الكاظمي بين منهج التصحيح وعدم خوض الانتخابات

حظوظه تبقى قوية لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة

مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)
مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)
TT

الكاظمي بين منهج التصحيح وعدم خوض الانتخابات

مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)
مصطفى الكاظمي (أ.ف.ب)

يمضي مصطفى الكاظمي رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في العراق، بعيداً في تحدي خصومه من القوى والأحزاب التي اضطرت إلى القبول به ومن ثم تخلّت عن دعمه، بل بدأت تضع مزيداً من العصيّ في عجلة ما ينوي القيام به من إصلاحات.
آخر ما فاجأ به الكاظمي هؤلاء الخصوم هو إعلانه عدم خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وانطلاقاً من التجارب السابقة لكل الشخصيات والقوى والأحزاب التي شاركت في كل الانتخابات التي جرت في العراق منذ أول دورة برلمانية عام 2005، فإن خوض الانتخابات يكون بالعمل وبكل الوسائل الممكنة وأحياناً غير الممكنة من أجل تكوين كتلة برلمانية قوية يتكئ عليها رئيس الوزراء. وطبقاً للتجارب نفسها ولكون العملية السياسية في العراق بُنيت على أساس ما تسمى الديمقراطية التوافقية وليست الديمقراطية التي تقوم على مفهوم الأغلبية الحاكمة مقابل الأقلية المعارضة، فإن الهدف الرئيسي لتكوين كتلة برلمانية قوية تقف خلف رئيس الوزراء هو لبسط مزيد من السيطرة على مفاصل الحكم في كل الميادين والمجالات. والغريب والفريد في العراق هو عدم وجود أغلبية بالمعيار الانتخابي تحكم وأقلية بنفس المعيار تعارض، بل الجميع في السلطة والحكومة والجميع في نفس الوقت خارج السلطة والحكومة.
ولكي نفك ما يبدو لغزاً فإن كل الكتل البرلمانية إلا ما ندر تتمثل في الحكومة التي تتشكل ولكنّ معظمها يعارض الحكومة من منطلق إما أن مشاركتها ليست بالمستوى المطلوب كأن لا تمنح مناصب تتناسب مع حجمها الانتخابي أو حجمها المكوناتي، وبالتالي فإنها تجد أن ما يمكن أن يدخل في هذا الباب بصرف النظر عن التسمية التي تناسبه يجعلها في خانة المعارضة أو شبه المعارضة. وبما أن المعارضة أو شبه المعارضة تبدو هي الأخرى لغزاً في الديمقراطية التوافقية في العراق، فإن هذا يعني أن هذه الكتلة أو تلك الممثلة بالحكومة بطريقة لا تبدو مُرضية بالنسبة إليها تقف إلى جانب الحكومة في حال أقدمت على خطوات تعدّها هي جيدة من وجهة نظرها، أو تعارضها في حال وجدت أن خطواتها في هذا الملف أو ذاك ليست مُرضية بالنسبة إليها.
وبالقياس إلى هذه التجربة السياسية التي لم تبلغ سن الرشد بعد بسبب تراكم الأخطاء والفشل، فإن إعلان الكاظمي عدم الترشح للانتخابات مع إعلانه في الوقت نفسه أنه سوف يعمل على معالجة أخطاء الماضي والتفرغ للبناء والإعمار في المستقبل يبدو ملتبساً بالنسبة إلى ما يراه خصومه السياسيون الذين يسعون إلى قطع الطريق أمامه عبر الانتخابات سواء في عدم السماح للقوى التي يُحسب عليها هو، وهي قوى الانتفاضة الجماهيرية (ثورة أكتوبر - تشرين 2019) أو العمل على قطع الطريق أمامه لدورة حكومية جديدة من أربع سنوات. فإعلانه عدم خوض الانتخابات لا يبدو مناورة سياسية لأن القوائم الانتخابية اكتملت ومفوضية الانتخابات أغلقت باب الترشيح ولا يوجد اسم مصطفى الكاظمي بين الـ3000 مرشح لخوض الانتخابات المقبلة لا على المستوى الشخصي ولا على مستوى دعم أحزاب أو كتل.
مع ذلك فإن المعركة لم تنتهِ بين الكاظمي وخصومه بل ربما تكون قد بدأت. فالكاظمي بدا عبر سلسلة تصريحات ومبادرات سياسية واجتماعية كأنه دخل مرحلة تنافس جديدة عن طريق العمل على تجاوز أخطاء الماضي والتوجه نحو البناء والإعمار. وبما أن الرجل خارج السباق الانتخابي فإن ما يُطرح يبدو منهج دولة لا علاقة له بموسم الدعايات الانتخابية الذي غالباً ما يقتصر النشاط فيه على مبادرات يومية في الغالب منها وعود لن تتحقق.
إن ما يطرحه الكاظمي من رؤى باتجاه التغيير وهو خارج السياق الانتخابي يجعله أقوى مما لو كان ضمن السباق الانتخابي لأن بإمكان مناوئيه القول إن ما يقوله لن يخرج عن سياق الدعاية الانتخابية، وربما يُتهم بتسخير قدرات الدولة ومنصاتها على صعيد إطلاق مثل هذه التصريحات هنا أو هناك.
لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل للكاظمي فرصة في تشكيل الحكومة المقبلة؟ طبقاً للدستور فإن رئيس الوزراء الذي هو عُرفاً من المكون الشيعي ينطبق على الكاظمي كونه شيعياً ليبرالياً وليس إسلامياً، ولأن رئيس الوزراء هو من خارج البرلمان وإنما يتم ترشيحه من الكتلة البرلمانية الكبرى، فإن حظوظ الكاظمي أو سواه تتعلق بمن هي الكتلة البرلمانية الأكبر التي سوف تحصد غالبية مقاعد البرلمان العراقي. ففي حال تمكنت كتل سياسية من تشكيل الكتلة الأكثر عدداً داخل البرلمان العراقي وترى في الكاظمي فرصة قابلة للاستمرار فليس هناك عائق أمام إمكانية تشكيله حكومة جديدة. ولعل ما يجعل الكاظمي أكثر قوة على صعيد المنافسة أنه ليس محسوباً على كتلة دخل الانتخابات معها وبالتالي ينظر إليها حسب حجمها ولأن المؤشرات كلها تدل على أنه ليست هناك كتلة واحدة يمكن أن تقلب المعادلة فإن شخصية مثل الكاظمي لا تزال تمثل حلاً بالنسبة إلى كثيرين داخل العملية السياسية، وبالتالي فإن كل الخيارات تبقى مفتوحة لا سيما أن الرجل لديه طموح كبير في تصحيح أخطاء الماضي وهي كثيرة، والرغبة في البناء والإعمار وهو الهدف الأساس الذي بات يعوِّل عليه العراقيون بعد الانتخابات المقبلة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.