«علي الزيبق» و«روبن هود» بطلان في قفص «الخروج على القانون»

أميرة مروان تكشف عن المشترك الإنساني بينهما في كتاب جديد

«علي الزيبق» و«روبن هود» بطلان في قفص «الخروج على القانون»
TT

«علي الزيبق» و«روبن هود» بطلان في قفص «الخروج على القانون»

«علي الزيبق» و«روبن هود» بطلان في قفص «الخروج على القانون»

يكشف كتاب «مغامرات الشطار بين الثقافة العربية والإنجليزية» للباحثة أميرة مروان، المشترك الإنساني بين «علي الزيبق» الذي عاش في العصر العباسي ما بين بغداد والقاهرة، و«روبن هود» الذي عاش في بريطانيا بعد ذلك بعدة قرون. ويرصد الكتاب هالتهما الأسطورية، والعلائق التي جمعت بينهما، ونظرتهما للحياة بعين الخارج على القانون، حتى أصبحا على مر الزمان بطلين شعبيين ملهمين للشعراء وصناع السينما والدراما.
تشتغل الباحثة على هذه المفارقة في كتابها الذي يقع في 348 صفحة من القطع الكبير، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عبر دراسة تطبيقية تتناول قصص وحكايات وبطولات هذين النموذجين بوصفها إبداعاً فنياً شعبياً من تأليف العامّة واختراعهم.

نموذج «علي الزيبق»

جاءت أول إشارة لـ«علي الزيبق» في نهاية الليلة الثامنة بعد السبعمائة من ألف ليلة بعنوان «حكاية علي الزيبق المصري مع السقاء»، وهي الحكاية الوحيدة التي دارت أحداثها في مصر، وفيها يلتقي «الزيبق» مع السقاء الذي يحمل له رسالة سفره إلى بغداد ويعطيه عشرة دنانير بشارة. يتوجه «الزيبق» ليخبر صبيانه ويستعد للسفر إلى بغداد، وفي أثناء سفره يتعرض لمغامرتين تبرزان شجاعته؛ إحداهما قتله السبع البرّي الذي كان يعترض القوافل، والأخرى قتله قاطع طريق وأتباعه باستخدامه حيلة من حيله. وبعد أن ينتهي من رحلته ويصل إلى بغداد يعيش عدداً من المواقف الصعبة والمغامرات الشيقة تجتمع فيها شخصيات فرعية مثل «دليلة المحتالة» و «عِذرا اليهودي»، حيث تنتهي القصة بتخصيص الخليفة قاعة لـ«الزيبق» تَسَع أربعين صبياً من صبيانه، وزواجه بأربع بنات كاملات الحسن والجمال. ويختم الراوي في «ألف ليلة» القصةَ خاتمةً مؤثرة بقوله: «ثم بعد ذلك اتفق أن عليا المصري سهر عند الخليفة ليلة من الليالي فقال له الخليفة: مرادي يا علي أن تحكي لي جميع ما جرى لك من الأول إلى الآخر، فحكي له جميع ما جرى له من دليلة المحتالة وزينب النصابة وزريق السماك، فأمر الخليفة بكتابة ذلك وأن يجعلوه في خزانة الملك، فكتبوا جميع ما وقع له وجعلوه من جُملة السير لأمة خير البشر ثم قعدوا في أرغد عيش وأهناه إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات».
انعقدت البطولة النسائية في تلك القصة لشخصية «دليلة المحتالة»، تلك الشخصية التي ذاع صيتها في عالم الشطار والعيارين في التراث العربي بما عُرف عنها من خداع ومكر، وقد وصفها القاصّ في «الليالي» بأنها صاحبة حيل وخداع وكانت تتحايل على الثعبان حتى تُخرجه من وكره وكان إبليس يتعلم منها المكر.
ويعد التنكر من أهم الفنون التي يتقنها أهل هذه الفئة لإتمام حيلهم وألاعيبهم. وقد أبرز لنا القاص في هذه القصة مدى تمرس هؤلاء الشطار بهذا الفن والاستعانة به في إتمام حيلهم وخديعة الآخرين لتحقيق ما يصبون إليه متنكرين في صور شتى من صور النماذج البشرية التي يموج بها المجتمع العباسي آنذاك.
وتوضح الكاتبة أن القصّ في حكاية «علي الزيبق» يتميز فنياً بمحاولة الراوي نقل المسموع إلى مرئي وذلك بتغليب الأفعال المصوِّرة على الأفعال الحاكية، فبدلاً من أن يصف حضور شخص بقوله: «حضر فلان»، يقول: «رأيت فلاناً حاضراً»، ثم يتبع ذلك بالمواصفات التي تجسِّد هذا الحضور، وهو ما يزيد ارتباط السرد بالمتلقي وإثارة دهشته وإشباع توقعه.

نموذج «روبن هود»

تنتقل الباحثة في النصف الثاني من الكتاب إلى نموذج «روبن هود» من خلال الرجوع إلى عدد من الروايات المستلهَمة لهذا النموذج، مثل رواية «المغامرات المرحة لروبن هود ذائع الصيت» للكاتب الأميركي هاورد بايل الذي قدم الكثير من القصائد والحكايات الخيالية لمطبوعات نيوريوك منذ عام 1876. وقد تخير الباحث رواية هاورد دون غيرها من روايات القرن التاسع عشر التي استلهمت الشخصية لما حققه العمل من نجاح كبير ساعد في ازدياد شعبية «روبن هود» بين جميع الفئات، إذ نجح بايل في نقل الشخصية من عالم المذنبين إلى عالم البطولة الشعبية والمثل والقدوة التي تسهم في التأثير إيجابياً على النشء.
ويحمل الفصل الأول من الرواية عنوان «روبن هود والسمكري»، وتدور أحداثه حول رغبة شريف نوتنغهام في القبض على «روبن هود» لسببين أحدهما أخذ المكافأة التي خُصصت للقبض عليه، والآخر أن القتيل الذي قتله «روبن» كان أحد أقاربه ولكنه لم يجد من يعاونه في الأمر فأرسل رسولاً إلى مدينة لينكولن يبحث عن رجل جريء يعاونه في التفتيش عن «روبن هود».
الفصل الثاني تبدأ أحداثه بذهاب شريف نوتنغهام إلى مدينة لندن حيث الملك هنري الثاني ليُطلعه على أمر «روبن». وبسبب الأخبار المتداولة يعنّفه الملك مطالباً إياه بالقبض على هذا اللص ليعود شريف نوتنغهام، مفكراً بخطة للقبض على «روبن هود»، وهي مباراة الرماية، لما يعلمه من شغف «روبن» وبراعته في هذا الفن، فيرسل مَن يجوب الأسواق ليعلن عن تلك المباراة وجائزتها السهم الذهبي، وتصل أنباء المباراة وخداع الشريف إلى «روبن هود» ورجاله فيقرر الذهاب إلى تلك المباراة وجماعته متنكرين، وينجح في الفوز بالجائزة وإفساد حيلة الشريف دون أن يفصح عن شخصيته. وتدور أحداث الفصل الثالث حول قبض رجال شريف نوتنغهام على أحد رجال «روبن» الذي أرسله لاستطلاع أخبار وأفعال الشريف، وما إن يصل خبر القبض عليه إلى «روبن» حتى يهمّ مستعداً ورجاله لإنقاذه.
ولما كانت الأزياء من حيل التنكر، فإن الراوي قدم بوضوح أزياء بطله مثل الملابس ذات اللون الزيتي أو أزيائه المؤقتة التي استهدفت التنكر في ملابس جزار أو إسكافي أو عازف قيثارة أو خادم بلدي أو متسول.
وقد وضع كل من «علي الزيبق» و«روبن هود»، بوصفهما نموذجين للخارجين على القانون لهم قوانين خاصة لتلك الحياة التي يعيشونها تعكس أفكارهم، والتي تنصبّ على أنهم يساعدون الفقراء والمظلومين من عامة الشعب ويعيدون إليهم أموالهم التي سُلبت منهم دون وجه حق، كما أقسموا أنهم لن يتعرضوا بأذى لطفل أو امرأة سواء كانت جارية أو زوجة أو أرملة.

قيم مشتركة

اختلف نموذجا «علي الزيبق» و«روبن هود» في الحقب الزمنية إلا أنهما اتفقا في التحول من نموذج المذنبين الخارجين على القانون واللصوص المحتالين إلى أبطال شعبيين وثوار اجتماعيين وسياسيين يصححون الأوضاع الخاطئة ويحققون العدالة بمفهومهم. أيضاً نجد كلاً منهما ذا نزعة دينية ووطنية يناصر الحاكم الشرعي ويتصدى لمنافقي السلطة من الموظفين والحاشية التي تبحث فقط عن مصالحها الشخصية.
هناك أيضاً ما يتصل بروح الفروسية وشعاراتها من شجاعة وكرم ونُبل أخلاق ووفاء بالعهود وتحمل المسؤولية، فـ«علي الزيبق» في ذلك مثله مثل بقية أبطال السير والأساطير الشعبية: جريء القلب، ذكي الفؤاد، مقدام لا يخشى الخطر والمغامرة... وكذلك «روبن هود» شجاع دائم الإقدام على المغامرة والتصدي لأعدائه، واثق الخطى في مثل قوله: «توقف واجعل الرجل الأفضل يعبر أولاً».
ويتوافق البطلان فيما تضمنته شجاعتهما من شعارات الفروسية الأخرى كالكرم والشهامة والأخلاق النبيلة والوفاء بالعهود التي عكستها مواقفهما، إذ لم يتوانَ «الزيبق» عن مد العون والمساعدة للفتاة التي تأذّت بسبب فارس باطش في شوارع القاهرة، كما تدفعه شهامته إلى مساعدة المقدم الشامي ومعاونته على حمل حمولته وهو في طريق رحلته إلى بغداد. وبالمثل وبدافع الشهامة، ينقذ «روبن هود» البحارة وسفينة المرأة الأرملة من غارة القراصنة الفرنسيين ويقْدم على مساعدة الأرملة العجوز مخلّصاً أبناءها من حبل المشنقة. وبعد، يتضمن الكتاب جهداً كبيراً في تجميع المادة وتوثيقها فضلاً عن موضوعه الشيق المثير، لكن يعيبه اللغة الأكاديمية الجافة والتقسيمات الكثيرة المرهقة والخوض في تفاصيل لا تهم سوى المتخصصين. ويبدو أن المادة التي قدمتها الباحثة تم نشرها كما هي في الفضاء الأكاديمي الجامعي كدراسة علمية دون بذل جهد في تحريرها من جديد في هذا الكتاب لتناسب القارئ العام غير المتخصص.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».