النيجر... بين مطرقة الإرهاب وسندان الفقر

النيجر... بين مطرقة الإرهاب وسندان الفقر
TT

النيجر... بين مطرقة الإرهاب وسندان الفقر

النيجر... بين مطرقة الإرهاب وسندان الفقر

يشكل تولي الرئيس النيجري الجديد محمد بازوم الحكم مثل صورة مُبهرة للديمقراطية، لكنه منصب محفوف بالمخاطر؛ لأن الرئيس الجديد يواجه تحدياً هائلاً يتمثل في تهديدات الجماعات المسلحة الموالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، والتي تنشط في الجزء الغربي من النيجر على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، ناهيك من خطر جماعة «بوكو حرام» النيجيرية في شرق البلاد.
ومما يستحق الإشارة، أنه سُجل تزايد في الهجمات على المدنيين منذ بداية العام في النيجر حيث قُتل أكثر من 300 شخص في ثلاث موجات من الهجمات على قرى ومخيمات في غرب النيجر على الحدود مع مالي. ولقد وقع أحدث هذه الهجمات الواسعة في 21 مارس (آذار) الماضي في منطقة تاهوا وأسفرت عن مقتل 141 في ثلاث قرى للطوارق ومعسكرات مجاورة.
الرئيس بازوم قال صراحة بعد أدائه اليمين الدستورية، بأن النيجر «تواجه وجود مجموعات إرهابية تجاوزت همجيتها كل الحدود» وتقوم «بارتكاب مجازر بحق المدنيين الأبرياء على نطاق واسع وترتكب أحيانا جرائم حرب حقيقية». ورأى أن قادة هذه المجموعات الإرهابية «يخضعون لسيطرة دول أخرى»، مشيراً إلى أن أياً من قادة هؤلاء «لم يتقدم بشكاوى ضد دولتنا أو يتقدم بمطالب».
وحول تنظيم «داعش»، الناشط بصورة متزايدة في غير منطقة من مناطق الصحراء الكبرى والساحل، قال بازوم، إن قادة التنظيم «من مواطني المغرب العربي» وله قواعد «في الأراضي المالية في منطقتي ميناكا وغاو». ومن ثم رأى بازوم، أن مكافحته «ستكون صعبة جداً ما لم تمارس الدولة المالية كامل سيادتها على هذه المناطق». وأردف شارحاً، أن «الوضع الحالي في مالي له تأثير مباشر على الأمن الداخلي لبلدنا... وهذا هو السبب الأبرز في أن أجندتنا الدبلوماسية ستتركز على مالي».
في هذا السياق، لا بد من التوضيح أن تاريخ النيجر – التي تحتل جزءاً كبيراً من منطقة الساحل والصحراء – عرفت هجمات عنيفة أسفرت عن سقوط العديد من القتلى، بما في ذلك ضحايا الانقلابات العسكرية. ومنذ استقلال هذه المستعمرة الفرنسية السابقة في 1960، وقعت أربعة انقلابات: الأول في أبريل (نيسان) 1974 ضد الرئيس هاماني ديوري، والأخير في فبراير (شباط) 2010 وأطاح الرئيس ممادو تانجا، إلى جانب العديد من المحاولات الانقلابية. ولقد استبعد بازوم في مقابلة مع تلفزيون «فرانس24» أخيراً إمكانية إجراء أي حوار مع المسلحين، مؤكداً أن الوضع في بلاده يختلف عن الوضع في مالي. وتابع «لا يمكننا تصور أي حوار من أي نوع لأنه لا يوجد زعيم مسلح نيجري واحد ولا قاعدة واحدة على أراضينا».
- الدولة الأفقر في العالم
بما يخص التركيبة السكانية، ينتمي أكثر من نصف سكان النيجر (55.4 في المائة) إلى قبائل الهوسا، إحدى أكبر قبائل أفريقيا، وهي تتركز بكثافة في نيجيريا والنيجر. أما أبرز المكوّنات العرقية واللغوية الأخرى في البلاد فتضم القبائل البدوية الرحالة أو شبه البدوية، وعلى رأسها الصنغاي/الجيرما والطوارق والفولاني والكانوري والتبو والعرب. وتعد اللغة الفرنسية لغة رسمية، بينما تشمل قائمة «اللغات الوطنية» كلاً من: الهوساوية، والصنغاوية (الجيرمية)، والفولفولدي (الفولانية/الفلاتة)، والطوارقية الكانورية، والتبو، والعربية، والتاماشيغية، والتاساواقية.
جغرافياً، تحد النيجر من الشرق تشاد، ومن الجنوب نيجيريا وبنين (الداهومي سابقاً)، ومن الغرب بوركينا فاسو (أعالي الفولتا سابقاً) ومالي، ومن الشمال الغربي الجزائر، ومن الشمال ليبيا. وعلى الصعيد الديني، يدين أكثر من 98 في المائة من إجمالي سكان النيجر بالإسلام، إلى جانب وجود تجمعات صغيرة تمارس المعتقدات الوثنية، وتجمّعات أخرى يدين أهلها بالمسيحية التي ساعد على انتشارها العديد من البعثات التنصيرية التي قدمت للبلاد إبان الاحتلال الفرنسي، بالإضافة إلى المغتربين الآتين من أوروبا وغرب أفريقيا.
وتكتسب النيجر، «الدولة الحبيسة» – بمعنى أنه ليس لها أي منفذ بحري – اسمها من نهر النيجر الذي يمر في غربها وتقع على ضفتيه عاصمتها نيامي.
فضلاً عن ذلك، تبلغ المساحة الإجمالية للنيجر نحو 1.27 مليون كيلومتر مربع؛ ما يجعلها أكبر دول غرب أفريقيا من حيث المساحة.
ولكن، مع ذلك تصنّف «قائمة الأمم المتحدة الإنمائية»، التي تضم 189 دولة، النيجر كأفقر دولة في العالم، وهذا الفقر يفاقم صعوبة تمكنها من القضاء على الحركات المتطرفة المسلحة التي تهاجمها انطلاقاً من مالي في الغرب ونيجيريا في الجنُوب الشرقي.
في المقابل، تشتهر النيجر بتصدير اليورانيوم، الذي يغطي إنتاجها منه نحو 35 في المائة من الاحتياجات العالمية، ويسهم في إنتاج ما يقارب 75 في المائة من الطاقة الكهربائية؛ ما يجعلها دولة موارد طاقة مهمة، لكنها غير مستغلة بالشكل الأمثل.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،