«المنفيون»... قصة أحفاد آلاف المقاومين الجزائريين الباحثين عن هوية ووطن

يعيشون في كاليدونيا الجديدة تحت إدارة فرنسا

أعضاء جمعية منسيي عصيان 1871 يتوسطهم رئيسها حسن بلعربي (الشرق الأوسط)
أعضاء جمعية منسيي عصيان 1871 يتوسطهم رئيسها حسن بلعربي (الشرق الأوسط)
TT

«المنفيون»... قصة أحفاد آلاف المقاومين الجزائريين الباحثين عن هوية ووطن

أعضاء جمعية منسيي عصيان 1871 يتوسطهم رئيسها حسن بلعربي (الشرق الأوسط)
أعضاء جمعية منسيي عصيان 1871 يتوسطهم رئيسها حسن بلعربي (الشرق الأوسط)

تبحث السلطات الجزائرية طلبات الحصول على الجنسية لمئات من أحفاد جزائريين رحّلتهم السلطات الاستعمارية الفرنسية قسراً إلى كاليدونيا الجديدة بالمحيط الهادي، خلال القرن الـ19، بسبب مشاركاتهم في انتفاضات شعبية ضد الاحتلال. ويصل عددهم، بحسب جمعية تتحدث باسمهم، إلى 50 ألفاً يعيشون بجزر جنوب الهادي تابعة إدارياً لباريس.
تسميهم كتب التاريخ «منفيوّ كاليدونيا» البعيدة عن أرضهم بـ22 ألف كلم، تم نقلهم على ظهر بواخر في رحلات شبيهة بتجارة الرقيق من السود إلى أميركا في القرنين الـ17 والـ18، حسب الباحثين المهتمين بهذه المأساة الانسانية. وتوفي الآلاف منهم وهم في الطريق إلى المنفى، بسبب الظروف القاسية التي واجهوها في السفن الفرنسية. وكثير منهم مات بسبب عدم تلقيهم علاجاً من أمراض أصيبوا بها خلال الرحلات التي كانت تدوم شهوراً.
وبدأت أولى موجات التهجير بعد انتفاضة شهيرة وقعت عام 1871 بمنطقة سوق أهراس، شرق البلاد، حينما رفضت قبيلة واسعة الانتشار تدعى «عرش الصبايحية»، قراراً أصدره وزير الحربية الفرنسية في مطلع العام نفسه، بتجنيدهم في الحرب ضد بروسيا التي انتهت بهزيمة الإمبراطورية الفرنسية الثانية، بقيادة نابليون الثالث.
وانتقمت السلطات الاستعمارية بشتى الطرق من «الصبايحية»، منها نفي قادة العصيان بعد سجنهم فترة قصيرة. كما قتل كثير منهم واغتصبت نساؤهم ونهبت أراضيهم. وهناك أغنية تاريخية، عن المنفيين، يرددها الجزائريون في الأعياد الوطنية المرتبطة بالاستقلال وحرب التحرير، تقول كلماتها: «قولوا لأمي ما تبكيش يا منفي ولدك ربي ما يخليهش يا منفي... وكي داخل في وسط بيبان يا منفي والسبعة فيهم جدعان يا منفي... وقالولي كا شي دخان يا منفي، وأنا في وسطهم دهشان يا منفي...».
وقد تحدثت «الشرق الأوسط» مع أحد أحفاد هؤلاء المنفيين، وهو رجل مسن في الـ83 من عمره يسمى حسن بلعربي ويرأس تنظيماً يهتم بذاكرة «منفيي كاليدونيا»، يطلق عليه «جمعية منفيي عصيان 1871». وهو يقول بخصوص مسعى مطالبة الجمعية بالاعتراف بـ«جزائرية» أحفاد المنفيين الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة: «طلبنا في 2015 من السلطات للمرة الأولى، منح الأحفاد الذين يعيشون في كاليدونيا الجنسية الجزائرية، لتسهيل تنقلهم إلى أرض أجدادهم ولقائهم بأبناء عمومتهم، لكن مسعانا لم يلق آذاناً صاغية. وكنا نجدد الطلب في كل احتفال بذكرى ثورة التحرير (1 نوفمبر «تشرين الثاني» 1954) وعيد الاستقلال (5 يوليو «تموز» 1962)، واليوم بما أن الرئيس عبد المجيد تبون أشرف بنفسه على نصب بالعاصمة يخلّد ذاكرة المنفيين، نعيد طرح الطلب نفسه. بل إننا نناشده إعطاء صفة مجاهد لأجدادنا المرحّلين بسبب نضالهم، مثلهم مثل مفجري ثورة الاستقلال.
وترأس تبون الأحد الماضي مراسم تدشين جدارية بوسط العاصمة، عبارة عن صورة منحوتة لحشد من المقاومين الجزائريين، وهم يساقون إلى السفينة الفرنسية تمهيداً لنفيهم، وسوط جلاد من جنود فرنسا يدفعهم للركوب إليها. ووضعت الجدارية، قبالة ميناء الجزائر العاصمة، المكان الذي تمت منه عملية نفي الآلاف من رجال المقاومة إلى كاليدونيا بقارة أوقيانوسيا.
وأفاد مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط» بأن السلطات مهتمة بطلب الاعتراف بأحفاد المرحلين كجزائريين كاملي الحقوق، وأنها لا تجد أي مانع في تجسيد هذه الخطوة. وبث التلفزيون الحكومي شريطاً قبل أيام يظهر أحفاد منفيين في كاليدونيا يناشدون الحكومة منحهم الجنسية، لتسهيل سفرهم إلى أرض أسلافهم، في مؤشر على التعاطي إيجابيا مع الطلب.
وأكد بلعربي أن ترحيل أولى مجموعات المنفيين تم قبل ثورة الصبايحية واستمر لسنوات طويلة بعد 1871، مشيراً إلى أن الفريق الأول ضمّ حوالي 200 شخص، 155 منهم وصلوا أحياء إلى المنفى، في حين توفي 29 منهم عند التوقف في جزيرة سانت مارغريت قرب مدينة تولون جنوب فرنسا، خلال الرحلة التي انطلقت من وهران غرب الجزائر.
وبحسب رئيس الجمعية، ينبغي التفريق بين نوعين من المنفيين. الأول يضم مناضلين سياسيين وثائرين ضد الاستعمار، تم اعتقالهم أو أسرهم في انتفاضة الصبايحية ومعارك أخرى جاءت بعدها. والنوع الثاني، سجناء أدانهم القضاء بأحكام بالسجن بسبب سرقات واعتداءات ضد معمّرين فرنسيين، في منظور القانون آنذاك. والأعمال التي توبعوا بسببها، كانت في إطار مقاومة الاحتلال، حسب بلعربي الذي شارك في حرب الاستقلال، وهو يتحدر من مقاوم ينتمي لمنطقة القبائل شرق العاصمة.
ويعدّ بلعربي وجمعيته والمنتسبين إليها، نقطة تواصل بين الكالدونيين الجزائريين وذويهم في الجزائر. وقد التقى العديد منهم في 2016 عندما زار كاليدونيا، ورتّب لهم لقاءات مع ذويهم يحملون اللقب العائلي نفسه بعدة مناطق بالبلاد. ويقول عن اللقاءات التي جرت بفضله إنها كانت «مفعمة بالمشاعر وبالفخر والاعتزاز بتاريخ الأجداد المقاومين».
وقال الباحث في التاريخ مصطفى حاج علي، إنه ألّف 3 كتب حول الترحيل القسري للجزائريين، جاء فيها أن أكثر من 300 ألف تم ترحيلهم إلى مناطق بعيدة من العالم وهذا منذ بداية الغزو عام 1830. وعبّر عن «أسفه» علـى «الصمت الرسمي حيال هذه القضية التي لم تعطها السلطات حقها قياساً إلى أحداث تاريخية أخرى، وجّهت إليها الأضواء بتركيز لافت».



مساعي مصر لتسلّم نجل القرضاوي... ما السيناريوهات المتوقعة؟

عبد الرحمن القرضاوي  (وسائل التواصل الاجتماعي)
عبد الرحمن القرضاوي (وسائل التواصل الاجتماعي)
TT

مساعي مصر لتسلّم نجل القرضاوي... ما السيناريوهات المتوقعة؟

عبد الرحمن القرضاوي  (وسائل التواصل الاجتماعي)
عبد الرحمن القرضاوي (وسائل التواصل الاجتماعي)

أثار توقيف السلطات اللبنانية، عبد الرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي، التابع لجماعة «الإخوان المسلمين»، على خلفية إدانته نهائياً في قضايا جنائية بمصر، تساؤلات بشأن إمكانية تسليمه للقاهرة في ظل جدل على منصات التواصل الاجتماعي.

ووفق الإجراءات القضائية الدولية، فإنه بعد التوقيف، تتحرك السلطات المصرية تلقائياً لتقديم ملف استرداد الموقوف القرضاوي، غير أن الحكومة اللبنانية هي التي تقرر في نهاية المطاف قبول أو رفض تسليم القرضاوي لمصر، وفق ما ذكره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

ومَثَل نجل القرضاوي أمام النيابة العامة التمييزية في لبنان، الاثنين، وخضع لاستجواب مطوَّل حول مذكرة «الإنتربول» الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب، التي تطلب توقيفه بناءً على حكم غيابي صادر بحقه عن القضاء المصري بالسجن 5 سنوات، وإدانته بجرائم «إذاعة أخبار كاذبة والتحريض على العنف والإرهاب والتحريض على قلب النظام».

وجرى إطلاع نجل القرضاوي على مضمون مذكرة «الإنتربول» الصادرة بحقّه، وأيضاً على برقية صادرة عن دولة الإمارات، تسلّمها النائب العام التمييزي في لبنان، القاضي جمال الحجار، الاثنين، وتطلب من لبنان توقيفه أيضاً، وتسليمه إياه لملاحقته بجرم «التحريض على زعزعة الأمن في دولة الإمارات».

ولدى انتهاء جلسة التحقيق، أعطى القاضي الحجار إشارة بإبقاء عبد الرحمن القرضاوي موقوفاً على ذمة التحقيق، وقرر «تسطير كتاب إلى السلطات المصرية يطلب فيه إيداع ملف استرداده لدراسته، واتخاذ القرار بشأنه»، وفق مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط».

مدير الإنتربول المصري السابق اللواء مجدي الشافعي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاقية بين مصر ولبنان بخصوص تسليم المجرمين، تستند على تقديم لبنان طلب الحصول على ملف استرداد من مصر على أن تقرر بعد وصوله مدى توافر شروط التسليم على الموقوف من عدمها»، مؤكداً أن «مصر ملزمة وفق الاتفاقية بشكل تلقائي أن تقدم طلب الاسترداد طالما تم توقيفه».

وحسب تقدير الشافعي، فإن «ملف الاسترداد تكون به الاتهامات والأحكام التي ستنظر فيها بيروت وترى بعدها إمكانية تسليمه للقاهرة من عدمه»، مشيراً إلى أن «الاتهامات التي تلاحقه جميعها جنائية وليست تهماً سياسية، التي تمنع الاتفاقات والقوانين الدولية تسليم أي دولة متهماً بها».

وفي حالة نجل القرضاوي، فإن الإدانة بحقه تتعلق بـ«تهم جنائية فقط، بالتالي وفق الورق المصري الذي سيرسل لبيروت، يجب تسليمه لمصر، لكن الأمر يخضع لظروف بيروت فهي صاحبة القرار في ذلك»، يضيف الشافعي.

مطالبات

ومنذ توقيفه، تصاعدت مطالب إعلامية وسوشيالية بتسليمه، كان بينها الإعلامي المصري أحمد موسى، الذي قال خلال تقديمه برنامج «على مسؤوليتي» عبر «صدى البلد»، السبت، إن سلطات لبنان أوقفت نجل القرضاوي، عقب عودته من سوريا إلى بيروت، وقيامه بـ«التحريض ضد مصر ودول خليجية في ساحة المسجد الأموي بدمشق».

وكشف موسى أن نجل القرضاوي «مطلوب للعدالة المصرية ومدرج على لائحة الإنتربول الدولي، حيث يواجه أحكاماً بالسجن لمدة 15 سنة في عدد من القضايا في المحاكم المصرية»، مؤكداً «ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسليمه إلى القاهرة».

وليس هناك وقت محدد لوصول ملف الاسترداد من مصر لبيروت، حسب الشافعي، مؤكداً أن القاهرة تقدم طلباً للإنتربول والأخير يخاطب مكتب التعاون الدولي بمكتب النائب العام المصري، الذي يجهز الملف كاملاً وتسلمه الخارجية المصرية بعد ذلك للجهات اللبنانية التي تحوله للجهات القضائية المختصة.

وليس هناك ما يمنع أن يبقى نجل القرضاوي رهن الحبس حتى يصل ملف الاسترداد من مصر، أو يطلق سراحه بضمانات بقائه بالبلاد لحين حسم موقفه، وهذا كله يخضع لتقديرات السلطات اللبنانية، وفق مدير الإنتربول المصري السابق.

وكان الإعلامي عمرو أديب خلال برنامجه «الحكاية» عبر فضائية «mbc مصر»، تحدث السبت عن احتمال أن «تركيا ستقوم بممارسة ضغوط كبيرة على لبنان لمنع تسليم عبد الرحمن القرضاوي الذي يحمل جنسيتها»، مطالباً بتسليمه لمصر.

غير أن النائب العام التمييزي في لبنان، القاضي الحجار، قال لـ«الشرق الأوسط»، الأحد، إنه «لم تمارس أي دولة ضغوطاً على القضاء اللبناني الذي سينفِّذ القوانين في هذه القضية كما ينفِّذها في القضايا المماثلة كلها».

ولا تمنع الجنسية التركية لنجل القرضاوي أن يتم النظر في ملف استرداده الذي سيصل من مصر، ولا يمنع كذلك تسليم بيروت للموقوف بأي حال من الأحوال حتى ولو لم يكن يحمل الجنسية المصرية افتراضاً، وفق مدير الإنتربول المصري السابق اللواء مجدي الشافعي.

وفي المقابل، عقب توقيف سلطات لبنان نجل القرضاوي، ظهرت حملات مؤيدة لجماعة «الإخوان» المحظورة بمصر، بشكل مكثف تطالب بإطلاق سراحه، ونقلت مقطع فيديو لوكيله القانوني، محمد صبلوح، يطلب خلاله إطلاق سراح موكله.

بينما وصف الناشط المصري لؤي الخطيب ما تقوم به الجماعة المحظورة عقب توقيف نجل القرضاوي بأنه «رعب»، قائلاً في منشور عبر منصة «إكس»: «رعب المطاريد بعد اعتقال عبد الرحمن يوسف القرضاوي.. ده تمامكم.. تعيشوا حياة رخيصة مافيهاش أمان».

سيناريوهات

وفي ظل استمرار توقيف نجل القرضاوي، يضع أستاذ القانون الدولي، الدكتور أيمن سلامة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، سيناريوهات المستقبل قائلاً إن «لبنان الدولة المطلوب منها المتهم القرضاوي هي التي لها القول الفصل والحل والعقد وليس الإنتربول، وإن أصدر المذكرة الحمراء (المعنية بالتوقيف)»، موضحاً أن «الإنتربول بحسب الأمم المتحدة دوره تنسيق وتسهيل التعاون بين الدولة الطالبة تسليم المتهمين والدولة المطلوب منها التسليم».

وستعمل بيروت على تكييف طبيعة جريمة الملاحق والمطلوب تسليمه من مصر، فإن كيفتها سياسيةً، فمحظور تسليمه، كما تنص القوانين الدولية، فضلاً عن أن اتفاقية تسليم المتهمين بين البلدين يجب أن تكون مجددةً ليتم تنفيذ الأمر بالأساس، وفق سلامة.

وينبه أستاذ القانون الدولي إلى أن إيطاليا وألمانيا سبق أن رفضا تسليم الوزير السابق الإخواني محمد محسوب، والإعلامي أحمد منصور، رغم تقديم مصر ملف استرداد لهما، مؤكداً أن تقديم الملف لا يعني إطلاقاً حتمية استلام المطلوب، وستبقى الحكومة اللبنانية هي التي تقرر في نهاية المطاف قبول أو رفض تسليم نجل القرضاوي للقاهرة.