عون مدعو إلى {حشر الحريري} بتسهيل تشكيل الحكومة

تفويض رئيس الجمهورية باسيل بمشاورات التأليف يلقى استغراباً دبلوماسياً

عون مجتمعاً مع وزير الصحة حمد حسن أمس (الوكالة الوطنية)
عون مجتمعاً مع وزير الصحة حمد حسن أمس (الوكالة الوطنية)
TT

عون مدعو إلى {حشر الحريري} بتسهيل تشكيل الحكومة

عون مجتمعاً مع وزير الصحة حمد حسن أمس (الوكالة الوطنية)
عون مجتمعاً مع وزير الصحة حمد حسن أمس (الوكالة الوطنية)

تقول مصادر دبلوماسية، عربية وأوروبية، في لبنان إن رئيس الجمهورية ميشال عون قرر أن ينأى بنفسه عن التدخُّل في المشاورات الجارية لإخراج عملية تأليف الحكومة من التأزم المديد الذي لا يزال يحاصرها. وتنقل عن عدد من السفراء العرب والأجانب ممن يلتقونه من حين لآخر أنه يتجنب الخوض في ملف تأليفها، والأسباب التي تعيق ولادتها، وإن كان يضطر أحياناً إلى الإجابة عن أسئلتهم بمواقفه المعتادة، محملاً الرئيس المكلف سعد الحريري مسؤولية تأخيرها، متذرعاً بوجود موانع خارجية تحول دون تشكيلها.
وتوضح المصادر الدبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أنها توصلت إلى قناعة بأن الرئيس عون أوكل ملف مشاورات تأليف الحكومة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بالتكافل والتضامن مع حليفه «حزب الله»، وأنه لا يتدخل إلا في حال بادر صهره للاستنجاد به للرد على الحملات التي تستهدفه، في محاولة مكشوفة لتبرئة ذمته من اتهامه بالتعطيل.
وتسأل ما إذا كان عون يتناغم باستمرار مع وريثه السياسي باسيل بتحميل الحريري مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، متذرعاً بأن لديه اعتبارات إقليمية ودولية يأخذها بعين الاعتبار، ويتعامل معها بجدية، وتقف وراء تردده في حسم أمره، فلماذا لا يبادر إلى تسهيل مهمته بتأليفها للتأكد من صحة اتهامه للرئيس المكلف بتعطيل ولادتها، بدلاً من إصراره على إصدار أحكامه المسبقة على النيات، خصوصاً أنه كان من بادر إلى قطع الطريق على تكليفه، بدعوة النواب إلى تحكيم ضمائرهم، من دون أن تتجاوب معه الأكثرية النيابية؟
وفي هذا السياق، تدعو المصادر عون إلى استعادة زمام المبادرة من باسيل، ليستعيد دوره في تشكيل الحكومة، وإلا فكيف يوفق بين إصراره على الشراكة في تأليفها وتنازله بملء إرادته عن صلاحياته لباسيل، فيما يخوض معركته لاسترداد صلاحيات رئيس الجمهورية، مع أنه يدرك أن رئيس الظل هو من يصادرها، وليس الرئيس المكلف.
وتنقل مصادر سياسية مواكبة للأسباب التي أدت إلى تعليق المفاوضات بين باسيل والنائب علي حسن خليل وحسين خليل، المعاونين السياسيين لرئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، عن قيادي بارز محسوب على «الثنائي الشيعي» قوله إن رئيس الجمهورية ليس موجوداً في المشاورات، وإلا لماذا فوض صهره بالنيابة عنه، وبوكالة حصرية غير قابلة للعزل أو التعديل؟
وتقول المصادر السياسية إنه لا شيء يمنع عون من أن يتخذ قراره بتسهيل مهمة الحريري بتشكيل الحكومة، بدءاً بالضغط على باسيل لإسقاط شروطه التي تؤخر تأليفها. وتؤكد أن عون لو قرر التجاوب مع الذين نصحوه بإطلاق يد المكلف بتشكيلها بلا شروط، بخلاف إرادة الفريق السياسي المحسوب عليه الذي يأتمر مباشرة بتعليمات صهره، لرمى الكرة في مرمى الحريري لاختبار مدى صوابية الذرائع التي يلصقها بالأخير لتبرير استمرار انسداد الأفق أمام تسريع ولادتها.
وتخشى المصادر المواكبة من أن يكون لإصرار الفريق السياسي المحسوب على عون وباسيل في تحميله مسؤولية التعطيل للحريري علاقة مباشرة بتعويم باسيل، باعتبار أن تعويمه يبقى البند الوحيد المُدرج على جدول أعمال عون لتأمين استمرارية إرثه السياسي بعد انتهاء ولايته الرئاسية، وتقول إن مضي باسيل في اشتباكاته السياسية التي يستهدف بها الرئيس نبيه بري والحريري يكمن في استنفاره للعصبيات الطائفية والمذهبية لاسترداد ما خسره من محازبيه ومؤيديه من جهة، وللتحريض على حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، تحت عنوان رفضهما الانخراط في الدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية.
ولا تستبعد مصادر سياسية أن عون باستهدافه الحريري وبري يريد أن يقدم خدمة مجانية لـ«حزب الله» الذي يرفض أن يستخدم نفوذه لدى باسيل لإقناعه بإسقاط شروطه التي تعيق تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه يدعم مبادرة حليفه الاستراتيجي رئيس المجلس.
كما لا تستبعد أن يكون «حزب الله» على تناغم مع باسيل لتقطيع الوقت، بوضع تشكيل الحكومة على لائحة الانتظار، إلى حين جلاء النتائج المرجوة -من وجهة نظره- من المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول الملف النووي، وإلا لم يعد من مبرر لتمديده المشاورات مع باسيل التي توقفت أخيراً بامتناع النائب خليل عن المشاركة فيها، مشترطاً أن يجيب باسيل عن نقطتين تتعلقان بتسمية الوزيرين المسيحيين، وحسم أمره بمنح الحكومة الثقة.
لذلك، فإن المصادر نفسها لا ترى من مبرر لإصرار «حزب الله» على مراعاته لباسيل الذي أخذ يتصرف كأن لديه من فائض القوة ما يدعوه للتمسك بشروطه، وأولها الضغط على الحريري للاعتذار عن تأليف الحكومة، علماً بأن المصادر الدبلوماسية ترفض أن تسقط من حسابها التناغم بين الحزب وباسيل لتمديد أزمة المشاورات استجابة منهما لتحسين شروط إيران في المفاوضات لعل نتائجها تأتي لمصلحة الوريث السياسي، ليوظفها في إعادة تعويم نفسه.
وعليه، فإن «حزب الله» وإن كان يميل بلسان أمينه العام حسن نصر الله لمصلحة المبادرة التي أطلقها بري، المدعومة من الحريري، فإن عدم استعداده لترجمة ما أكد عليه يعني أنه أودع موقفه لديهما، وترك قراره الحاسم في عهدة باسيل.
ويبقى السؤال: ماذا سيقول الحريري فور عودته إلى بيروت؟ وهل يبادر إلى اتخاذ موقف في ضوء اجتماعه بحليفه بري يؤدي إلى قلب الطاولة أم أنهما سيتريثان بالتنسيق مع رؤساء الحكومات السابقين وآخرين إفساحاً في المجال أمام توحيد الرؤية حول خطة المواجهة لمرحلة ما بعد اعتذاره، مع أنها ليست مطروحة على الأقل في المدى المنظور؟



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.