بلينكن يناقش في بروكسل «العدوان» الروسي و«المخاطر» الصينية

بلينكن (أ.ب)
بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يناقش في بروكسل «العدوان» الروسي و«المخاطر» الصينية

بلينكن (أ.ب)
بلينكن (أ.ب)

في رحلة هي الأولى له إلى أوروبا منذ بدء عهد الرئيس جو بايدن، توجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بروكسل؛ للمشاركة في اجتماعات وزراء خارجية الدول الـ28 في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكذلك لإجراء محادثات شخصية مع ممثلي دول الاتحاد الأوروبي، بغية إعادة بناء شراكات الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة و«التكيف» مع التحديات الجديدة، بما في ذلك «العدوان» من روسيا و«المخاطر» من الصين والجهود الجارية لإعادة إيران إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي. وقبيل سفره إلى بروكسل، غرّد بلينكن على «تويتر»: «نحن ملتزمون بإعادة بناء شراكاتنا وتحالفاتنا، كمصدر أساسي للقوة».
وخلال الزيارة التي تستمر حتى 25 مارس (آذار) الجاري، يلتقي بلينكن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ووزراء خارجية الحلفاء ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل ووزيرة الخارجية البلجيكية صوفي ويلميس، بغية التشديد على «قوة العلاقة عبر الأطلسي، والنجاح المتواصل لحلف الناتو في حماية المجتمع عبر الأطلسي، وتكيف الحلف مع التحديات الأمنية الجديدة»، بالإضافة إلى «رغبة» إدارة الرئيس بايدن في «إصلاح وتنشيط ورفع مستوى الطموح في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي»، وفقاً لما أكدته وزارة الخارجية الأميركية، التي أضافت أن حلف الناتو «شكّل حجر الزاوية» في العلاقة الأميركية الأوروبية التي «بُنيت على أساس القيم المشتركة في فترة غير مسبوقة من السلام والازدهار لأكثر من 70 عاماً»، علماً بأنه المكان الوحيد الذي تجتمع فيه الولايات المتحدة يومياً مع حلفائها لمعالجة التحديات الأمنية المشتركة.
وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية بالوكالة، فيليب ريكر، إن النقاشات تشكل «فرصة لمناقشة مبادرة الناتو 2030، والمقترحات لتكيف التحالف، والمخاوف من الصين وروسيا، فضلاً عن تغير المناخ، والأمن السيبراني، والتهديدات المختلطة، ومكافحة الإرهاب، وأمن الطاقة»، فضلاً عن جائحة «كوفيد – 19».
وأوضح أنه بالنسبة إلى إيران «لا نزال نعتقد أن الدبلوماسية الهادفة لتحقيق عودة متبادلة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة هي الطريق الصحيح للمضي قدماً»، معبراً عن الأسف لأن إيران تواصل اتخاذ خطوات «تتجاوز حدود» الاتفاق النووي عوض الانخراط الفعلي في العملية الدبلوماسية، مؤكداً أن بلينكن «سيناقش ذلك بالتأكيد مع زملائه في الاتحاد الأوروبي ومع آخرين سيكونون هناك».
وفي افتراق واضح عن النهج التصادمي الذي اعتمده الرئيس السابق دونالد ترمب، يكرر المسؤولون في إدارة بايدن أن الولايات المتحدة «تلتزم بحزم» وقوفها مع حلفائها في الناتو بناء على المادة الخامسة من معاهدة واشنطن التي تنص على أن الاعتداء على أي دولة في الحلف يعد اعتداء على كل دوله. وتعتبر واشنطن أن الناتو الذي يدخل عامه الثاني والسبعين «هو أقوى وأنجح تحالف في التاريخ» بعدما واجه الكتلة الشيوعية في الحرب الباردة، وهو يوفر اليوم الأمن لنحو مليار شخص في أوروبا وأميركا الشمالية.
وترى واشنطن أن الحلف ينفذ مهمات مشتركة في أفغانستان والعراق وكوسوفو وأماكن أخرى من العالم، بالإضافة إلى «ردع مجموعة واسعة من التحديات الأمنية، بما فيها العدوان الروسي والإرهاب والتهديدات السيبرانية والتقنيات الناشئة والمدمرة»، فضلاً عن «معالجة المخاطر التي تمثلها الصين على مصالحنا الأمنية المشتركة وديمقراطياتنا وعلى النظام الدولي القائم على القواعد»، مشددة على أن التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «يعد أمراً بالغ الأهمية لدعم النظام الدولي القائم على القواعد والتصدي للتحديات العالمية الناشئة عن إيران وروسيا والصين».
يفكر قادة الناتو في التداعيات الأمنية لسلوك الصين العدواني والقسري، إذ تستثمر بكين في البنية التحتية في أوروبا، بينما تقوم في الوقت نفسه ببناء جيشها وتوسيع نطاق وجودها في الفضاء الإلكتروني والقطب الشمالي وفي المناطق التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن عبر الأطلسي، بما في ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا. وبضغط كبير من الرئيس ترمب، زاد الحلفاء الأوروبيون وكندا إنفاقهم الدفاعي بأكثر من 130 مليار دولار منذ عام 2016، وبحلول نهاية عام 2024 يرتقب أن يتجاوز 400 مليار دولار.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.