الجزائر: فشل مسعى كسر المقاطعة في منطقة القبائل

بعد رفض أقدم أحزاب المعارضة المشاركة في «التشريعيات»

TT

الجزائر: فشل مسعى كسر المقاطعة في منطقة القبائل

أخفق مسعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإشراك «جبهة القوى الاشتراكية»، أقدم حزب معارض، في الانتخابات التشريعية المقررة في 12 يونيو (حزيران) المقبل، بهدف كسر مقاطعة الاستحقاقات في منطقة القبائل، التي يعتبر الحزب ممثلها الأبرز. وبذلك ستقتصر المشاركة في المنافسة على الإسلاميين وكتل محسوبة على النظام.
وحسمت «القوى الاشتراكية»، ليل السبت، موقفها من الانتخابات بعد حالة استقطاب حادة بداخلها خلال اجتماع ماراثوني لـ«مجلسها الوطني»، دام يومين. وأصدرت «لائحة سياسية» وضّحت فيها أسباب التغيب عن الانتخابات المبكرة التي دعا إليها تبون بعدما حل «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى) مطلع فبراير (شباط) الماضي.
وجاء في اللائحة أن «شروط إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة لم تتحقق، وهي بذلك لا تشكل حلاً للأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد». واعتبرت أن الجزائر تواجه «ظرفاً مثيراً للقلق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، زيادة على المخاطر التي تهدد استقرارها وأمنها والظروف الدولية المحيطة بها»، في إشارة إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة في ليبيا ومالي، والتوتر الحاد مع المغرب.
ودعت الوثيقة التي سُلمت للإعلام إلى «تجسيد المطالب الشعبية من أجل التغيير الديمقراطي للنظام»، منددة بـ«الخطاب الرسمي المشيطن للأحزاب السياسية والتضييق على العمل السياسي باستمرار». وعدّ الحزب «تكميم وسائل الإعلام وغلق فضاءات التعبير الحر، واستمرار اعتقال نشطاء الحراك» من الأسباب التي «لا تشجع على المشاركة» في الانتخابات.
وفي نظر غالبية أعضاء «المجلس الوطني» لـ«القوى الاشتراكية»، تعتبر التشريعيات المقبلة بمثابة «طوق نجاة لنظام يرفض التغيير» على أساس أن إطلاق برلمان جديد «يدخل ضمن مسعى مزيف لتجديد مؤسسات الدولة».
ودعا السلطة إلى «اتخاذ التدابير التي تمكّن الشعب الجزائري من الممارسة الحرة لحقّه في تقرير مصيره»، وهي ثلاثة حسب الحزب؛ «احترام الحريات الأساسية، وفتح وسائل الإعلام لكل الفاعلين السياسيين والناشطين بالمجتمع المدني، وإطلاق حوار من دون إقصاء». كما شددت على «وضع برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي توافقي، مع تحديد أجندة زمنية له وآلية لمراقبة تنفيذه، ثم تنظيم انتخابات نظيفة ونزيهة وشفافة».
وأكد الحزب، الذي أسسه رجل الثورة الراحل حسين آيت أحمد عام 1963، أن لائحته «تمهد الطريق لحل سلمي للأزمة الوطنية التي تكابدها بلادنا، وأيضاً لتقوية الجبهة الداخلية، في مواجهة محيط إقليمي ودولي شرس يهدد السلامة الترابية للبلاد وسيادتها».
يُشار إلى أن السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش ورئيس «هيئته الرئاسية» حكيم بلحسل، دفعا بقوة نحو دخول معترك الانتخابات. غير أن أعضاء «المجلس الوطني» الذين يمثلون كل مناطق البلاد، وبخاصة الأعضاء الذين جاءوا من منطقة القبائل وهم أكثرية، وقفوا ضد هذا التوجه وقلبوا الميزان في اتجاه المقاطعة.
واستقبل تبون قيادة الحزب الشهر الماضي، وحاول إقناعها بالانخراط في الانتخابات. ويدرك الرئيس جيداً أن مشروع 12 يونيو سيكون منقوصاً من الناحيتين السياسية والشرعية الشعبية، إن رفضته منطقة القبائل. و«جبهة القوى الاشتراكية» بالنسبة له، هي الضامن الوحيد الذي يمكن أن يعالج مشكلة مقاطعة الانتخابات في القبائل.
ويبدو الرئيس غير مستعد لمواجهة «صفر انتخابات» في ولايات القبائل التي ينطق سكانها باللغة الأمازيغية، بعد مقاطعتها الكاملة للاستفتاء على الدستور في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفي انتخابات الرئاسة التي جرت بنهاية 2019. في المقابل، كان دخول «القوى الاشتراكية» للانتخابات سيكون بمثابة انتحار سياسي لها طالما أنه كان سيضعها في مواجهة مباشرة مع وعائها الشعبي التقليدي.
يشار إلى أن حزبي «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» و«حزب العمال» المعارضين اللذين يملكان عدداً كبيراً من الأعضاء في القبائل، لن يشاركا في الاستحقاق.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.