مؤرخ بريطاني: استيلاء الصين على تايوان يعني بداية تقهقر الإمبراطورية الأميركية

شبّهه بتأميم قناة السويس ونهاية الإمبراطورية البريطانية

مدمرة أميركية خلال مرورها من مضيق تايوان هذا الشهر (رويترز)
مدمرة أميركية خلال مرورها من مضيق تايوان هذا الشهر (رويترز)
TT

مؤرخ بريطاني: استيلاء الصين على تايوان يعني بداية تقهقر الإمبراطورية الأميركية

مدمرة أميركية خلال مرورها من مضيق تايوان هذا الشهر (رويترز)
مدمرة أميركية خلال مرورها من مضيق تايوان هذا الشهر (رويترز)

يقول المؤرخ والباحث البريطاني نيال فيرغسون، إن سماح الولايات المتحدة للصين بالاستيلاء على تايوان سيكون بداية انهيار الإمبراطورية الأميركية، كما كان تأميم مصر لقناة السويس عام 1956 بداية انهيار الإمبراطورية البريطانية؛ حيث تحول الأسد الإمبراطوري إلى مجرد نمر من ورق. ويعود فيرغسون، المحاضر في جامعة هارفارد، ليشرح موقفه، إلى مقالة شهيرة استعار فيها الفيلسوف البريطاني والمنظر الاجتماعي إسايا برلين عبارة من قصيدة الشاعر اليوناني القديم أرخيلوخس تقول: «الثعلب يعرف أشياء كثيرة، لكن القنفذ يعرف شيئاً واحداً كبيراً».
ويقول إسايا برلين إن هناك فجوة كبيرة بين من يربطون كل شيء بمبدأ واحد تنظيمي وشامل ويعدّون كل ما دونه أقل أهمية، وهم القنافذ، ومن يسعون وراء غايات عديدة ليس بينها رابط غالباً، وأحياناً متناقضة، وهؤلاء هم الثعالب. ورغم أن برلين كان يتحدث في مقالته تلك عن الكتاب والمفكرين، فإن المؤرخ والباحث فيرغسون يرى أن فكرة القنفذ والثعلب تنطبق أيضاً على عالم سياسات القوى العظمى. ويقول فيرغسون في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن هناك قوتين عظميين في العالم حالياً، هما الولايات المتحدة والصين. وفي حين تمثل الولايات المتحدة الثعلب، تمثل الصين القنفذ. فالسياسة الخارجية للأولى ووفق وصف برلين للثعالب، «مبعثَرة أو متفرقة، تتحرك على عدة مستويات». في المقابل فإن الصين، وهي القنفذ، تربط كل شيء «برؤية داخلية موحدة لا تتغير، وشاملة، وأحياناً متناقضة مع نفسها وغير كاملة، وأحياناً تكون رؤية متعصبة وداخلية موحدة». ومنذ نحو 50 عاماً، ذهب ثعلب الدبلوماسية الأميركية هنري كيسنغر إلى بكين في زيارة سرية عام 1971 أدت إلى تغيير جذري في توازن القوى العالمي. جاءت هذه الزيارة في سياق استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون للخروج من حرب فيتنام مع المحافظة على شرف ومصداقية الولايات المتحدة بأقصى درجة ممكنة.
وفي أثناء لقاء كيسنغر مع رئيس وزراء الصين في ذلك الوقت شو إن لاي، كانت لدى مستشار الأمن القومي الأميركي، كونه ثعلباً، أهداف متعددة. كان الهدف الرئيسي ضمان دعوة الصين لرئيسه نيسكون لزيارة بكين في العام التالي. كما كان يسعى إلى تأمين مساعدة الصين لأميركا في الخروج من فيتنام، إلى جانب محاولة استغلال الخلاف بين القوتين الشيوعيتين الكبيرتين في ذلك الوقت الصين والاتحاد السوفياتي لتعزيز موقف واشنطن في مواجهة موسكو.
وفي كلمته في بداية اللقاء مع رئيس وزراء الصين، حدد كيسنغر ستة موضوعات تبدأ من حرب فيتنام، وتصل إلى استقلال بنغلاديش عن باكستان. ورد شو إن لاي، بوصفه قنفذاً بأن هناك قضية واحدة تهم الصين وهي تايوان. وقال لكيسنغر: «إذا لم تتم تسوية هذه القضية الحيوية، فسيكون من الصعب تسوية باقي قضايا العلاقات الصينية الأميركية». كان رئيس وزراء الصين يسعى إلى إقناع ضيفه الأميركي بالاعتراف بحكومة جمهورية الصين الشعبية كحكومة شرعية وحيدة للصين واعتبار «إقليم تايوان جزءاً لا يتجزأ من الأرض الصينية وتجب إعادته إلى الوطن الأم»، وأن تسحب الولايات المتحدة «كل قواتها المسلحة وتفكك قواعدها العسكرية الموجودة في تايوان» منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية. وكان كيسنغر مستعداً لتقديم بعض التنازلات الأساسية للصين في هذا الملف بهدف الحصول على ما يريده منها في الملفات الأخرى، فقال: «نحن لن نؤيد حل يقوم عل أساس وجود دولتين صينيتين ولا حل صين وتايوان»، وأضاف موجهاً حديثه إلى شو: «كدارس للتاريخ... يمكن للمرء أن يتوقع سير التطور السياسي في الاتجاه الذي أشار إليه رئيس وزراء الصين». وأضاف: «يمكننا تسوية الجزء الأكبر من موضوع القواعد العسكرية خلال الولاية الحالية للرئيس نيكسون إذا انتهت الحرب في فيتنام».
ورداً على سؤال لشو إن لاي عن رؤيته لحركة استقلال تايوان، رفض كيسنغر هذه الحركة تماماً. وأياً كان الموضوع الذي يتحدث عنه كيسنغر سواء فيتنام أو كوريا أو الاتحاد السوفياتي، كان شو إن لاي يُعيد الحديث إلى موضوع تايوان بوصفه «القضية الوحيدة بيننا». وسأل شو إن لاي عما إذا كانت الولايات المتحدة ستعترف بحكومة جمهورية الصين الشعبية كحكومة وحيدة للصين وتطبّع العلاقات الدبلوماسية معها، ورد كيسنغر: «نعم بعد انتخابات الرئاسة عام 1972»، وعما إذا كان سيتم طرد تايوان من الأمم المتحدة ومنح بكين مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن الدولي، قال كيسنغر مجدداً: «نعم». ويقول فيرغسون إنه الآن وبعد مرور نصف قرن على لقاء كيسنغر وشو، ما زالت تايوان هي قضية الصين الرئيسية.
في الوقت نفسه سارت التطورات السياسية في الاتجاه الذي أشار إليه كيسنغر، فاعترفت الولايات المتحدة بالصين، وتم شطب عضوية تايوان في الأمم المتحدة، وألغى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، معاهدة الدفاع المشترك مع تايوان الموقّعة عام 1954 ولكن اللوبي الموالي لتايوان في الكونغرس الأميركي استطاع مد شريان الحياة لتايوان بإصداره قانون تايوان عام 1979 والذي يقضي بأن تستخدم الولايات المتحدة «كل الجهد لضمان ألا يتحدد مستقبل تايوان بغير الوسائل السلمية بما في ذلك وسائل المقاطعة أو الحصار أو تهديد السلم والأمن في غرب المحيط الهادئ».
في الوقت نفسه، فإنه من وجهة نظر القنفذ الصيني، ظل غموض الموقف الأميركي الذي لا يعترف بتايوان كدولة مستقلة لكنه في الوقت نفسه يضمن أمنها واستقلالها الفعلي، موقفاً لا يمكن قبوله. والآن تغيّرت موازين القوة بشدة عما كانت عليه عام 1971، وتحولت الصين من دولة فقيرة لا يمثل اقتصادها شيئاً يُذكر بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي، رغم ضخامة عدد سكانها إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويقول صندوق النقد الدولي إن قيمة إجمالي الناتج المحلي للصين مقوماً بالدولار يعادل ثلاثة أرباع إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة حالياً.
في الوقت نفسه، فإن تايوان ازدهرت بشدة وأصبحت أحد أكثر اقتصادات آسيا تقدماً، مع وجود شركة «تايوان لتصنيع أشباه الموصلات»، أكبر شركة لإنتاج الرقائق الإلكترونية في العالم. وخلال سنوات حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، تَركز اهتمام الإدارة الأميركية على الحرب التجارية وتراجع الاهتمام بملفات حقوق الإنسان والحركة الديمقراطية في هونغ كونغ. في الوقت نفسه، تمت إضافة تايوان إلى القائمة، لكن مبيعات الأسلحة والاتصالات الدبلوماسية بين واشنطن وتايبيه لم تحظَ باهتمام كبير من جانب هذه الإدارة. وعندما تحدث الدبلوماسي الأميركي السابق والخبير الاستراتيجي ريتشارد هاس، العام الماضي، عن ضرورة التعهد بالمحافظة على الحكم الذاتي لتايوان لم يُبدِ أحد في إدارة ترمب ترحيبه بالفكرة، على حد قول نيال فيرغسون.
وتغيّر الموقف مع قدوم إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الذي أعلن من البداية أن مواجهة التمدد الصيني الإقليمي وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين ستكون على رأس أولويات سياستها الخارجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كما تعهد وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن باستمرار العلاقات الأميركية مع تايوان. وفي حين، تضيف الثعالب الأميركية متعددة المهام المزيد إلى قائمة مظالمها، يركز القنفذ الصيني على تعزيز قدرته على الاستيلاء على تايوان.
والآن تواجه الولايات المتحدة ثلاث مشكلات أساسية في التعامل مع الملف التايواني: الأولى هي أن أي محاولة أميركية لتعزيز القدرات العسكرية لتايوان حالياً ستثير ردود فعل غاضبة وانتقامية من جانب الصين مما يزيد من احتمال تحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة. والثانية هي أن أي خطوات أميركية لدعم تايوان تتيح للصين فرصة للتحرك قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من استكمال قدرتها على الردع. والمشكلة الثالثة هي تردد التايوانيين أنفسهم في التعامل مع أمنهم القومي بنفس الجدية التي اتّبعها الإسرائيليون للحفاظ على بقاء دولتهم.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.