كثيرا من إخبارهم أنك ذاهب فقط للتجوال حول العالم». واعترف جويل أن زملاءه كانت لديهم الرغبة القوية للحصول على المتعة، ولكنه أطلق عليها مسمى فرصة التدريب العملي «الرائع» والتي أدت إلى فرصة أخرى في إحدى وسائل الإعلام الكندية.
أصدرت صحيفة بوليفيا إكسبريس 46 عددا منذ إنشائها في 2010، وهي تعتمد على أعمال الطلاب المتدربين، حيث شارك في الصحيفة أكثر من 100 طالب متدرب. حيث يقول السيد بيتكوفيك: «إنهم يأتون لتعلم اللغة، وللتعرف على الناس، ووفقا لتوصيات من الطلاب المتدربين السابقين. وهم يغادرون بوليفيا بعد خبرات اكتسبوها هناك. وذلك في حد ذاته يعتبر نجاحا، من وجهة نظري».
يشير السيد بيتكوفيك إلى أن ديناميات المجموعة المتدربة تتغير من فصل دراسي إلى آخر. يأتي زملائي المتدربون من جامعات أوروبية مرموقة مثل جامعة أدنبره وجامعة بريستول. وكانوا مثلي يسعون وراء اكتساب المزيد من الخبرات – وتجربة الأمور غير الاعتيادية - خارج محيط الراحة الذي يتمتعون به، و«لتفهم الأماكن الجديدة بمزيد من التعمق»، كما كتبت إحدى طالبات جامعة كامبريدج تقول في مقال للعدد 31 من المجلة.
ولكنها عبرت عن استيائها من العزلة التي يعاني منها مجتمع شباب حقائب الظهر في مدينة لا باز: «منذ وجودي هنا، تفاعلت كثيرا مع المسافرين الذين تمكنوا من تحمل تكاليف الرحلة لمنتصف الطريق حول العالم - مما يجعلهم من بين ميسوري الحال حتى في أوطانهم الأصلية». وكتبت جول: «هناك ذكريات غامضة للشارع رقم 36، ورحلات الغابة» - والتي استهلكت معظم أوقات الزوار. كنت في الـ18 من عمري فقط عندما وقعت على العقد للسفر إلى لا باز لمدة شهرين. أكان جديرا بي أن أبقى بمفردي في جنوب أميركا، بعد عام واحد فقط من دراستي الثانوية؟ ومع هذه الموضة العالمية، هل يجدر بالشباب الصغير أن يدفعوا بأنفسهم إلى مواقف هم غير مؤهلين للتعامل معها بعد؟ ألن يهدأ ذلك الجيل الناشئ عن السعي وراء رحلته الغريبة التالية؟
* خدمة «نيويورك تايمز»