اتفاق شامل أم جزئي؟ جولة جديدة من خلافات «سد النهضة»

إثيوبيا لقصر التفاهم على «الملء الثاني»... ومصر متمسكة بتوافق موسع

TT

اتفاق شامل أم جزئي؟ جولة جديدة من خلافات «سد النهضة»

فيما بدا محاولة منها لتخفيف حدة التصعيد المتبادل، تحدثت إثيوبيا عن اقتصار التفاهم في قضية (سد النهضة) الذي تبنيه فوق النيل الأزرق، أبرز روافد نهر النيل، على «الملء الثاني» فقط، دونما الحديث عن «اتفاق شامل». لتشهد مفاوضات «السد» المتعثرة منذ سنوات، جولة خلافات جديدة بشأن «اتفاق شامل أم جزئي؟». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، أمس، إن «بلاده تسعى في الوقت الراهن للتوصل إلى اتفاق حول الملء الثاني لخزان (السد) من دون التطرق إلى القضايا الأخرى». وأضاف مفتي أن «ما ستقوم به إثيوبيا في الملء الثاني يقلل من مخاوف دول المصب في فترة الجفاف والجفاف المستمر». في حين تتمسك مصر والسودان بـ«اتفاق (قانوني ملزم شامل) ينظم قواعد تشغيل وملء السد، بما يمكنهما من تجاوز الأضرار المتوقعة، خاصة في أوقات الجفاف».
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد حسن لـ«الشرق الأوسط» أن «إثيوبيا يبدو من حديثها بشأن للتوصل إلى اتفاق حول (الملء الثاني) من دون التطرق إلى القضايا الأخرى، أنها تحاول أن تكسب مزيداً من الوقت، وتأخذنا في (سكة أخرى) وهي الملء الكلي أم الجزئي، وهو موضوع لم يكن موضع خلاف كبير بين الدول الثلاث»، موضحاً أن «إثيوبيا تحاول أن تقول للعالم إنها تقدم طرحاً جديداً للأزمة، وإنها متجاوبة، وتقدم مقترحات، حتى تتهرب من الاتفاق (القانوني الشامل والعادل والمُلزم) الذي تتمسك به مصر»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا ليس لديها (حُسن نية) في التوصل لأي اتفاق».
وجدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحذيراته من أن «القاهرة لن تتسامح مع أي تحركات من جانب أديس أبابا من شأنها خفض حصة مصر من مياه النيل بسبب (السد)». وأضاف السيسي قبل أيام أن «بلاده لن تقبل بما يضر بمصالحها المائية». فيما أكدت «الخارجية المصرية» أنه «يتعين أن تتم عملية ملء (السد) وفق اتفاق يراعي مصالح دولتي المصب ويحد من أضراره عليهما».
ووفق متحدث «الخارجية الإثيوبية» أمس، فإن «بلاده تريد التوقيع على الملء والتشغيل قبل بدء (الملء الثاني)»، موضحاً أن «أديس أبابا ستواصل التفاوض بشأن (السد) من خلال الاتحاد الأفريقي». وتعترض القاهرة والخرطوم على ما تصفه بـ«التصرفات الأحادية» لأديس أبابا، في إطار مساعيها لملء السد «دون اتفاق قانوني ملزم»، وفشلت محادثات استضافتها الكونغو الديمقراطية، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، الشهر الماضي، في التوصل لاتفاق.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إن «إثيوبيا تناست أن فترة الملء كانت ضمن الاقتراحات خلال مفاوضات واشنطن المطولة، وتمسكت مصر حينها أن تمتد فترة الملء إلى 7 سنوات حسب معدل الفيضان كل عام، في حين طالبت إثيوبيا بأن تكون تلك الفترة من 3 إلى 5 سنوات، ورغم ذلك لم توقع أديس أبابا على اتفاق واشنطن»، لافتاً إلى أن «سنوات الملء كان اقتراحا مبدئيا قبل ملء (السد)؛ لكن إثيوبيا تعرضه الآن بعد الملء الأول والإعلان عن موعد الملء الثاني». وبحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فإن «مصر تطالب باتفاق (ملزم) يشمل النص على قواعد أمان السد، وملئه في أوقات الجفاف، والجفاف الممتد، ونظام التشغيل، وأن تكون هناك آلية دولية لفض النزاعات».
ويشار إلى أنه سبق أن اتفقت مصر والسودان وإثيوبيا، في نهاية يناير (كانون الثاني) عام 2020 في بيان مشترك «على مراحل ملء خزان السد وآليات التخفيف، وضبط الملء والتشغيل أثناء فترات الجفاف».
وتدعو مصر والسودان إلى إشراك وسطاء دوليين في المفاوضات، فيما ترفض إثيوبيا ذلك التوجه. وأكد نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، محمد إبراهيم، أمس، أن «الولايات المتحدة ما زالت حريصة على توفير المجال أمام الإدارة الجديدة للتحرك بشكل فعال، من أجل التوصل لحل (مُرض وملزم) لجميع الأطراف بشأن ملء وتشغيل (السد)». وذكر إبراهيم بحسب وكالة أنباء «الشرق الأوسط» الرسمية أمس، أن «الاجتماع الذي عقد في واشنطن منتصف يناير 2020 بحضور ممثلي الدول الثلاث (وزراء الخارجية والري) وبمشاركة وزير الخزانة الأميركي وممثلي البنك الدولي، توصل إلى بيان من أهم بنوده (أن عملية الملء سوف تتم على مراحل تأخذ في اعتبارها كميات الفيضان المتغيرة من سنة لأخرى، والتزام إثيوبيا بالتعامل الإيجابي مع سنوات الجفاف والجفاف الممتد مع ربط سنوات الملء بطبيعة الجفاف)».
في غضون ذلك، بدأ رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، أمس، زيارة للقاهرة، لإجراء مباحثات مع نظيره المصري، في إطار مساعي الاتحاد الأفريقي لإيجاد حل لأزمة «السد». والتقى تشيسيكيدي، وزير الخارجية المصري سامح شكري مؤخراً في كينشاسا، في إطار جولة أفريقية قام بها شكري في عدد من الدول الأعضاء في هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي. وخلال الزيارة، سلم شكري رسائل من السيسي لقادة الدول الـ7 حول تطورات ملف «السد»، طالبت بـ«اتفاق (قانوني) حول ملء وتشغيل (السد)، بما يحفظ حقوق الدول الثلاث، ويعزز الأمن والسلم الإقليمي».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.