شركات التأمين تواجه امتحانًا صعبًا مع تزايد خسائر القرصنة الإلكترونية

خبراء أكدوا تزايد أعداد البنوك العربية التي تؤمن ضد مخاطرها

شركات التأمين تواجه امتحانًا صعبًا مع تزايد خسائر القرصنة الإلكترونية
TT

شركات التأمين تواجه امتحانًا صعبًا مع تزايد خسائر القرصنة الإلكترونية

شركات التأمين تواجه امتحانًا صعبًا مع تزايد خسائر القرصنة الإلكترونية

بينما تتزايد عمليات القرصنة الإلكترونية على الشركات والبنوك في أنحاء العالم، تواجه شركات التأمين العالمية امتحانا صعبا للغاية يتعلق بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها الذين يدفعون المزيد من الأموال للوقاية من مخاطر الهجمات الإلكترونية التي تضاعف حدتها في الآونة الأخيرة.
وفي أواخر العام الماضي كانت أصداء تعرض شركة سوني اليابانية للقرصنة، تُتداول على نطاق واسع في أوساط شركات التأمين العالمية حول كيفية تغطية الخسائر التي تكبدتها الشركة العملاقة جراء عملية القرصنة.
والأسبوع الماضي، أعاد تقرير أصدرته شركة كاسبر سكاي، المؤسسة الروسية المتخصصة في الأمن الإلكتروني، المخاوف بشأن عمليات القرصنة، إذ يشير التقرير، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، إلى تكبد مجموعة من المصارف العالمية لخسائر تقدر بنحو مليار دولار العام الماضي جراء الهجمات الإلكترونية.
ويؤكد مايكل لينتون، المدير التنفيذي لشركة سوني العالمية، في تصريحات قبل أيام، أن الخسائر التي تكبدتها شركته جراء عمليات القرصنة الإلكترونية، ستتحملها شركة التأمين التي تتعامل معها «سوني» دون الخوض في تفاصيل الخسائر.
ولكن تحليلا، نشرته مؤسسة مورغان ستانلي للأبحاث، توقع أن تبلغ قيمة الخسائر التي تكبدتها الشركة اليابانية جراء الهجمات نحو مائتي مليون دولار.
وقال محلل للمخاطر لدى «أليانز للتأمين» لـ«الشرق الأوسط»، إن شركات التأمين العالمية تخشى من التأمين على الهجمات الإلكترونية في ظل التطور السريع للسبل والوسائل التي يتبعها القراصنة في مهاجمة أهدافهم المحتملة.
ولا يمكن للشركات والبنوك التأمين ضد المخاطر الإلكترونية بملغ يزيد على 500 مليون دولار، بينما تضع شركات تأمين أخرى سقفا أقل للتأمين ضد القرصنة الإلكترونية لا يتخطى في أفضل الظروف حاجز الـ250 مليون دولار، وفقا لتقرير صادر عن «ماركتس للأبحاث والدراسات التأمينية».
ويقول غوناثون تشوي، محلل مخاطر أول لدى «أليانز للتأمين»: «حينما يتعلق الأمر بالتأمين ضد القرصنة الإلكترونية، فإننا نعتمد على معايير شديدة الصرامة للقبول بالأمر في ظل تنامي قدرة القراصنة على اختراق السبل الدفاعية لأكبر الشركات والبنوك في العالم». يتابع: «لدينا أيضا سقف في التأمين على تلك النوعية من الهجمات، وقد يشمل العقد على اتفاق مع الجهة المؤمنة على تحمل جزء من الخسائر».
ويشير التقرير الذي نشرته «كاسبر سكاي» إلى اتباع القراصنة سبلا جديدة في هجماتهم على المصارف العالمية خلال العام الماضي، إذ عمد المخترقون في تلك المرة إلى استهداف أموال البنك نفسها وليس أموال العملاء كما جرت العادة.
ويضيف تشوي لـ«الشرق الأوسط» أن «الهجمات في تطور مستمر، وهو ما يجعل إمكانية تسعير الخدمات التأمينية في تلك الحالة أمرا معقدا للغاية، ولهذا السبب تضع شركات التأمين سقفا للتأمين على القرصنة الإلكترونية لا يتعدى في أفضل الظروف نحو نصف مليار دولار».
وفي تدوينه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، يقول ستيفين كالتين، رئيس شركة لويدز للتأمين، إحدى كبريات الشركات العاملة بالقطاع التأميني في بريطانيا، إن مخاطر الهجمات الإلكترونية تمثل أكبر المخاطر التي تواجه شركات التأمين، والتي يجب تغطيتها من الحكومات أيضا في ظل عدم القدرة المالية لكثير من شركات التأمين على تغطية تلك الخسائر الكبيرة.
وفي أحدث الهجمات الإلكترونية بالولايات المتحدة، تعرضت شركة أنثيم للرعاية الصحية لعملية قرصنة إلكترونية، في مطلع الشهر الحالي، بعد قرصنة بيانات نحو 80 مليون عميل.
وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، حينها، نقلا عن مصادر لم تسمها، إن الشركة الأميركية لديها تأمين بقيمة 180 مليون دولار ضد عمليات القرصنة، بينما امتنعت الشركة عن التعقيب.
وقال إيدنا دي كاسترو، محلل لنظم الأمن المعلوماتية لدى «مكافي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «شركات التأمين غالبا ما تتطلع إلى القدرة الدفاعية لعملائها ضد الهجمات الإلكترونية قبيل الموافقة على التأمين»، مضيفا أن شركات التأمين تتأكد من خلال أفراد تابعين لها على أنظمة الحماية التي يتبعها العملاء الراغبون في التأمين لديهم.
ويقول تقرير حديث لشركة التأمين العالمية «إيه أي جي»، إن الإنفاق على التأمين ضد مخاطر الهجمات الإلكترونية قد تضاعف في العام الماضي ليبلغ نحو ملياري دولار مقارنة مع نصف تلك القيمة في 2013.
أضاف التقرير، الذي اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن «مخاطر الهجمات الإلكترونية وتطورها، تجعل شركات التأمين عليها في موقف صعب للغاية، وتجعلها تلجأ في نهاية المطاف إلى الاشتراط على الشركة المؤمنة تحمل جزء من الخسائر حال وقعوها».
وتكبدت شركة هوم ديبوت الأميركية لخسائر بلغت نحو 43 مليون دولار في أعقاب عمليات قرصنة إلكترونية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، لم تتحمل منها شركة التأمين سوى مبلغ 15 مليون دولار فقط.
وعلى النهج نفسه خسرت شركة «تارغت» الأميركية نحو 248 مليون دولار عقب هجمات العام الماضي، لم تتحمل منها شركة التأمين سوى مبلغ 70 مليون دولار فقط.
وفي المنطقة العربية، لم يكن الأمر أقل خطورة في ما يحدث حول العالم، حيث يشير تقرير «كاسبر سكاي» إلى تعرض بنوك في المغرب، على وجه التحديد، لعمليات قرصنة على نطاق واسع خلال السنتين الماضيتين.
كما يتحدث التقرير أيضا عن تنظيم إجرامي في منطقة الشرق الأوسط يسعى لشن هجمات إلكترونية على المصارف والشركات العاملة بالمنطقة العربية خلال الفترة المقبلة.
وفي العام الماضي، تعرضت مصارف عمانية لهجمات إلكترونية كبدتها خسائر بملايين الدولارات، كما تعرضت شركة أرامكو السعودية لهجمات إلكترونية في أواخر عام 2012، تبعته إجراءات أمنية فورية لمنع تكرار مثل تلك الهجمات.
ولا تتوافر دراسة أو أرقام محددة حول سوق التأمين ضد الهجمات الإلكترونية في المنطقة العربية، إلا أن محللا للمخاطر لدى «أليانز دبي»، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن أعداد الشركات والبنوك العربية التي تؤمن ضد المخاطر الإلكترونية في ازدياد مستمر.
وقال عرفان رشيد، محلل أول بقسم المخاطر لدى «أليانز بشمال أفريقيا والشرق الأوسط»، إن «هناك وعيا متزايدا في أوساط الشركات والبنوك العاملة بالمنطقة حول أهمية التأمين ضد المخاطر الإلكترونية. نتلقى المزيد من الطلبات لكن لا يمكن مقارنتها مع حجم عملياتنا الخارجية بأسواق التأمين ضد القرصنة الإلكترونية»، مشددا على وجود حاجة لمزيد من الوعي حول أهمية ذلك النوع من التأمين.

* وحدة الأبحاث الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»



بين الدمار والضغوط المالية... تداعيات اقتصادية كارثية تضرب لبنان وإسرائيل

دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)
دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)
TT

بين الدمار والضغوط المالية... تداعيات اقتصادية كارثية تضرب لبنان وإسرائيل

دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)
دخان يتصاعد فوق جنوب لبنان بعد الغارات الإسرائيلية (رويترز)

شكَّل النزاع بين إسرائيل و«حزب الله» محطةً فاصلة؛ حملت في طيّاتها تداعيات اقتصادية وإنسانية عميقة على كلٍّ من لبنان وإسرائيل؛ إذ خلّفت الأعمال العدائية الممتدة لأكثر من عام آثاراً كارثية على البنى التحتية، ورفعت معدلات النزوح، وأدّت إلى شلل واسع في القطاعات الحيوية. وفي حين تحمل لبنان العبء الأكبر من الدمار والخسائر الاقتصادية، فإن إسرائيل لم تكن بمنأى عن الأضرار، خصوصاً مع مواجهتها تحديات اقتصادية ناتجة عن الحرب المتزامنة في غزة.

منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صواريخ أطلقت من قطاع غزة (رويترز)

وفيما يلي استعراض لأبرز تكاليف هذا الصراع، الذي شهد تصعيداً حادّاً خلال الشهرين الماضيين، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وفق «رويترز».

التأثير الاقتصادي

قدَّر البنك الدولي الأضرار والخسائر الأولية في لبنان بنحو 8.5 مليار دولار، وذلك في تقرير أصدره في 14 نوفمبر (تشرين الثاني). ومن المتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي اللبناني انكماشاً بنسبة 5.7 في المائة في عام 2024، مقارنةً بتوقعات النمو السابقة التي كانت تشير إلى 0.9 في المائة.

كما تكبّد القطاع الزراعي اللبناني خسائر فادحة، تجاوزت 1.1 مليار دولار، شملت تدمير المحاصيل والماشية، إضافة إلى نزوح المزارعين. وفي الوقت نفسه، عانى قطاع السياحة والضيافة -الذي يُعد من الركائز الأساسية للاقتصاد اللبناني- من خسائر مشابهة، ما يزيد من تعقيد التحديات الاقتصادية في البلاد.

أما في إسرائيل، فقد أدّت الحرب مع «حزب الله» إلى تفاقم التداعيات الاقتصادية الناجمة عن النزاع المستمر في غزة، ما زاد من الضغط على المالية العامة للدولة. وقد ارتفع العجز في الموازنة إلى نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما دفع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى إلى خفض تصنيف إسرائيل.

كما أسهمت الاضطرابات في سلاسل الإمداد في رفع معدل التضخم إلى 3.5 في المائة، متجاوزاً النطاق المستهدف للبنك المركزي الإسرائيلي (1-3 في المائة). وفي ظل هذه الظروف، أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة مرتفعة بهدف مكافحة التضخم، وهو ما زاد من الأعباء المالية على الأسر، من خلال ارتفاع تكاليف الرهون العقارية.

ورغم هذه التحديات العميقة، أظهر الاقتصاد الإسرائيلي تعافياً نسبياً في الربع الثالث من العام؛ بعدما سجل نمواً بنسبة 3.8 في المائة على أساس سنوي، عقب انكماش في الربع الثاني، وفقاً للتقديرات الأولية للحكومة.

حطام سيارات في موقع متضرر جراء الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

الدمار

في لبنان، تُقدر تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن بنحو 2.8 مليار دولار؛ حيث دُمّر أو تضرر أكثر من 99 ألف وحدة سكنية، وذلك وفقاً لتقرير البنك الدولي. وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، دُمر 262 مبنى على الأقل نتيجة الضربات الإسرائيلية، وفق مختبر جامعة بيروت الأميركية.

كما تسببت العمليات العسكرية الإسرائيلية في أضرار جسيمة في القرى والبلدات في جنوب لبنان وسهل البقاع، وهما منطقتان تُهيمن عليهما جماعة «حزب الله». وقد أسفرت هذه الضربات عن تدمير واسع للمرافق والبنية التحتية، ما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في تلك المناطق.

في المقابل، في إسرائيل، قُدِّرت الأضرار العقارية بنحو 1 مليار شيقل (ما يعادل 273 مليون دولار)، إذ دُمرت أو تضررت آلاف المنازل والمزارع والمنشآت التجارية جراء التصعيد العسكري. علاوة على ذلك، أُتلف نحو 55 ألف فدان من الغابات والمحميات الطبيعية والأراضي المفتوحة في شمال إسرائيل ومرتفعات الجولان.

النزوح

ونتيجة تصاعد العمليات العسكرية، نزح نحو 886 ألف شخص داخل لبنان بحلول نوفمبر 2023، وفقاً لتقارير المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في حين فرّ أكثر من 540 ألف شخص إلى سوريا هرباً من النزاع. وفي إسرائيل، تم إجلاء نحو 60 ألف شخص من المناطق الشمالية.

الخسائر البشرية

وأسفرت العمليات العسكرية عن سقوط آلاف الضحايا في كلا الجانبين. ففي لبنان، قُتل ما لا يقل عن 3768 شخصاً، وأصيب أكثر من 15 ألفاً و699 منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية. تشمل هذه الأرقام المدنيين والمقاتلين على حد سواء؛ حيث كانت الغالبية نتيجة الهجمات الإسرائيلية التي اشتدت في سبتمبر (أيلول). أما في إسرائيل، فقد تسببت ضربات «حزب الله» في مقتل 45 مدنياً و73 جندياً، وفقاً لبيانات رسمية إسرائيلية.