الصواريخ على إسرائيل أطلقها هواة وسقط معظمها داخل لبنان

TT

الصواريخ على إسرائيل أطلقها هواة وسقط معظمها داخل لبنان

يرى مراقبون أن اللافت مع تفاقم الأزمات في لبنان يكمن في استمرار الاستقرار الأمني في الجنوب الذي حافظ على هدوئه ولم يخرقه إطلاق الصواريخ ليل أول من أمس من مرتفعات كفرشوبا في العرقوب في جنوب لبنان بعد أن تبين أن خمسة صواريخ سقطت في بلدات جنوبية حدودية وآخر داخل إسرائيل، فيما عُثر على صاروخ سابع كان معدّاً للإطلاق.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أمنية أن مجموعات إسلامية متشددة تقف وراء إطلاق الصواريخ، وهي من نوع غراد عيار 122 ملم، وأنها اختارت مرتفعات كفرشوبا الواقعة في منطقة حدودية توجد فيها هذه المجموعات التي تصنّف في خانة التحالف مع حركة «حماس».
وبحسب المعلومات فإن من أطلق هذه الصواريخ أراد توجيه رسالة تضامنية مع الشعب الفلسطيني الذي يواصل انتفاضته ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن الرسالة لم تصل لأن الصواريخ سقطت في بلدات حدودية، ما يعني من وجهة نظر المصادر الأمنية أن من أطلقها هم مجموعة من «الهواة» يفتقدون إلى الخبرة في تجهيزها وإطلاقها مع أن فاعليتها محدودة، وإلا لماذا أبقوا على المنصات الخشبية التي استخدموها لإطلاق الصواريخ، إضافة إلى أن المكان الذي أُطلقت منه يقع على مرمى حجر من الأراضي المحتلة؟
وعلى الصعيد الحكومي يقول مصدر نيابي بارز إن أزمة تشكيل الحكومة تدخل الآن في «عطلة سياسية» مديدة في ظل استمرار انسداد الأفق أمام معاودة التواصل بين الرئيس المكلف سعد الحريري وبين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يسعى لتحميله مسؤولية التأخير الذي يعيق ولادتها في محاولة لتبرئة ذمّته من الاتهامات التي تحاصره وتبقي على كرة التعطيل في مرماه، مؤكداً أن اتصالات التأليف جامدة، ما يعني أن الأزمة إلى مزيد من التصعيد، إلا إذا حصلت معجزة ليست مرئية حتى الساعة يمكن أن تعيد الاتصالات.
ويؤكد المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» أن عون في محاولته الهروب إلى الأمام بادر إلى إعادة النظر في ترتيبه أولوياته بقوله خلال استقباله نائبة وزير الخارجية الإيطالية أنه يعطي الأولوية حالياً لتشكيل الحكومة على رغم العقبات التي تواجه هذه المسألة من الداخل والخارج بخلاف تركيزه في السابق على التدقيق الجنائي ومكافحة الفساد، داعياً حكومة تصريف الأعمال إلى تفعيل عملها بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد.
ويلفت إلى أن عون استبق استقباله نائبة وزير الخارجية الإيطالية بتحميله سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويؤكد أن مضامين الرسالة الرئاسية هي ملحق للمحادثات التي أجراها وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان خلال زيارته لبيروت والتي نأى فيها عن البحث في مسألة تشكيل الحكومة.
ويضيف المصدر نفسه أن رسالة عون إلى ماكرون احتوت على ما كان ينوي قوله للودريان في خصوص موقفه من تشكيل الحكومة على قاعدة التزامه بالمبادرة الفرنسية، مع أن ما أورده فيها من مواقف حيال الحريري تأتي بخلاف ما يضمره لجهة رهانه على شراء الوقت لدفعه إلى الاعتذار، وإلا لم يكن مضطراً لدى مكاشفته لسفير دولة فاعلة معنية بالوضع في لبنان للقول إن الرئيس المكلف يواجه صعوبة في تشكيل الحكومة من دون أن يدخل في التفاصيل لتدعيم وجهة نظره.
ويرى أن عون يعطي الأولوية لإنقاذ صهره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بعد أن أيقن أن هناك صعوبة تعيق تعويم «العهد القوي» الذي ينظر إليه خصومه على أنه منتهي الصلاحية بالمعنى السياسي للكلمة، ويسأل: لماذا يُحجم عون عن مصارحة اللبنانيين بالأسباب التي أدت إلى تجميد مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية؟
فالرئيس عون كان أعطى الضوء الأخضر - كما تقول مصادر دبلوماسية غربية - لاستئناف المفاوضات، وهذا ما شجّع وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل على الطلب من الوسيط الأميركي العودة إلى بيروت لتحديد الموعد النهائي لمعاودة المفاوضات لكنه سرعان ما اكتشف أن الجانب اللبناني أخلّ بتعهداته ما أدى إلى اقتصارها على جلسة يتيمة من دون تحديد موعد جديد لمعاودتها.
وتبين أن الفريق السياسي المحسوب على عون - باسيل كان مهّد الطريق أمام معاودة المفاوضات، وهذا ما أبلغه إلى هيل قبل أن تكتشف واشنطن - بحسب المصادر الدبلوماسية الغربية - بأن هذا الفريق كان يخطط للدخول في مقايضة بين استئناف المفاوضات في ضوء استبعاد تعديل المرسوم ليشمل الخط 29 من الحدود البحرية وبين رفع العقوبات الأميركية المفروضة على باسيل، مع أن هيل كان صارح من يعنيه الأمر بأن العقوبات ليست مدرجة على جدول أعمال لقاءاته في بيروت.
كما تبين أن هذا الفريق السياسي فوجئ بتجميد المفاوضات بعد أن استؤنفت لجلسة واحدة، ولم يأخذ على عاتقه تسليط الضوء على الأسباب الكامنة وراء تجميدها، على رغم أنها أشعلت العلاقة بين عون وواشنطن، فيما تعزو مصادر معارضة لـ«التيار الوطني» سبب تجميدها إلى ربطها بالمفاوضات الجارية في فيينا لتحسين شروط إيران فيها. وفي المقابل، فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يزال يتابع ملف تشكيل الحكومة من موقع الاختلاف مع عون، ويفضّل أن يتحرك بصمت من دون أن يبادر على الأقل في العلن إلى إعادة تشغيل محركاته، فيما يتردد في الوسط السياسي أن الحريري الموجود حالياً في أبوظبي يدرس فور عودته إلى بيروت إصدار موقف يتناول فيه آخر التطورات المتعلقة بتشكيل الحكومة وما يعتريها من عقبات ما زالت تعطّل تشكيلها.
وفي هذا السياق، فإن الحريري الذي تواصل أخيراً مع وزير الخارجية المصرية سامح شكري وواكب المشاورات التي جرت بين ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش انعقاد مؤتمر باريس للبحث في الأوضاع المالية للسودان سيضطر للخروج عن صمته لتطويق مفاعيل المواقف التي أعلنها عون لجهة تحميله مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، خصوصاً أن لا مصلحة له في أن يُخلي الساحة السياسية لخصومه وبات عليه أن يضع النقاط على الحروف لقطع الطريق على مساواته بعون في تعطيل تشكيلها، وبالتالي إشراكه في توزيع المسؤوليات المترتبة على ارتفاع منسوب الأزمات التي تضع لبنان على مقربة من الانفجار الاجتماعي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.