تحذير من تعاظم مشكلة تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق

مقتل ضابط أمن في مواجهة مع أحد تجارها في بغداد

TT

تحذير من تعاظم مشكلة تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق

حذرت مفوضية حقوق الإنسان في العراق من أن ملف تجارة المخدرات وتعاطيها سيكون التحدي الرئيسي والأكبر الذي ستواجهه البلاد خلال السنوات القليلة المقبلة، نظراً لـ«ضعف الرقابة والزيادة المطردة في أعداد المتعاطين». وجاءت تحذيرات المفوضية عقب مصرع ضابط برتبة نقيب في جهاز الأمن الوطني خلال مواجهة مع تاجر مخدرات وُصف بـ«الأخطر» في بغداد، أمس.
وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، إن «مشكلة المخدرات ستكون التحدي الرئيسي والأكبر الذي ستواجهه البلاد في السنوات المقبلة، نظراً إلى المشكلات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الخطرة التي ستنجم عن تفشّيها وانتشارها المتسارع في عموم محافظات البلاد». ولفت البياتي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «العراق لا يزال يتعامل مع ملف المخدرات من وجهة نظر أمنية بحتة، والجهود الأخرى تكاد تكون معدومة». ويعتقد أن موضوع مكافحة معضلة المخدرات «بحاجة إلى تعديل قانون مكافحة المخدرات الصادر عام 2017، لتشديد العقوبة على الاتجار بالمخدرات والتخفيف عن المتعاطين، لأنهم ضحايا الواقع والاستغلال وغياب جهود الدولة لحمايتهم، شرط ألا يتم إفلات التجار من العقوبة بحجة أنهم متعاطون فقط أو العكس».
كذلك الأمر، والكلام للبياتي، بحاجة إلى «جهاز إنفاذ قانون مدرَّب وجهاز آمني معلوماتي قوي مع إشراك المجتمع وكسب تعاونه وتعاون دولي وإقليمي في الملف مع توقيع اتفاقيات دولية حول الموضوع لكسب الدعم الدولي في مكافحة الآفة الخطيرة المهدِّدة للأمن الوطني ولمستقبل المجتمع العراقي خصوصاً الفئات الشبابية منه». ويرى أن «من أهم الثغرات في معالجة مشكلة المخدرات، هي افتقار البلاد إلى مؤسسات التأهيل الصحية والنفسية للضحايا والتعامل معهم كمجرمين، ما يدفعهم إلى الخوف وعدم اللجوء إلى المؤسسات الصحية، إلا بعد إلقاء القبض عليهم من الجهات الأمنية، لأن المتعاطي يعد مجرماً في نظر القانون».
وعن المواد المخدرة الأكثر شيوعاً في العراق، يقول البياتي إن «أغلب ما يتم تعاطيه في العراق الأدوية المرخَّصة، لكن يتم أخذها بشكل غير قانوني وبإفراط مثل بعض الفيتامينات ومسكنات الألم، إلى جانب مواد الكريستال والحشيش والترياك التي تصل إلى العراق عبر دول الجوار». وبشأن أعداد المحكومين من التجار والمتعاطين، يؤكد البياتي أن ما يصدر من أرقام عن «مؤسسات إنفاذ القانون متغيرة دائماً وتمثل نسبة بسيطة من الواقع».
وأضاف: «لدينا مثلاً إحصائية تتحدث عن 5602 سجين، ضمنهم 4554 موقوفاً و1048 صدرت بحقهم أحكام قضائية، هنا 3892 من بين هؤلاء يمارسون أعمال المتاجرة بالمخدرات، و1478 تعاطوها بينهم 39 امرأة و23 شاباً في أعمار صغيرة (أحداث دون السن القانونية)».
وكشفت خلية الإعلام الأمني، أمس، تفاصيل المواجهة التي وقعت بين قوة من جهاز الأمن الوطني مع وكر لتجارة المخدرات شمال العاصمة بغداد، وأسفرت عن مقتل ضابط في الجهاز. وقالت الخلية في بيان إن عناصر الجهاز نفّذوا فجر أمس عملية لاعتقال أحد أبرز وأخطر تجار المخدرات والمؤثرات العقلية في العاصمة بغداد، مضيفةً أن «المجرم أقدم على مواجهة القوة المنفذة للواجب، والتي تمكنت من قتله، كما أسفر الحادث عن استشهاد الضابط سلمان داود كاظم المحياوي وإصابة آخر».
وأخذت مشكلة المخدرات في البلاد تتعاظم منذ سنوات، نتيجة الانهيار الذي أصاب مؤسسات الدولة بعد عام 2003، وعدم إحكام الأجهزة الأمنية سيطرتها على معظم منافذ البلاد، خصوصاً الجنوبية مع إيران التي تعد المصدر الأول لعبور المخدرات إلى العراق. وتحدث بعض المصادر الرسمية عن أرقام مخيفة بالنسبة إلى أعداد المتعاطين للمخدرات في محافظات وسط وجنوب البلاد، خصوصاً من فئات الشباب التي تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً.
كان محافظ الديوانية الجنوبية قد تحدث نهاية العام الماضي، عن نِسب تعاطي بلغت نحو 40% بين صفوف الشباب في المحافظة. وتتحدث مصادر أخرى عن نسبة تعاطي مرتفعة جداً في الأحياء الشعبية في محافظة البصرة الجنوبية التي تعد إحدى البوابات الرئيسية لدخول المخدرات إلى العراق بالنظر لوقوعها على الحدود مع إيران. وهناك أيضاً، أحاديث عن انتشار واسع للمخدرات في الأحياء الفقيرة في بغداد وفي بعض المقاهي الشعبية.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.