إثيوبيا تؤكد موعد ملء «السد»... ومصر ترفض «الإجراءات الأحادية»

وسط استمرار تعثر المفاوضات

منظر عام لـ«سد النهضة» قبل تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل يوليو المقبل (د.ب.أ)
منظر عام لـ«سد النهضة» قبل تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل يوليو المقبل (د.ب.أ)
TT

إثيوبيا تؤكد موعد ملء «السد»... ومصر ترفض «الإجراءات الأحادية»

منظر عام لـ«سد النهضة» قبل تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل يوليو المقبل (د.ب.أ)
منظر عام لـ«سد النهضة» قبل تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل يوليو المقبل (د.ب.أ)

وسط استمرار تصاعد أزمة «سد النهضة» في ظل إصرار إثيوبيا على تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، خلال موسم الأمطار، في يوليو (تموز) المقبل». أعلنت مصر مجدداً رفضها أي «إجراءات أحادية» بشأن «السد». وتطالب مصر والسودان باتفاق «قانوني ملزم» ينظم قواعد تشغيل وملء «السد» بما يمكنهما من تجاوز الأضرار المتوقعة لـ«السد»، خاصةً في أوقات الجفاف، في حين ترفض إثيوبيا «إضفاء طابع قانوني على أي اتفاق يتم التوصل إليه».
وشدد وزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، مجدداً أمس، على أن «ملء (السد) للسنة الثانية سيتم كما هو مقرر، ووافقت عليه مجموعة البحث العلمي الوطنية للدول الثلاث». وقال مكونن خلال ندوة عبر الفيديو «كونفرانس» نظمتها السفارات الإثيوبية المعتمدة لدى الدول المجاورة ومنطقة البحيرات الكبرى بالاشتراك مع «الخارجية الإثيوبية»، «نثق في دور الاتحاد الأفريقي في تسهيل مفاوضات (السد) والوصول بالعملية إلى (خاتمة ناجحة)»، مؤكداً على «قناعة إثيوبيا بمبدأ إيجاد حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية». وفشلت آخر جولة من مفاوضات «سد النهضة» عقدت برعاية الاتحاد الأفريقي، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية. ويأمل الاتحاد الأفريقي في إيجاد حل قبيل تنفيذ إثيوبيا عملية ملء ثان للخزان، وهو إجراء حذرت منه مصر والسودان.
وتقيم إثيوبيا «السد» منذ عام 2011 بهدف توليد الطاقة الكهرومائية، التي تقول إنها «ضرورية لتلبية احتياجات سكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة من الكهرباء». وقال وزير المياه والري الإثيوبي، سليشي بقلي، إن «نسبة البناء في (السد) تجاوزت الـ80 في المائة»، فيما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في وقت سابق «تمسكه بالموعد الذي أعلنته بلاده للملء الثاني لخزان (السد)»، متجاهلاً بذلك التحفظات المصرية والسودانية على المضي في هذه الخطوة من دون اتفاق «قانوني» بين البلدان الثلاثة لتنظيمها.
وشددت وزارة الخارجية المصرية على «رفض أي (إجراءات أحادية) قد تتخذها إثيوبيا بشأن (السد)، بما في ذلك الاستمرار في ملء (السد) بشكل أحادي خلال موسم الفيضان المقبل. جاء موقف «الخارجية المصرية» على لسان المتحدث باسمها، أحمد حافظ، تعقيباً على إصرار إثيوبيا على استكمال ملء «السد». وذكر حافظ أن «التصريحات الإثيوبية تكشف مجدداً عن (سوء نية) وسعي إثيوبيا لإجهاض الجهود الجارية من قبل وسطاء دوليين وأفارقة، من أجل حل الأزمة، ورغبتها في فرض (الأمر الواقع) على دولتي المصب، وهذا الأمر لم ولن تقبل به مصر»، مضيفاً في بيان مساء أول من أمس، أن «مصر تحلت بالصبر وتصرفت بحكمة ومسؤولية وتفاوضت على مدار عقد كامل بجدية وحسن نية للتوصل لاتفاق (عادل وملزم قانوناً) بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويؤمن حقوق مصر المائية؛ إلا أن الجانب الإثيوبي انتهج سياسة تقوم على (المماطلة والتسويف) أدت إلى فشل كافة مسارات المفاوضات التي أجريت خلال الأعوام الماضية». وتتفاوض مصر والسودان مع إثيوبيا منذ نحو 10 سنوات، دون نتيجة.
وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مباحثاته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام، على أن مصر «لن تقبل بالإضرار بمصالحها المائية». ووفق متحدث «الخارجية المصرية» فإن «استمرار إثيوبيا في ملء (السد) بشكل أحادي، هو تصرف (غير مسؤول) ويعد مخالفة صريحة لأحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس (آذار) عام 2015، فضلاً عن أنه سوف يعرض دولتي المصب لمخاطر كبيرة، خاصةً إذا تزامن مع فترات جفاف.
في ذات السياق، أكد متحدث «الخارجية المصرية» أن «مصر تقف بجانب السودان وتدعمه في هذا الملف الذي يمس صميم المصالح المشتركة للبلدين، خاصةً أن ملء (السد) بشكل أحادي قد يوقع الضرر بالمنشآت المائية والسدود السودانية التي تقع على مقربة من (السد)»، مضيفاً أن «مصر ملتزمة بالحفاظ على حقوق مصر ومصالحها المائية وحمياتها ومنع إيقاع الضرر بها»، مشيراً إلى أن «الدولة المصرية اتخذت بالفعل إجراءات احترازية للتعامل مع الملء الثاني لـ(السد) والحد من آثاره المحتملة، من أجل تأمين احتياجات مصر من الموارد المائية خلال هذه الفترة، وذلك بالتوازي مع الاستمرار في رصد التصرفات الإثيوبية ومراقبتها عن كثب لضمان عدم الإضرار بمصالح مصر المائية أو المساس بحقوقها التي أقرتها وأكدتها القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.