«نيران المخيم» تحل لغز الشمس الفيزيائي

التوهجات الشمسية الصغيرة التى يطلق عليها «نيران المخيم» (أ.ف.ب)
التوهجات الشمسية الصغيرة التى يطلق عليها «نيران المخيم» (أ.ف.ب)
TT

«نيران المخيم» تحل لغز الشمس الفيزيائي

التوهجات الشمسية الصغيرة التى يطلق عليها «نيران المخيم» (أ.ف.ب)
التوهجات الشمسية الصغيرة التى يطلق عليها «نيران المخيم» (أ.ف.ب)

قد تكون مجموعة مصادر سبب حرارة هالة الشمس التي تتجاوز حرارة سطحها بأشواط وتشكل لغزاً فيزيائياً يحيّر العلماء ويحاول المسبار «سولار أوروبيتر» فك رموزه، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأقرّ عالم الفلك فريدريك أوشير من معهد الفيزياء الفلكية الفضائية الفرنسي بأن «لا تفسير متماسكاً لهذه الظاهرة إلى الآن».
ونشأ هذا اللغز قبل أكثر من 70 عاماً، عندما أدرك العلماء أن حرارة الهالة الشمسية - أي الغلاف الجوي للشمس، الذي يُسخِّن قرصُه الأبيض كوكب الأرض - تتجاوز المليون درجة مئوية، في حين يقتصر الحد الأقصى لدرجة حرارة سطح الشمس على نحو 5500 درجة.
وقال أوشير الذي شارك في إعداد دراستين عن الموضوع ستنشران في مجلة «أسترونومي أند أستروفيزيكس» العلمية: «عندما نبتعد عن الهالة، تنخفض درجة الحرارة قليلاً، مثل جهاز التدفئة الذي يسخن بدرجة أقل عندما نبتعد عنه، ولكن درجة الحرارة هذه تعود إلى الارتفاع بشكل كبير بسرعة فائقة».
وهنا يكمن دور المسبار «سولار أوروبيتر» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية و«ناسا»، الذي التقط العام الماضي صوره الأولى للشمس خلال عملية رصد لخمس دقائق كانت تهدف ببساطة إلى التحقق من الأداء السليم لأدواته.
والتقط المسبار هذه الصورة من بُعد نحو 77 مليون كيلومتر من الشمس، أي من منتصف المسافة بين الأرض ونجمها، وكشفت ظاهرة جديدة هي عبارة عن توهجات شمسية صغيرة، منتشرة في كل مكان على السطح، أُطلِقَ عليها اسم «نيران المخيم».
وتمكن فريق من العلماء الأوروبيين والأميركيين والروس مذّاك من الحصول على البيانات المُعايرة، أي «النظيفة»، المأخوذة بواسطة أداة المسبار التي تلتقط الصور بواسطة الأشعة فوق البنفسجية الشديدة.
وشرح أوشير أن هذه الأداة أتاحت للباحثين «رؤية هياكل دقيقة جداً في الغلاف الجوي للشمس» تبيّن لهم أنها «نسخ مصغّرة لظواهر أكبر معروفة أصلاً».
ويستطيع المسبار رصد تفاصيل يتراوح حجمها ما بين 400 و4000 كيلومتر (وهي صغيرة قياساً إلى الشمس)، وتنبثق هذه التوهجات على ارتفاع يراوح بين ألف وخمسة آلاف كيلومتر فوق سطح الشمس - الغلاف الضوئي. وهي سريعة الزوال، تظهر لفترات قصيرة جداً، تتراوح بين عشر ثوان و200 ثانية، لكنها تصل في هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً إلى درجة حرارة «إكليلية» تزيد عن مليون درجة مئوية.
واستنتج العلماء أن «الغلاف الجوي يسخن بفعل هذا العدد الهائل من الومضات الصغيرة التي تحصل في كل مكان»، على ما أفاد أوشير الذي أجرى دراسته بالتعاون مع ديفيد بيرغمانز من المرصد الملكي البلجيكي وديفيد لونغ من مختبر «مالرد» لعلوم الفضاء في بريطانيا.
وفي دراسة ثانية، تولى العالم الصيني ياجي تشين والبروفسور هاردي بيتر من معهد ماكس بلانك الألماني وضع نموذج لهذه الظاهرة باستخدام نتائج الرصد الذي أجراه «سولار أوروبيتر»، وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مماثلة مفادها أن «هذه العملية تساهم بشكل كبير في تسخين الهالة».
لكن جميع الباحثين يقرّون بضرورة انتظار المزيد من عمليات الرصد التفصيلية لتأكيد سيناريو قد لا يكون منطقياً للوهلة الأولى، إذ هو أشبه «بمحاولة تسخين الغلاف الجوي لهذا النجم الكبير بواسطة أعواد كبريت»، وفق التشبيه الذي استخدمه أوشير لتلخيص المسألة، علماً بأن هذا الغلاف الجوي موجود على ارتفاع ملايين الكيلومترات عن سطح الأرض.
وأضاف: «نسعى إلى معرفة ما إذا كان ثمة ما يكفي من هذه الانفجارات الصغيرة وما إذا كانت تحمل طاقة كافية لرفع درجة حرارة الهالة إلى ما هي عليه» لكنّ الأمر يتطلب بعض الصبر، إذ أن «سولار أوروبيتر» لن تستخدم كل إمكاناتها التقنية قبل الخريف، عندما يصبح ممكناً تشغيل كل أجهزتها.
ومن المتوقع أن يتيح مطياف «سبايس» الذي يتولى فريديريك أوشير إدارته علمياً إجراء قياسات دقيقة لدرجة حرارة الغلاف الجوي الشمسي وكثافته، وبالتالي لـ«نيران المخيم».
أما مقياس الاستقطاب «بي إتش آي» فسيرسم «خرائط» سريعة الزوال للمجالات المغناطيسية التي لا حصر لها التي تعبر السطح ويُرجَّخ أن يكون تفاعلها القوة الدافعة وراء «نيران المخيم»، وتقع هذه التفاعلات في قلب التوهجات الشمسية الأكبر حجماً.
وينبغي الانتظار حتى فبراير (شباط) - مارس (آذار) المقبل، حين يتقدم المسبار إلى مسافة أقرب إلى الشمس مرتين مما كان خلال مروره الأول، بما يوفّر له رؤية أكثر وضوحاً، ورصد تفاصيل أصغر، ابتداء من حجم يبلغ 200 كيلومتر فقط مقابل 400 اليوم، وقد يتمكن عندها من اكتشاف نيران أصغر، وربما أكثر.


مقالات ذات صلة

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

يوميات الشرق يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد جناح «مجموعة نيو للفضاء» في معرض «جيتكس» (إكس) play-circle 01:45

رئيس «الخدمات الجيومكانية» في «نيو للفضاء»: سنطلق تطبيقاً للخرائط الرقمية

تمضي السعودية نحو مساعيها في التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات جديدة ومستقبلية، يبرز من ضمنها قطاع الفضاء بوصفه أحد القطاعات التي يتسارع فيها التقدم.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

آل الشيخ يتوج بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً»

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يتوج بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً»

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)

ملصق يحمل صورة تركي آل الشيخ بمناسبة فوزه

تُوّجَ تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير» خلالَ حفل جوائز «MENA Effie Awards»، ضمن فعاليات «موسم الرياض»، تقديراً لإسهاماته البارزة في دعم وتطوير قطاع الترفيه في المملكة.

وتعدُّ الجائزةُ من أبرز الجوائز في مجال تقييم التأثير والإنجازات الإبداعية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تسلط الضوء على الشخصيات التي قدمت مساهمات استثنائية وذات تأثير عميق خلال العقد الأخير. ويُعد فوز آل الشيخ بالجائزة تأكيداً لمكانته بوصفه من أبرز القيادات المؤثرة عالمياً في قطاع الترفيه.