سقوط مادونا من فوق المسرح.. وسفاح «داعش» يتصدران الإعلام البريطاني

الصحافة الأميركية: إحباط بسبب روسيا.. والأزمة الأوكرانية مستمرة

كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)
كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)
TT

سقوط مادونا من فوق المسرح.. وسفاح «داعش» يتصدران الإعلام البريطاني

كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)
كشف هوية سفاح «داعش» تصدر الصحافة عبر الأطلسي (أ.ف.ب)

وجدت الصحف البريطانية في حفل جوائز الموسيقى البريطاني «بريت أووردز» قصة ترفيهية تخفف على القارئ حدة القضايا السياسية والاقتصادية الساخنة مع اقتراب نهاية الأسبوع. وتصدر موقف محرج تعرضت له المغنية المخضرمة مادونا أثناء حفل زاخر بالنجوم في لندن عناوين الصحف البريطانية، أمس (الخميس)، مع صور لها وهي تسقط للخلف من فوق المسرح، متعثرة في عباءة سوداء.
ومن صحيفة «غارديان» المرموقة وصولا إلى صحيفة «صن» الشعبية كان سقوط مادونا هو الحدث الأبرز الذي طغى على أي شيء آخر في حفل «بريت أووردز» السنوي الذي أقيم أول من أمس (الأربعاء). جاء سقوط مادونا أثناء تأديتها أغنية «ليفينغ فور لاف» بعد أن فشلت في خلع العباءة التي ترتديها ضمن الزي المصمم للعرض الفني، قبل أن يساعدها الراقصون على النهوض مجددا.
كما تناول التقارير الإعلامية أن مسؤولي الاستخبارات البريطانيين تمكنوا من تحديد هوية متطرف تنظيم داعش الذي ظهر في لقطات الفيديو الخاصة بالتنظيم وهو يقوم بذبح كثير من الرهائن، مبديا فيه علامات السخرية والاستهزاء. وقالت هيئة البث البريطاني (بي بي سي) البريطانية إنها «علمت أن الشخص الذي يُعرف بالاسم المستعار جون هو محمد الموازي المشتبه في أنه الشخص الذي ظهر في تسجيلات ذبح الرهائن، ويُعتقد أنه بريطاني من غرب لندن، ومعروف لأجهزة الاستخبارات البريطانية. وذكرت «بي بي سي» أن أجهزة الاستخبارات فضلت عدم الكشف عن اسمه الحقيقي في وقت سابق، نظرا لأسباب خاصة بعمليات الأجهزة الأمنية.
في تقريرها ليوم الخميس قالت صحيفة «تايمز» تحت عنوان «بوتين مستعد لإيقاف إمدادات الغاز عن أوروبا»، إن روسيا تهدد بإيقاف الغاز عن أوروبا خلال أيام، وبهذا فإنها مستعدة لفتح جبهة جديد في المجابهة بين الغرب وروسيا بخصوص الوضع في أوكرانيا. وكانت قد تناولت الصحف خلال الأسبوع تصريحات السفير الروسي في بريطانيا، ألكسندر ياكوفينكو، الذي انتقد فيه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشدة على خلفية إعلان كاميرون اعتزام بلاده إرسال 75 مدربا عسكريا لأوكرانيا.
وقال السفير الروسي على صفحته بموقع «تويتر» للتغريدات القصيرة إن الإجراء الذي أعلن عنه كاميرون يوم الثلاثاء يدل على أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) مشارك بالفعل في النزاع الأوكراني. وكانت قد أوردت الصحف إعلان كاميرون عزم بلاده إرسال مدربين عسكريين لأوكرانيا.
صحيفة «غارديان» استمرت بتغطيتها لأزمة مصرف «إتش إس بي سي» ومثول رئيس البنك دوغلاس فلينت أمام لجنة برلمانية بريطانية ليجيب حول عمليات فرعه في جنيف المتهم في تبيض الأموال، ومساعدة شخصيات على التهرب من الالتزامات الضريبية.
كما استمرت الصحف بتغطيتها للفضيحة التي طالت وزيري خارجية سابقين في بريطانيا؛ المحافظ مالكلم ريفكيند والعمالي جاك سترو، وذلك بعدما تم تصويرهما وهما يعرضان استغلال منصبهما لصالح شركة وهمية في هونغ كونغ مقابل المال. وظهر العضوان بالبرلمان اللذان تم تصويرهما بكاميرا خفية خاصة بالقناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني وصحيفة «ديلي تلغراف»، وهما يحددان المبلغ الذي يريدان الحصول عليه مقابل التواصل مع شركة علاقات عامة وهمية.
واستمرت التغطية بعدما قرر ريفكيند أنه سيترك منصب رئيس لجنة الأمن والمخابرات في البرلمان وسيترك مقعده في مجلس العموم في مايو (أيار) المقبل بسبب الفضيحة. وقال ريفكيند في بيان استقالته أن المزاعم المثارة حوله «وضيعة»، وأنه لن يُعَلق عليها بأكثر من ذلك.
وقال إنه يعتزم مواصلة عمله السياسي والعام بعد تركه البرلمان.
وانصبّ اهتمام الصحف البريطانية الصادرة أول من أمس على الكشف عن هوية سفاح «داعش» الذي نفذ عددا من عمليات ذبح رهائن تنظيم داعش.
وقالت افتتاحية صحيفة «الإندبندنت» التي جاءت بعنوان «روح ضالة» إنها «تكشف عن فجوة دينية وثقافي». وتقول الصحيفة: «مع اتضاح التفاصيل عن خلفية محمد الموازي، الذي يعتقد أنه (جون المتطرف)، من الصعب تجنب هذا الإحساس أن بريطانيا شابا يشعر بالانفصال التام عن هذا البلد، حتى إنه يفضل أن يعارض قيمه وشعبه بهذه الطريقة شديدة الوحشية».
وتقول الصحيفة إنه «يُعتقد أن الموازي كان يعيش حياة ميسورة في غرب لندن، وإنه قدم إلى بريطانيا وهو في السادسة من العمر. وكان يرتدي ملابس عصرية أنيقة وتخرج في جامعة ويستمنستر، إذ درس علوم الحاسب الآلي. كان على ما يبدو شابا عاديا».
وترى الصحيفة أنه نظرا لحياته العادية يبدو تحول الموازي إلى «فتى الغلاف» لعنف المتطرفين ضد رهائن غربيين أبرياء أمرا يستعصي على الفهم. وتستدرك الصحيفة أنه ليس حالة فريدة في التخلي عن الحياة في بريطانيا لقتل الآخرين في سوريا، إذ تشير تقديرات رسمية إلى أن نحو 600 بريطاني ذهبوا للقتال في سوريا والعراق.
وتضيف أن حالة الموازي بارزة ضمن كثيرين سافروا للقتال لأنه أصبح رمزا للازدراء الشديد الذي يكنه تنظيم داعش لحياة معارضي قضيته. وترى الصحيفة أيضا أن مسار الموازي صوب التطرف مثير للاهتمام لمعرفة الأجهزة المخابراتية والأمنية به منذ عام 2009، والاعتقاد أن «الملاحقات والمضايقات التي لا داعي لها من قبل المخابرات أسهمت في إحساسه بالعزلة والتهميش عن المجتمع».
وتقول الصحيفة إنها أعدت تقريرا منذ 5 سنوات خلص إلى أن استراتيجيات الحكومة البريطانية لمكافحة الإرهاب أثبتت إخفاقها بسبب مثل هذه المضايقات».
وتقول الصحيفة إن نتائج الاستطلاع الذي أجرته «بي بي سي» عن آراء المسلمين البريطانيين يؤكد فكرة أن محاربة التطرف لا يمكن تركها للشرطة والمخابرات.
وتضيف الصحيفة أن 20 في المائة من المسلمين البريطانيين الذين استطلعت «بي بي سي» آراءهم يرون أن المجتمع الغربي الليبرالي لا يمكن أن يتماشى مع الإسلام يوضح مستوى مدمرا من الانعزال والانفصال، وأن التغلب عليه مهمة للمجتمع بأسره من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
وننتقل إلى افتتاحية صحيفة «الإندبندنت» التي جاءت بعنوان «حقيقة الإرهاب». وتقول الصحيفة إن الهستيريا المصاحبة للكشف عن هوية الموازي، الذي ظهر في لقطات فيديو لذبح بعض رهائن غربيين احتجزهم تنظيم داعش، تخفي حقيقة رئيسية وهي أن بعض الإرهابيين سيفرّون.
وتتساءل الصحيفة: هل كان في وسع الأمن البريطاني القيام بالمزيد لمنع الموازي من خوض عالم الإرهاب؟ وتضيف أن الموازي كان معروفا لدى السلطات، بل إن المخابرات عرضت عليه العمل. ويجيب قائلا إنه كان بالإمكان منعه من السفر، ولكن هذا يعني أنه كان سيبقى حرا داخل بريطانيا، وسيكون بإمكانه شن هجمات داخل بريطانيا.
وتقول الصحيفة إنه يمكن دائما عمل المزيد، ولكن الطريقة الوحيدة لضمان عدم قيام المشتبه به بأي جرائم إرهابية هي التحفظ على المشتبه بهم واحتجازهم دون إثبات الاتهام. وهذا يعني قيام دولة بوليسية تركز اهتمامها على فئة واحدة فقط من المجتمع، أغلب من فيه يلتزمون بالقانون ولا يرغبون إلا في توفير حياة كريمة لأسرهم.
بالنسبة للإعلام الأميركي، بدأ الأسبوع وانتهى بعلامات إحباط تعكس المزاج الأميركي، وتعكس رأي المسؤولين في موضوعين هامين: روسيا و«داعش».
بدأ الأسبوع بتصريحات نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» عن قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه من غير المرجح وقوع حرب مباشرة مع أوكرانيا. لكن رفض بوتين عقد مزيد من الاجتماعات مع قادة فرنسا، وألمانيا، وأوكرانيا حول وقف الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا. وقالت الصحيفة إن بوتين لم يغير رأيه منذ أن بدأت مشكلة أوكرانيا، ولن يغير رأيه، وإن الغرب يجب أن يصل إلى هذه القناعة، وربما ستعود الحرب الباردة مرة أخرى.
ولتأكيد ذلك اليأس، نقل تلفزيون «سي إن إن» صور سحب أسلحة الجيش الأوكراني الثقيلة من الجبهة، رغم أن الجيش لا يزال يتعرض للهجوم من قوات المتمردين، حتى بعد وقف إطلاق النار. وفي بداية الأسبوع، أيضا، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا عن نشاطات منظمة داعش في دول الشرق الأوسط، أوضح أنها الآن في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، وأنها تخطط لدخول الأردن ولبنان والخليج، وعكس التقرير تشاؤما من أن مشكلة «داعش» تتفاقم ولا تتقلص.
وفي منتصف الأسبوع، غطت أخبار داخلية على التغطية الإعلامية الأميركية:
قرار عمدة واشنطن العاصمة أن تنضم إلى ولايات ألاسكا، وكولورادو، وواشنطن، وهي الأماكن الوحيدة في الولايات المتحدة التي تسمح باستخدام حشيشة الماريغوانا لأغراض ترفيهية. وقرار لجنة الاتصالات الاتحادية (إف سي سي) منع أي حظر أو حجر، على مقدمي خدمات الإنترنت واعتبارها من المرافق العامة، وتأكيد قواعد الحياد الكامل فيها، وفي الأجهزة الإلكترونية التي تسيرها.
واستعمل الرئيس باراك أوباما حق الفيتو، واعترض على مشروع قانون كان أصدره الكونغرس بالموافقة على خط أنابيب «ترانس كيستون»، بين الرمال النفطية الكندية والمصافي في خليج المكسيك (تلفزيون «إيه بي سي»).
وأقرت محكمة في تكساس بأن إدي روث مذنب بقتل «أميركان سنايبر» (قناص أميركا) كريس كيبل، الذي كان قتل مئات في العراق خلال الاحتلال الأميركي. وحكم على روث بالسجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط (صحيفة «دالاس مورننغ نيوز»).
وفي شيكاغو، كما نقل تلفزيون «إيه بي سي»، مني صديق الرئيس أوباما، العمدة رام إيمانويل، بهزيمة عندما لم يقدر على الفوز بأكثر من نصف الأصوات في الانتخابات التمهيدية ليستمر عمدة على المدينة. وسيذهب الناخبون في الأسبوع المقبل إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 50 من أعضاء المجلس المحلي. وستكون هناك جولة إعادة بين إيمانويل ورئيس مقاطعة كوك (التي فيها مدينة شيكاغو) جوشا غارسيا.
ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» خبر اعتراف روبرت ماكدونالد، وزير المحاربين القدامى، بأنه كذب عندما ادعى أنه خدم في «سبشيال فورسيز» (القوات الخاصة في الجيش الأميركي).
ومع نهاية الأسبوع، عرض تلفزيون «فوكس» معلومات كثيرة، ومثيرة، عن الممثل الأميركي ليونارد نيموي الذي اشتهر بدور «سبوك» في سلسلة أفلام «ستار وورز» (حروب النجم)، حيث توفي وعمره 83 عاما من مضاعفات مرض الانسداد الرئوي.
وتناقل مليونا شخص في الإعلام الاجتماعي، بالإضافة إلى الإعلام التقليدي، فيديو الفنانة مادونا وهي تقع من على المسرح أثناء أداء أغنيتها «ليفينغ فور لاف» (أعيش من أجل الحب).
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» خبر ذبح أفيجيت روي، كاتب بنغلاديشي - أميركي، ذبح في بنغلاديش على يد متطرفين.
ومع نهاية الأسبوع، كانت هناك أخبار أكثر فظاعة.
ركز تلفزيون «سي إن إن» على جون المتطرف «سفاح داعش»، الشخص الذي ظهر في عدة شرائط فيديو وزعها «داعش» وهو يذبح رهائن غربيين، والذي تأكد أنه محمد الموازي، بريطاني ولد في الكويت.
وأيضا، شريط فيديو وزعه «داعش»، يظهر تدمير متحف الموصل، ثاني أكبر متحف في العراق، والغني بالقطع الأثرية من آلاف السنين من التاريخ العراقي.
ومع نهاية الأسبوع، مثل بدايته، جاءت أخبار مزيد من اليأس عن أي تحسن في العلاقات بين الغرب وروسيا: قتل بوريس نيمتسوف، من زعماء المعارضة في روسيا. وكما كانت «نيويورك تايمز» قالت في بداية الأسبوع، يبدو أن روسيا لن تتغير، وبالتالي، يبدو أن الحرب الباردة عائدة لا محالة.



بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».


استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)
TT

استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)

أثار استخدام شركة «ميتا» للذكاء الاصطناعي في تطبيق «واتساب» معركة قانونية جديدة بين شركة التكنولوجيا الأميركية والاتحاد الأوروبي، لا سيما بعدما أعلنت أوروبا فتح تحقيق مع «ميتا» بشأن احتمال انتهاكها قواعد المنافسة المتعلقة بميزات الذكاء الاصطناعي في «واتساب»، ما اعتبر بحسب خبراء «تصعيداً لنزاع قانوني قائم، وتأكيداً على اتجاه أوروبا لتنظيم مواقع التواصل»، رغم ضغوط الولايات المتحدة، واتهام الرئيس دونالد ترمب لأوروبا بـ«استهداف الصناعة الأميركية بشكل غير عادل».

ووفق المفوضية الأوروبية، فإن «السياسة الجديدة التي أعلنتها (ميتا) قد تمنع مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الخارجيين من تقديم خدماتهم عبر (واتساب)، ما يعد إساءة استخدام لوضع مهيمن». وقالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن المنافسة، تيريزا ريبيرا، في بيان صحافي الأسبوع الماضي، إن «بروكسل تريد ضمان استفادة المواطنين والشركات بشكل كامل من الثورة التكنولوجية المتعلقة بزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال منع أصحاب المراكز المهيمنة من استغلالها لإقصاء المنافسين».

ويتيح «واتساب» حالياً للشركات التواصل مع العملاء على التطبيق، وبعض هذه الشركات يستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لإجراء المحادثات، لكن مع القواعد الجديدة التي أعلنتها «ميتا» فإن هذه الشركات قد لا تستطيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها، ما يصب في صالح خدمة «ميتا إيه آي». لكن «واتساب» ترى أن «انتشار روبوتات الدردشة عبر التطبيق يثقل كاهل أنظمته غير المصممة لتحمل هذا العبء، ولذلك كان ينبغي الإعلان عن تغييرات»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، رأى أن «هذا التحقيق جزء من صراع قانوني متصاعد بين الاتحاد الأوروبي وشركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها (ميتا)». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع متعلق بأمور عدة؛ من بينها حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، ومنع المحتوى المسيء، واستخدام الذكاء الاصطناعي».

وقال إن «استخدام الذكاء الاصطناعي يضر بالخصوصية، ويتيح معالجة كم هائل من البيانات في وقت قصير»، مرجحاً استمرار تصاعد الصراع القانوني بين الاتحاد الأوروبي و«ميتا».

وكانت «ميتا» قد بدأت في مارس (آذار) الماضي دمج روبوت المحادثة والمساعد الافتراضي «ميتا إيه آي» في تطبيق «واتساب» داخل الأسواق الأوروبية. وفي يوليو (تموز) الماضي، فتحت هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقيقاً بشأن اتهامات لـ«ميتا» باستغلال قوتها السوقية عبر دمج أداة ذكاء اصطناعي في «واتساب»، وتوسع التحقيق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لفحص ما إذا كانت «ميتا» قد انتهكت قواعد المنافسة والاحتكار.

المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي والصحافي المصري محمد الصاوي قال إن «التحقيق الأخير الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ضد (ميتا) ليس مجرد خلاف تقني، أو قانوني، بل نقطة تحوّل حقيقية في كيفية تعامل المنظمين مع هيمنة الشركات الكبرى على أدوات المستقبل، وتحديداً الذكاء الاصطناعي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة (ميتا) حصر استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها فقط قد تُفهم على أنها محاولة لبناء (بوابة مغلقة) تقيّد الابتكار، وتمنع المنافسة، ما يتنافى مع المبادئ الأساسية التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى أن الخلافات القانونية بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لسنوات مضت، بدءاً من قضايا حماية البيانات، مروراً بالتحقيقات المرتبطة بالاحتكار واستغلال الهيمنة السوقية، وانتهاءً بالخلافات حول الإعلانات الموجهة، والمحتوى السياسي.

وقال الصاوي إن هذا «النزاع المستمر بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) يحمل وجهين؛ فمن جهة، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الحماية للبيانات، والخصوصية، وفرض معايير أكثر شفافية على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، قد يتسبب في تقييد بعض الخدمات، أو تعقيد تجربة الاستخدام في حال قررت (ميتا) تقليص بعض المزايا في أوروبا للامتثال للقوانين».


ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».