أوساط الحراك الجزائري ترفض مشروع سحب الجنسية

TT

أوساط الحراك الجزائري ترفض مشروع سحب الجنسية

أثار إعلان الحكومة الجزائرية عزمها سحب الجنسية من مقيمين في الخارج «في حال ثبت تورطهم في أفعال إرهابية، وأعمال تمس بالوحدة الوطنية»، سخط محامين وناشطين حقوقيين، ينتمي أغلبهم إلى الحراك الشعبي، في حين لم يصدر أي رد فعل من الأحزاب المعارضة أو القريبة من الحكومة.
وتفاعل ناشطون بحدة بالغة مع القرار عبر حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي، بعدما أعلنت رئاسة الوزراء أنها ستعد قانوناً يسمح لها بتجريد أي جزائري مقيم في الخارج من جنسيته الأصلية، إذا قدرت أنه «متورط في أعمال تلحق ضرراً بمصالح الدولة».
وقال المحامي والناشط البارز مقران آيت العربي في بيان أمس: «ورد في بيان مجلس الوزراء أن وزير العدل قدم عرضاً حول المشروع التمهيدي لتعديل قانون الجنسية الجزائرية. وجاء فيه أن المشروع ينص على سحب الجنسية الجزائرية الأصلية لأسباب مذكورة في البيان... سحب الجنسية المكتسبة من كل شخص ارتكب جرائم معينة معمول به في دول أخرى. أما سحب الجنسية الجزائرية الأصلية الموروثة أباً عن جد، فهي غير مقبولة على الإطلاق. فآباء وأجداد الجزائريين هم الذين استشهدوا من أجل الجنسية الجزائرية».
وأضاف: «مهما بلغت خطورة الجرائم التي يرتكبها حامل الجنسية الأصلية، لا يمكن سحب الجنسية منه لأن الجزائري الأصيل يفضل أن يعدم بسبب الجرائم التي ارتكبها، ولكنه يرفض أن تسحب الجنسية التي استشهد من أجلها آباؤه وأجداده. وكل من يحاول نزع الجنسية الأصلية للجزائريين والجزائريات، سيتحمل مسؤولية لا مثيل لها في تاريخ الجزائر. حتى الحركي (فئة من الجزائريين تعاونوا مع الاستعمار في خمسينيات وستينيات القرن الماضي) لم تسحب جنسيته الأصلية، فما بالنا بباقي الجزائريين؟». وتابع: «أقول حذار ثم حذار من التلاعب بالجنسية الأصلية التي ضحى من أجلها مليون ونصف المليون شهيد».
من جهته، قال رئيس نقابة القضاة سابقاً محمد الهادي بريم إن «مشروع قانون سحب الجنسية سيسري ويطبق على أفراد جاليتنا في الخارج الذين يحملون الجنسية الجزائرية، وستشرع المخابرات في أعداد ملفات الخيانة لبعض المهاجرين»، في إشارة إلى معارضين يقيمون في فرنسا وبريطانيا صدرت بحقهم أحكام ثقيلة بالسجن قبل سنوات وأغلبهم كان ينتمي إلى «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي خاضت مواجهات دامية مع السلطات في تسعينيات القرن الماضي.
ويفهم من الإجراء الذي أعلنته الحكومة أنه مرتبط بشعارات غير مسبوقة في حدتها رفعها الحراك في مظاهرات يوم الجمعة الماضي، أخطرها في تقدير السلطات اتهام المخابرات بـ«الإرهاب» وإطلاق وصف «الاستعمار» على الشرطة، وذلك إثر اتهامات بتعذيب ومضايقات لناشطين.
ونسب هذا الشعار إلى تنظيم «رشاد» المقرب من «جبهة الإنقاذ» وزعيمه العربي زيطوط الدبلوماسي المنشق اللاجئ في بريطانيا. وتقول الأجهزة الأمنية إن له أتباع كثر في الجزائر، وأن الحراك «مخترق من طرف رشاد».
وكتب عبد الله هبول، وهو قاضي سابق وأحد أبرز المحامين المدافعين عن مساجين الحراك حالياً، أن «مشروع قانون تجريد الجزائريين في الخارج من الجنسية، مخالف للدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ويهدد الهوية والوحدة الوطنيتين»، داعياً إلى «التخلي عنه فوراً وإقالة صاحبه وزير العدل زغماتي بلقاسم».
ورأى الناشط سمير بلعربي الذي سجن لشهور العام الماضي بتهم مرتبطة بدوره في الحراك، أن «عزم النظام على سحب الجنسية من معارضيه في الخارج هو قمة الإفلاس والفشل... مهما اختلفنا مع بعض المعارضين في الخارج، إلا أننا نرفض تماماً هذه الإجراءات والممارسات..... هم جزائريون ولا يزايد عليهم أحد».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.