أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية خارج جدول أعمال لودريان

الوزير لودريان في زيارة لإحدى المدارس الفرنسية في بيروت أمس (تويتر)
الوزير لودريان في زيارة لإحدى المدارس الفرنسية في بيروت أمس (تويتر)
TT

أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية خارج جدول أعمال لودريان

الوزير لودريان في زيارة لإحدى المدارس الفرنسية في بيروت أمس (تويتر)
الوزير لودريان في زيارة لإحدى المدارس الفرنسية في بيروت أمس (تويتر)

فاجأ وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الوسط السياسي اللبناني بتجاهله كلياً لأزمة تشكيل الحكومة، والقفز فوقها، بخلاف رهان القيادات اللبنانية التي التقاها في لقاءات بروتوكولية على أهمية زيارته لبيروت، التي يُفترض أن تدفع باتجاه إخراجها من التأزُّم الذي لا يزال يحاصرها بسبب استمرار تبادل الشروط التي تؤخر ولادتها.
فالوزير لودريان أغفل أي حديث عن أزمة تشكيل الحكومة، معتبراً، كما نُقل عنه لـ«الشرق الأوسط»، أنها ليست مدرجة على جدول أعماله الذي يقع في بند وحيد يتعلق بتجديد تضامن فرنسا مع الشعب اللبناني ووقوفها إلى جانبه، واستعدادها لتقديم المزيد من المساعدات في مواجهته لمشكلاته الاجتماعية والاقتصادية، والوقوف على ما يحتاج إليه لتحسين ظروفه المعيشية، وهذا ما بحثه مطوّلاً في لقاءاته التي عقدها مع هيئات المجتمع المدني والجمعيات المولجة برعاية المحتاجين، بعد أن تجاوز عددهم أكثر من نصف الشعب اللبناني.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة للقاءات لودريان أن تغريدته عبر «تويتر» التي سبقت وصوله بساعات شكّلت الإطار العام للقاءاته سواء لجهة تضامن فرنسا مع اللبنانيين في مجال التعليم والطبابة والآثار أو لجهة رسالته شديدة اللهجة الموجّهة إلى المسؤولين اللبنانيين، التي تنمّ عن أن باريس وضعت التدابير والإجراءات التي تستهدف معرقلي تشكيل الحكومة أو من يثبت ضلوعهم في الفساد على نار حامية، ويُفترض أن تصبح مفاعيلها سارية في أي لحظة.
وكشفت المصادر أن لودريان شدد في معرض حديثه عن الإجراءات على أن باريس لن تبادر إلى اتخاذها منفردة، وإنما بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا، وقالت إن البيان الإعلامي الذي صدر عن رئاسة الجمهورية لا يعكس إلى حد كبير الأمور التي نوقشت بين لودريان وعون، بمقدار ما يتعلق بما قاله الأخير في اللقاء.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن لودريان لم يكن مضطراً للمجيء إلى بيروت ليتولى من منابرها نعي المبادرة الفرنسية، وكان في وسعه أن ينعيها من باريس، لكنه أصر على المجيء للبنان لتحميل الطبقة السياسية مسؤولية التفلُّت من التعهدات التي قطعها جميع الذين التقاهم الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر، في زيارته الثانية لبيروت بعد مرور شهر ونيف على انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) 2020 بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة مهمة خلال أسابيع.
وأكدت أن لودريان جزم في لقاءاته بأن المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، وحمّل الطبقة السياسية مسؤولية التفلُّت من التزاماتها، ما أوقع لبنان في انهيار شامل. وقالت إنه تجنّب التدخل في كل ما يتعلق بتأخير تشكيل الحكومة، معتبراً أن تأخيرها ناجم عن مشكلة داخلية، وهي ضحية التجاذبات القائمة بين أطراف المنظومة السياسية، مع أن باريس بذلت كل جهد لمساعدة هذه القوى لتجاوز خلافاتها، لكن عبثاً تحاول، وبالتالي يتحملون مسؤولية الأزمة الحاصلة في البلد لتخلفهم عن الالتزام بتعهداتهم للانتقال بلبنان من التأزُّم إلى الانفراج بمساعدة المجتمع الدولي شرط التزام الحكومة ببرنامج إصلاحي واضح يفتح الباب أمام طلب المساعدة المالية والاقتصادية من المجتمع الدولي.
وسأل لودريان - بحسب المصادر - كيف تطلبون منا مساعدة لبنان ونحن بادرنا إلى مساعدته، لكن ما يعيق إنقاذه يكمن في أن الطبقة السياسية ما زالت تمعن في تبادل رمي المسؤولية على هذا الفريق أو ذاك بدلاً من أن تبادر إلى مساعدة لبنان ليقوم المجتمع الدولي بمساعدته؟
وأكد لودريان، بحسب ما نُقل عنه في لقاءاته مع ممثلي المجتمع المدني في قصر الصنوبر، أن فرنسا لن تترك لبنان، وأن فريقاً فرنسياً يقيم حالياً في بيروت يتواصل مع هيئات المجتمع المدني للوقوف على احتياجات اللبنانيين تمهيداً لتأمينها، وقال إن فرنسا ملتزمة كما أعلن سابقاً الرئيس ماكرون بالمطالب التي رفعها الحراك المدني في انتفاضته الشعبية في 17 تشرين الأول أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وتدعو بإلحاح للاستجابة لمطالبهم وتطلعاتهم بتحقيق الإصلاح السياسي والإداري ومكافحة الهدر وسوء استخدام المال العام.
لذلك فإن حضور لودريان إلى بيروت لم يكن على وجه السرعة، إلا لتوجيه رسائل «نارية» للطبقة السياسية بأن التدابير والإجراءات التي سبق له وأعلن عنها ليست بهدف التهويل، وإنما سترى النور في وقت قريب من جهة، وأن مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة تقع على عاتقها بعد أن أقفل من يلتحق بهذه الطبقة الأبواب أمام الجهود الفرنسية لإزالة العقبات التي تعيق تشكيلها مع أنها تبقى ثانوية ولا مبرر لها، ما دام لبنان يتدحرج بسرعة نحو السقوط النهائي.
لكن الرسالة الأهم تبقى في احتضان فرنسا للجمعيات والمؤسسات المنتمية إلى المجتمع المدني، في محاولة لتزويدها بلقاح سياسي يمكّنها من مواصلة انتفاضاتها ضد المنظومة الحاكمة، خصوصاً أن من التقاهم لودريان لم يجدوا الوقت الكافي، أو معظمهم على الأقل، للدفاع عن أنفسهم أمام تحميلهم مسؤولية التمادي في قطع الهواء عن لبنان ليستعيد دوره المتوسطي.
وباختصار، فإن لودريان حضر إلى بيروت ليعيد «كرة النار» إلى حضن المنظومة الحاكمة؛ فهل تبادر إلى إطفاء ناره ومحاصرته قبل أن تأتي على آخر ما تبقى من معالم الدولة؟



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.