عبّر سياسيون ليبيون عن آمالهم في طي صفحة الماضي بين القبائل المتخاصمة على خلفية «صراعات قديمة»، من خلال إجراء «مصالحات حقيقية»، تستند إلى تعويض المتضررين منذ سنوات وتفعيل القانون.
وسبق لرئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، الإعراب عن نيته تأسيس مفوضية للمصالحة «الوطنية»؛ وهو الأمر الذي انقسم حوله سياسيون، بين من اعتبر أن التوقيت الراهن يعزز فرص نجاح تحقيق هذه الفكرة، وغيرهم شككوا في نجاعها بسبب «ضيق الوقت الممنوح للسلطة التنفيذية الجديدة، ولكثرة العراقيل، وفي مقدمتها تعقد الصراعات الجهوية والقبلية، التي شهدتها ليبيا على مدار السنوات العشر الماضية».
واستهل يوسف جلالة، وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجرين بحكومة «الوفاق» المنتهية ولايتها، حديثه بالترحيب بهذه الفكرة، معتبراً في تصريح لـ«لشرق الأوسط» أن «تأسيس كيان رسمي ودعمه سيكون له أثر كبير في حل الكثير من الملفات الشائكة، كعودة المهجرين، وهذا يعني التخفيف من معاناة المواطنين».
في المقابل، وصف المحلل السياسي رئيس «مجموعة العمل الوطني»، خالد الترجمان، تأسيس المفوضية وتحقيق المصالحة الوطنية خلال أقل من تسعة أشهر بمثابة «حلم كبير» لا يتناسب مع الواقع المليء بألغام تراكم الصراعات الجهوية والمناطقية.
وقال الترجمان لـ«الشرق الأوسط»: «في السنوات الماضية حدثت صراعات كثيرة بين القبائل والمدن في الغرب الليبي، من بينها ما وقع بين الزنتان والرجبان، وروشفانة والزاوية، ومصراتة وتاورغاء، وهي صراعات شهدت توظيف كل طرف فيها لما يملكه من ميليشيات مسلحة، ولذلك اتسمت بالعنف الشديد، وبالطبع لا يمكن معالجة كل هذا خلال أشهر قليلة».
وذهب الترجمان إلى أن هذه الخلافات الجهوية والقبلية بالغرب الليبي «لم تُكبح إلا مع تقدم الجيش الوطني نحو العاصمة في أبريل (نيسان) 2019، لكن بعد انسحابه الأخير ارتكبت ميليشيات بالزواية ومصراتة وزلتن وزوراة انتهاكات مروعة بحق المدن التي ناصرت الجيش الوطني في ترهونة وغريان والأصبعة». مؤكدا أن السلطة الجديدة لا تزال تملك الكثير من الخيارات، من بينها «وضع الأسس السلمية لملف المصالحة بالعمل الجاد في جمع وتوثيق الانتهاكات، والقيام بالتحري تمهيداً للقيام بالمساءلة وتحقيق العدالة مستقبلاً، ومن ثم تحقيق مصالحة مستدامة على أرض الواقع، لا مجرد نصوص ووثائق لا يأبه بها الجميع».
غير أن عضو مجلس النواب بطبرق، محمد عامر العباني، رأى أن الوقت الممنوح للسلطة الانتقالية الجديدة لا يكفي لإتمام مشروع كبير الحجم والأهمية كالمصالحة، «لكنه كفيل بوضع أسسه فقط»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يجب اقتران المصالحة بتعويضات مالية عادلة للمتضررين، وإلا تحولت إلى حبر على ورق. وبالتالي لا بد من رصد ميزانية كبيرة تتناسب وكثرة ضحايا الانتهاكات وفداحة الأضرار».
وحذر العباني «من مخاطر تغلغل الفساد وابتلاعه للأموال، التي قد تخصص لهذا الغرض»، مستكملاً: «الأموال متوفرة، وحجم الإنفاق الحالي بالبلاد كبير جداً، لكنه بلا نتائج بسبب تغلغل الفساد».
في المقابل، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، إن «توافر الإمكانيات المالية ليس كافياً، إذ لا بد أن يقترن الأمر بتوافر الإرادة السياسية»، مبرزاً أن الأزمة «تكمن في اقتناع والتزام جميع القوى والأطراف بمتطلبات تحقيق المصالحة الوطنية». مشيرا إلى أن «السماح بعودة مهجري الشرق، ممن عارضوا توجهات ومشاريع القيادات السياسية والعسكرية في شرق البلاد، قد تكون خطوة إيجابية تعزز الثقة».
بدوره، تحدث المحلل السياسي السنوسي إسماعيل الشريف عن «تواصل انتهاكات حقوق الإنسان بعموم البلاد»، وأرجع ذلك إلى «تفشي سياسة الإفلات من العقاب لمن ينتهك القانون الإنساني العام»، وقال بهذا الخصوص: «توجد فرصة ذهبية للسلطة الجديدة، خاصة بعد حصولها على دعم شعبي ودولي كبير في إطلاق قطار المصالحة بشكل قوي، يقنع الجميع بجدية المسار».
ودعا الشريف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى البدء في الدعوة لتحقيق مصالحة بمدينة مزرق الجنوبية، التي جرى تهجير سكانها جراء خلافات وصراعات بين مكون التبو وباقي المكونات الليبية هناك، وأيضا في ترهونة (90 كم جنوب شرقي العاصمة)، والتي جرى تهجير بعض سكانها بتهمة التعاطي مع ميليشيا وعائلة الكانيات، التي ارتكبت الكثير من الانتهاكات المروعة بحق أهالي المدينة.
وأشار الشريف للجهود التي اضطلعت بها طوعاً جهات ومنظمات ليبية، وكذلك البعثة الأممية للدعم في ليبيا على مدار السنوات الماضية، وتمكنت ولو بشكل جزئي في معالجة بعض الخلافات والصراعات الجهوية والقبلية، كالمصالحة بين بلدة الرياينة والزنتان عام 2013 بالتنسيق مع شيوخ الأهالي هناك، وكذلك المصالحة بين مصراتة وتاورغاء بمبادرة من مجلسي بلدي المدينتين عام 2018.
وانتهى الشريف قائلا: «ربما لا نزال في بعض الأماكن نواجه ببعض العراقيل والأمور الفنية، لكن الأسس وضعت، وستستمر بإذن الله».
ليبيون يأملون في «مصالحة حقيقية» تنهي خلافات المدن
ليبيون يأملون في «مصالحة حقيقية» تنهي خلافات المدن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة