هل طلاب المرحلة الابتدائية مستعدون للالتحاق بالجامعة؟

خبراء تربويون: الإعداد للمستقبل يجب أن يبدأ من الصغر

تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)
تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)
TT

هل طلاب المرحلة الابتدائية مستعدون للالتحاق بالجامعة؟

تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)
تلاميذ الصف الأول الابتدائي في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية خلال حديثهم عن الالتحاق بالجامعات (نيويورك تايمز)

ما هي الجامعة؟ تعد الجامعة مكانا كبيرا للغاية بالنسبة لماديسون كومر، تلك الطفلة الواثقة بنفسها التي تبلغ من العمر 6 سنوات. وتضيف: «إنها طويلة»، ثم ترسم بقلم تلوين رمادي خطوط تميمة ولاية نورث كارولينا التي تسمى «توفي». وتضيف «إنها تشبه المدرسة الثانوية ولكنها أعلى منها».
كما أشارت إليزابيث مانغان، التي ترغب في أن تصبح طبيبة بيطرية لأنها تحب الجرو الذي تملكه، إلى أنها ستلتحق كذلك بجامعة ولاية نورث كارولينا. وقالت: «سألتحق أنا وماديسون بالجامعة نفسها».
وعند سؤالها: ما الجامعة؟ قالت: «إنه مكان تذهب إليه للحصول على وظيفة».
وفي الوقت ذاته، كانت بيلي نالس ترسم قرونا مقوسة، وأسنانا مسننة لرمز رمسيس رام الموجود على علم ورقي يمثل جامعة ولاية نورث كارولينا. وقالت: «أرسمه وهو غاضب». وتريد بيلي عند الالتحاق بالجامعة أن تصنع كائنا متحولا «ترانسفورمر» («سيكون مثل الروبوت القادم من سايبرترون»). وعند سؤالها: ما الذي يحدث في الجامعة؟، أجابت «تزداد ذكاء كل يوم».
ما زالت اختبارات القبول بالجامعات بعيدة عن دفعة عام 2030. ولكن تلاميذ الصف الأول الابتدائي في صف المدرسة كيلي ريغو في مدرسة «جونسونفيل» الابتدائية في مقاطعة هارنيت الريفية، بنورث كارولينا، اختاروا بالفعل الكليات التي يريدون الالتحاق بها. واختار 3 منهم أكاديمية «ويست بوينت»، واختار واحد جامعة هارفارد. في أحد فروض الكتابة، يتحدث الأطفال عن اختيارهم للجامعة والمهنة التي يريدون القيام بها بعد ذلك. تريد الطالبة، التي ترغب في الالتحاق بجامعة هارفارد في المستقبل، أن تصبح طبيبة؛ وقالت إنها لا يمكن أن تلتحق بجامعة كمبردج لأن «أمي لا تريد مني الذهاب إلى أي مكان». تم تعليق طلبات الالتحاق الوهمية التي أعدها التلاميذ بدبابيس على لوحة الإعلانات.
وقالت السيدة ريغو: «ما زال السؤال القديم هو ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ إننا نطرح هذا السؤال دائما على الأطفال. ونحن بحاجة إلى أن نسألهم: كيف ستصلون إلى هناك؟ حتى لو كنت معلمة لصف الحضانة، ينبغي أن تكون كلمة (كلية) حاضرة».
لا عليك من التفاصيل، فالرسالة الآن محورها الأهداف والتركيز. وقالت ويندي سيغال، وهي مدرسة ومخططة للالتحاق بالجامعة في مقاطعة ويستشستر، بنيويورك: «إن الأمر كأن تريد لأطفالك المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية أو أن تتاح لهم فرصة المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية؛ فأنت لا تنتظر حتى يبلغ ابنك 17 عاما وتقول: طفلي يفضل بالفعل التزحلق على الجليد. ينبغي عليك أن تبدأ عندما يكون الطفل في الخامسة أو السادسة».
يعود الفضل إلى الرئيس باراك أوباما والمعايير الأساسية المشتركة في نشر فكرة «الاستعداد للكلية والمهنة» بين معلمي التعليم الأساسي في جميع أنحاء البلاد. أم هل نلقي باللوم على ثقافة التنافسية التي حولت سنوات الطفولة المنفتحة على جميع الاحتمالات إلى قائمة من مهارات الاستعداد. أيا كان السبب، تظل الحقيقة هي أن الاستعداد للالتحاق بالجامعة غزا مرحلة الطفولة.
يمكنك فقط القيام بالبحث على موقع «بي إنتريست» لمشاهدة هذا التوجه؛ فالعشرات من معلمي المدارس الابتدائية يقدمون أنشطة لطيفة تجعل الطريق إلى الالتحاق بالجامعة واضحا مثل تعليم القراءة والكتابة. تجعل أوراق القص واللصق وسيلة للطلاب كي يضعوا الخطوات في التسلسل الصحيح باستخدام دوائر ومربعات. وهناك 4 خطوات: إرسال طلب الالتحاق بالبريد، والحصول على القبول، والتخرج في المدرسة الثانوية، والانتقال إلى الصف الدراسي والدراسة بجد. لقد أصبحت «أسابيع الجامعة» عنصرا رئيسيا في روزنامة فعاليات المدارس الابتدائية مثلما هو الحال بالنسبة لحفل الفرق الذي يقام في فصل الشتاء. وأصبحت الجولات داخل الحرم الجامعي حاليا رحلات ميدانية مفضلة.
ظلت المدارس المستقلة تضع منذ فترة طويلة رسالة الالتحاق بالجامعة في بؤرة الاهتمام؛ فكانت هذه المدارس تأخذ منذ ما لا يقل عن 10 سنوات الطلاب من ذوي الدخول المنخفضة لزيارة الجامعة وتقدم حوافز للعمل الجاد، وتقدم معرفة مادية حول العالم الغامض لأقرانهم الأكثر ثراء. يريد الجميع حاليا معرفة خيارات التعليم العالي.
ويقوم برنامج تم إنشاؤه منذ 4 سنوات في مقاطعة سانتا كروز، بكاليفورنيا، بأخذ 3 آلاف طالب في الصف الرابع الابتدائي لمدة يوم واحد في شهر مايو (أيار) لزيارة الجامعات المحلية، والقيام بجولات ودورات معلومات ومشاهدة عينة من الفصول الدراسية فيها، بما في ذلك علم الاجتماع ودراسات المرأة. وفي جامعة رايس، التي يوجد لديها صفحة مصادر للمعلمين عنوانها «تصور طلابك في جامعة رايس»، تم تنظيم 91 جولة لطلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة، وأرسلت 357 صندوقا من الأنشطة التي تتم داخل الصف الدراسي، والكتابات، وورق الطباعة على أقمشة لعمل قمصان، وزاد هذا العدد بمقدار 3 أضعاف عنه منذ عامين.
وتدفقت الطلبات على جامعة «ميريلاند». وقالت مديرة برنامج خدمات الزوار، بيتي شبنغلر، بعد أن قادت 8 آلاف طفل في جولات بمرافقة دليل خلال عامي 2012 و2013 إنه ينبغي على الجامعة الحد من الطلبات. وأضافت: «لدينا كثير من الطلبات، وكنا نقوم جولات 5 أيام في الأسبوع. وأصبح من المستحيل الاستمرار». وأعربت عن أملها في أن يساعد الكشف عن موقع جديد للمصادر للمعلمين خلال الشهر الماضي أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على مواعيد للقيام بجولات.
ما الذي يفعله تلاميذ الصف السادس الابتدائي في الجولة؟
عندما تدفقت مجموعة مكونة من 65 طفلا من مدرسة «ماغنوليا» الابتدائية، التي تقع في حي يوجد به منازل متواضعة مشيدة على مساحات خضراء صغيرة ونظيفة في مقاطعة «برينس جورج»، بولاية ميريلاند، من حافلاتهم المدرسية ودخلوا إلى مركز الاستقبال في الجامعة، كانت المحطة الأولى التي توقفوا عندها هي المدينة الجامعية النموذجية، من وراء الزجاج.
إذا كان هناك شيء موجود في الجامعة يصعب على الأطفال استيعابه فهو النوم في المدرسة مع غرباء. لقد تزاحم الطلاب، الذين كان يرتدي كثير منهم الزي الموحد لمدرسة «ماغنوليا» الابتدائية، لمشاهدة الغرف ذات الأسرة المتميزة. كانوا يريدون معرفة ما إذا يمكنهم اختيار الشخص الذي يرغبون في الإقامة معه، وهل يمكنهم البقاء حتى وقت متأخر حسبما يرغبون. قالت بيلال موبيدين، وهي طفلة شكلها ملائكي تبلغ من العمر 11 عاما: «أمك لن تكون موجودة هنا لإيقاظك، لذلك سيكون عليك أن تستيقظ بنفسك حتى تتمكن من حضور دروسك». وترغب بيلال في أن تصبح جرّاحة مخ.
الهدف هو جعل الطلاب يتصورون أنفسهم في الجامعة، لا يصورون أنفسهم. وجاء تحذير معلمتهم لورا براونينغ: «لا يجوز نشر شيء، لا يجوز التقاط صور (سيلفي)، ولا يجوز إرسال رسائل نصية». كانت براونينغ تسعى للحفاظ على النظام أثناء السير إلى جوار المباني المشيدة بالطوب ذات الأعمدة البيضاء. وقالت: «أيها السيدات والسادة، يرجى السير على الأرصفة».
بالنسبة للأطفال المتحمسين والثرثارين، الذين التقطوا صور سيلفي سريعة، كان يوجد في الجولة ما يثير الاهتمام مثل تناول وجبة الغداء، ومعرفة حقائق ممتعة، والطابق السابع من المكتبة هادئا جدا لدرجة أنك إذا فتحت كيس بطاطس شيبسي يمكن لأي شخص أن يسمعك، وذلك فضلا عن المتعة البدنية. وكانوا يضحكون في ملعب لكرة القدم يضم 54.000 مقعد واكتشفوا وجود فرع لمحلات «تشيك فيل إيه» للوجبات السريعة في الطابق السفلي من مركز الطلاب. واندهشت إنجيا رايت ولكنها كانت مسرورة عندما علمت أن الحلوى تباع في الحرم الجامعي.
الدليلان في الجولة خافيير سكوت، وهو طالب في سنة أولى جامعة مفعم بالحيوية من كولومبيا، بولاية ميريلاند، وكارلي بولاند، وهي طالبة في السنة قبل الأخيرة في الجامعة من فورت وورث، قدما ملاحظة مهمة وقصيرة وجادة، حثا فيها الطلاب على تحقيق أحلامهم. وقال سكوت: «يمكن للجامعة أن تساعدك على تحقيق ذلك. فعندما تعمل بجد، ستجد مزيدا من الفرص مفتوحة أمامك».
وقت الغداء، وبعد أن فرك التلاميذ أنف التميمة «تيستودو» مرتين طلبا للفأل الحسن، وملأوا صواني المطعم بأصابع الدجاج والبطاطس المحمرة وشرائح البيتزا، اقتنع الطلاب. وقال ديفيد أولاديميجيج، 11 عاما، إنه ينوي الالتحاق بهذه الجامعة. وأضاف: «في البداية كنت أرغب في الالتحاق بجامعة هارفارد لأنني سمعت أنها أفضل جامعة؛ ولكنني أعتقد أن جامعة ميريلاند هي الأفضل».
إنه أسلوب الترويج بالإقناع، في حين يقول العرض التقديمي من جامعة «رايس» الموجه للصفوف الدراسية إن الالتحاق بأي جامعة هو ما يهم. ولكن ميكايلا دونوهو، تلميذة الصف الخامس التي طافت الحرم الجامعي مع زميلاتها من مدرسة «باين فورست الابتدائية» التي تقع في هامبل، بتكساس، تدعم تلك الجامعة تماما. وحين سئلت ما الذي لفت انتباهها، أجابت قائلة: «لقد تناولنا الغداء في هذه الحديقة الجميلة».
يمكن أن يؤدي التواصل مع الأطفال خلال السنوات السابقة على التفكير جديا في الالتحاق بالجامعة إلى غرس بذور الوعي بفكرة الجامعة ذاتها، أو خلق عملية محفوفة بالقلق.
من جانبه، قال جوان المون، مؤسس «تحالف من أجل الطفولة» الذي عبّر عن قلقه من أن يؤدي التركيز المبكر على هذا الأمر إلى تثبيط عملية استكشاف الطفل لذاته: «يحتاج الأطفال إلى ارتكاب أخطاء والشعور بأنهم أمام طريق مسدود وحالة ضيق. أشعر بالقلق من أننا نضع كثيرا من الضغوط بشأن الجامعة لدرجة قد تجعلهم يفقدون الحماس قبل الوصول إلى لحظة التحاقهم بها».
واتفق البعض معه في هذا الأمر؛ فهناك عدد من الجامعات التي ترفض استضافة جولات لأطفال في مراحل أقل من المرحلة الثانوية، وتعرب عن مشاعر مماثلة لتلك المنشورة على موقع جامعة «بوسطن»، التي تشير إلى «الرغبة في عدم المساهمة في حالة الجنون بشأن الالتحاق بالجامعة».
وتكون هذه الضجة في بعض المناطق في مدارس المرحلة الإعدادية. ففكرة أنه من الصعب الالتحاق بكليات القمة يجعل أولياء الأمور يبدأون التفكير في هذا الأمر قبل الأوان.
من جانبها، قالت ميغان دورسي، وهي مستشارة خاصة ومؤسسة «كوليج بريب»، التي تقع في شوغر لاند بولاية تكساس: «لقد سبب ذلك بعض الذعر». كما أشارت إلى قانون في الولاية يلزم الجامعات بقبول أعلى درجات من كل مدرسة ثانوية، وهو ما يجعل القبول في كل من جامعة «تكساس» و«أوستن»، و«تكساس إيه أند إم» صعبا على وجه الخصوص. وأضافت: «أرى القلق يعتري بالفعل الكثير من أولياء أمور طلاب المرحلة الإعدادية. إنهم يريدون أن يعرفوا ما الذي ينبغي عليهم القيام به قبل المرحلة الثانوية».
وقالت ماري ماير، وهي أم لطفلين أحدهما في الصف الخامس والآخر في الثالث الإعدادي في مدرسة «لامار كونسوليديتيد» المستقلة بالقرب من هيوستن، إن الدافع لتكديس الإنجازات، والنظر في كيفية تأثير سجل الطفل الدراسي على الالتحاق بالجامعة، أمر معد. وأضافت: «إنها اللعبة التي نمارسها هذه الأيام. إن الأمر قد زاد عن الحد، ولكنني لا أرى أنه يتغير، لذلك عليك المشاركة وإلا فلن تتقدم».
وقالت ماير إنها عندما تلاحظ انضمام ولديها للنادي العلمي وتطوعهم في بنك الطعام، وحتى مشاركتهم في دورية السلامة والأمان في المدرسة الابتدائية، فإنها تعتبر ذلك خطوة نحو الالتحاق بالجامعة. وتضيف: «ينبغي أن تصنع هذه السيرة الذاتية لأطفالك وإلا فلن يعيرهم أحد اهتماما».
باربرا بول مدرسة لغة إنجليزية للصف السابع في مدرسة «راشيل كارسون» الإعدادية في مقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا، التي تعد واحدة من أغنى الضواحي في البلاد، ويوجد بها مدرسة «توماس جيفرسون» الثانوية للعلوم والتكنولوجيا ذات المكانة المتميزة. وقالت إن نحو 60 في المائة من طلابها يعرفون بالفعل أين سيلتحقون بالجامعة.
كانت باربرا بول من بين أول من يقوم بتجربة النسخة المخصصة للمدارس الإعدادية من «نافيانس»، وهي خدمة باشتراكات لإعداد الطلبة للكلية. وتعرف الخدمة بالمخططات الإحصائية التي تكشف عن تاريخ قبول طلاب المدرسة لكليات محددة عن طريق نتيجة الاختبارات ومتوسط الدرجات. وقالت باربرا بول إن خاصية إنشاء السيرة الذاتية الموجودة في البرنامج، التي تسمح للطلاب بالقيام بأنشطة خارج الصف الدراسي، والحصول على جوائز، والقيام بعمل تطوعي وأكثر من ذلك، تجعل طلابها «أكثر إدراكا» لبناء هذا السجل خارج الصف الدراسي من أجل الالتحاق بالجامعة.
وأضافت: «نحن نتحدث عن المثابرة. فإذا التحقت بأحد الفرق في عام ولم تفعل ذلك في الصف الثامن، سيوضح البرنامج ذلك». وحتى عندما تذكرهم باربرا بول بأنهم «مجرد أطفال»، تقول لهم أيضا: «إن الوضع تنافسي، وما الذي يمكنك فعله أو ما تفعله غير العودة للمنزل وممارسة ألعاب الفيديو؟ أنت طفل يبلغ من العمر 12 عاما. هل تنسحبون؟».
وتوضح الأبحاث أن معدل الالتحاق بالكلية يتزايد فقط لدى الطلبة الذين ينتمون إلى أسر ذات دخل مرتفع. وتضاعف عدد الطلبة الذين حصلوا على شهادة البكالوريوس من الأسر ميسورة الحال منذ عام 1970، حيث وصل إلى 77 في المائة بعد أن كان 40 في المائة، في الوقت الذي ارتفع فيه معدل الطلبة من الأسر ذات الدخل المنخفض الذين حصلوا على تلك الشهادة من 6 إلى 9 في المائة بحسب تقرير صدر الشهر الحالي عن معهد «بيل إنستيتيوت» لدراسة فرص التعليم العالي، وتحالف من أجل التعليم العالي والديمقراطية.

* خدمة «نيويورك تايمز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.