«حكايات كانتربري»... ألف ليلة وليلة على الطريقة الغربية

تشوسر يستعير قناع شهرزاد

«حكايات كانتربري»... ألف ليلة وليلة على الطريقة الغربية
TT

«حكايات كانتربري»... ألف ليلة وليلة على الطريقة الغربية

«حكايات كانتربري»... ألف ليلة وليلة على الطريقة الغربية

رغم أنها رويت بغرض الترفيه عن مجموعة من المسافرين الذين يحجون إلى أحد الأديرة، فإن «حكايات كانتربري» للشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر أصبحت واحدة من عيون تراث الحكي الشعبي في أوروبا، حيث يعدها قسم من الباحثين النسخة الغربية من حكايات «ألف ليلة وليلة».
الحكايات صدرت في طبعة جديدة مؤخراً ضمن سلسلة «آفاق عالمية» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بترجمة وتقديم وتعليق د. مجدي وهبه ود. عبد الحميد يونس.
لا يُعرف بالضبط متى ولد «تشوسر»، إلا أنه في سنة 1386 كانت هناك قضية مرفوعة ضده، وكان قد تجاوز الأربعين من عمره.
أبوه كان تاجر خمور، وأمه من أسرة عريقة ريفية، فقد كان عمها مديراً لدار صك النقود في لندن، كما كانت متزوجة سابقاً من موظف بالبلاط الملكي. ويبدو أن هذه الصلة القديمة بالقصر الملكي رفعت من مقام جيفري تشوسر الصبي.
ويبدو من الكتاب أن تشوسر انضم إلى الحملة العسكرية التي قادها الملك إدوارد الثاني ضد ملك فرنسا سنة 1359، لكنه أسر وبقي في الحبس سنة تقريباً حتى دفعت له الدية في أول مارس (آذار) 1360. وتبرع الملك إدوارد الثالث بـ16 جنيهاً من قيمة الدية. كما يبدو أنه حظي بثقة عالية، إذ إن الملك أرسله في مهمة دبلوماسية دقيقة دامت سنتين ليتفاوض مع حكومة جمهورية «جنوا» المستقلة حول تخصيص ميناء إنجليزي لتجارتها في إنجلترا، واستغل إقامته في إيطاليا ليسافر من جنوا إلى فلورنسا، حيث تعرف على روائع الأدب الإيطالي المعاصر لدانتي وبتراركا وبوكاتشيو.
وفي سنة 1390، في أثناء إحدى رحلاته العملية من أجل وظيفته، هاجمه قطاع الطرق وجردوه من كل ما يملك، فامتلأ قلبه يأساً، وطلب من الملك أن يعفيه من عمله، وأن يمنحه معاشاً صغيراً يسمح له بالحياة الكريمة والتفرغ للأدب والعلم، فعينه الملك نائباً لمدير إدارة الغابات الملكية في مقاطعة «سمرست». واستمر على هذا النحو، متنقلاً بين مسكنه المتواضع في لندن ومقر عمله في الريف حتى مات في 25 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1400، بعد أن تم الاعتراف بعمله الأدبي وامتيازه بصفته شاعر بالإنجليزية، الأمر الذي سمح بدفنه فيما يسمى «ركن الشعراء» بكنيسة وستمنستر الكبرى.
وتعد «حكايات كانتربري»، بعنوانها الفرعي «من تاريخ الأوبئة»، مجموعة قصصية شعرية من أنواع وحكايات مختلفة في إطار قصصي واحد صدرت بعد 1386، وهي السنة التي أجمع المؤرخون على أنه ألف فيها مقدمته الشهيرة لسير السيدات الفاضلات. وهناك أيضاً أدلة على أن تشوسر نفسه قد اشترك في زيارة دينية لمقبرة القديس الشهير توماس بيكيت في أوائل 1387 استشفاعاً بالقديس لشفاء زوجته من مرضها العضال. وهناك احتمال أن رحلته قد ألهمته فكرة شخصيات الحجاج المختلفين اجتماعياً وأخلاقياً في رفقة واحدة، ناسباً لكل منهم قصة مؤلفة. ومن أمثلة تلك الحكايات حكاية الطبيب التي تنطلق من تصور خيالي لتاريخ روما وأساطيرها، وهناك حكاية توباس التي نسبها تشوسر إلى نفسه وتركها غير كاملة، فهي تقليد للقصص الخيالية التي تعالج موضوعات الفروسية والحب الرفيع. وكذلك عنصر القصص الشعبي المحلي، ممثلاً في حكاية «رجل القانون وامرأة باث»، فضلاً عن قصص الراهب الجوال والمحضر الكنسي وعالم أكسفورد ومتعهد المؤن، وهي كما يبدو تكون الجزء الأكبر من حكايات كانتربري.

تراث شعبي
ويوضح د. وهبة في تعليقه أنه لا بد أن يكون للحكايات نظائر ومقابلات في التراث الشعبي العالمي، شرقياً أم غربياً. وعلى سبيل المثال، هناك حكايات الطحان والطاهي والبحار وناظر الضيعة التي تندرج دون شك تحت جنس «الفايليو»، كونها عبارة عن حكاية شعرية هزلية قصيرة تتميز غالباً بالمجون والاستهتار. وقد كانت شائعة في فرنسا في أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وأما حكاية «القسيس وبائع شهادات الغفران»، فهي من نوع الموعظة المستندة إلى أمثلة قصصية لإبراز العبرة فيها. ويبدو أن حكايتي «رئيسة الدير» و«الراهبة الثانية» مستلهمتان من سير القديسين التي كانت منتشرة حين ذاك. وتتألف حكاية «الراهب» من مجموعة من القصص الأخلاقية التي تصور فهم العصور الوسطى لمعنى المأساة المتأثر إلى حد بعيد بفلسفة بوثيوس في كتابه الشهير «سلوى الفلسفة». وأما حكاية «ميليبي»، فهي نوع من القصة الرمزية المشتملة على شخصيات ليست سوى معانٍ مجسدة تحمل في ثناياها عبرة يغلب أن تكون أخلاقية أو دينية بعيدة عن المعنى الظاهري لها. وتأتي حكاية «قسيس دير الراهبات» على غرار «القصص الحيواني»، وهي شبيهة بما عرفه الشرق من أمثال «كليلة ودمنة»، إذ إنها تصدر حيوانات متقمصة خصائص البشر، من خبث ومكر وفضائل وأخلاق بصفة عامة؛ إنها حكايات رمزية المقصود بها نقد المجتمع عامة، والكنيسة خاصة، في العصور الوسطى الأوروبية.

بين الشرق والغرب
ويذكر الكتاب أن عصر تشوسر يعرف بإنجلترا، بل في أوروبا، بأنه عصر الفروسية التي غلبت على كثير من مقومات السلوك عند الفرد والجماعة، حيث هناك نظام اجتماعي متكامل له أعرافه وتقاليده. وهذه الفروسية هي التي كان يصدر عنها المجتمع العربي الإسلامي أيضاً في تلك المرحلة، ولعلها كانت أعرق عند العرب منها عند الأوروبيين، حيث اشتهرت الفَرس في المجتمع العربي منذ الجاهلية، وصاغت الحياة بربوع الجزيرة العربية زمناً طويلاً. كما عدت مقياساً من مقاييس الوجاهة بين الجماعات البدوية والحضرية على السواء، ومثل العرب في ذلك مثل الجماعات الأوروبية، ومنها الإنجليزية بطبيعة الحال، وليس من شك في أن الأمراء وذوي المال هم الذين كانوا يملكون الأفراس.
وفي «حكايات كانتربري» صورة نموذجية لأحد الفرسان يقدمها لنا تشوسر بقوله: «رجل فاضل شريف، منذ امتطاء صهوات جياده في الحملات الحربية كان ولوعاً بالفروسية، معروفاً بالإخلاص والشرف والكرم وآداب اللياقة، كان مقداماً كل الإقدام في حروب مليكه، يخوض غمارها متفوقاً على كل فارس آخر. وكان دائماً مكرماً لصفاته النبيلة، وقد شارك في معركة الإسكندرية عند فتحها، وكم من مرة ترأس مائدة الفرسان مقدماً عليهم جميعاً في أمم بروسيا، وكثيراً ما خاض غمار الغزوات في أقطار لتوانيا وروسيا، ولم يناظره في ذلك مسيحي آخر من الطبقة نفسها».



ثلاثية الحب والحرب والفقر في «سنوات النمش»

ثلاثية الحب والحرب والفقر في «سنوات النمش»
TT

ثلاثية الحب والحرب والفقر في «سنوات النمش»

ثلاثية الحب والحرب والفقر في «سنوات النمش»

بعد تطواف روائي بين تونس في «باب الليل»، وسوريا في «حذاء فلليني»، يعود الروائي المصري وحيد الطويلة في روايته الأحدث: «سنوات النمش»، إلى عالمه الأثير في القرية المصرية، تلك التي عايَن بعض جوانبها في روايات سابقة، مثل «أحمر خفيف» و«الحب بمن حضر»، وفي كل مرة يقدم هذه القرية من منظور مغاير، مكتشفاً جانباً جديداً من قوانينها وجمالياتها، وقواعدها الصارمة ظاهرياً. هذه القواعد والتقاليد نفسها التي لا يتوقف أهل القرية عن انتهاكها سراً، في تواطؤ ضمني مفضوح يعرفه الجميع، لكنهم لا يجرؤون على الإفصاح عنه وإعلانه.

«سنوات النمش» (الصادرة عن «دار المحرر») يشير عنوانها إلى البقع التي تعكِّر البياض، أو اللون الأصلي، فكأن الراوي يرصد السنوات التي كانت مليئة بالبقع في حياته وحياة قريته وناسها، وتدور أحداثها في إحدى قرى الدلتا، شمال القاهرة، عبر راوٍ طفل يسرد الأحداث كلها بعينيه ورؤيته؛ فهو راوٍ مراقِب ومشارِك ومتورِّط؛ إما في الأحداث بشكل مباشر، أو بتعاطفه مع حدث هنا أو هناك، حتى ما وقع قبل ولادته، ويظل يكبر مع الأحداث متابعاً هذه القرية البعيدة عن سيطرة الحكومات المتعاقبة واهتماماتها، أو كما يعتبرها أهلها «على شمال الدنيا»، وأنها ليست موجودة على الخريطة؛ فهي قرية غارقة في الجهل والمرض والخرافة.

زمنياً، يغطي فضاء الرواية المساحة منذ الأربعينات تقريباً، وحتى نهاية القرن العشرين، حين نرى الراوي الطفل وقد صار شيخاً كبيراً يزور المعالم الأثرية في الأقصر مع ابنتيه الشابتين، ويغني مع المغنين الشعبيين. وطوال هذه الفترة ترصد الرواية تحولات هذه القرية منذ العهد الملكي، حين كانت براري لا يسكنها سوى اللصوص وقُطّاع الطرق؛ إذ كانت اللصوصية المهنة الأشهر التي تتباهى بها عائلات القرية، مروراً بثورة يوليو (تموز) وزعامة جمال عبد الناصر، وصولاً لمرحلة الرئيس الأسبق أنور السادات، وانعكاس هذه التحولات السياسية الكبيرة على القرية وقاطنيها.

رواية الطفل للأحداث منحت السرد قدرة كبيرة على الفضح والتعرية، وكشف علاقات الحب الخفية، وما ينتج عنها أحياناً من صراعات، يكون الحب سببها الحقيقي المضمر، الذي يعلمه الجميع، لكن كل أطراف الصراع تدّعي أسباباً أخرى معلنة.

هذه القدرة الطفولية على الفضح منحت السرد قدراً كبيراً من السخرية والكوميديا، فالفضح بطبيعته له سمت كرنفالي ساخر وكوميدي، أقرب إلى المسخرة؛ فمن يبدو في الظاهر وقوراً نرى (بعين الطفل المندهش) باطنه المتهتِّك المحتجب عن الجميع.

قدرة الراوي الطفل على الفضح والتعرية، تطال حتى أخته، كاشفاً عن مدى عشقها للتحكُّم والتسلُّط؛ إذ يمنحها القدر فرصة لممارسة ميولها السلطوية الكامنة فيها، عبر زواجها من ضابط طيب يستجيب لكل طلباتها، فتجد الفرصة سانحة لتمارس أدواره الرسمية في غيابه، فتعطي هي الأوامر للعساكر، وتتواصل مع مديرية الأمن نيابة عنه، كاشفة عن جانبها المتسلِّط الكامن فيها، الذي ما يني يجد نافذة صغيرة لينشط، معلناً وجوده وتمدُّده، حتى إنها تنتظر عودة زوجها الخاضع لسطوتها حباً فيها، لتمارس عليه سطوتها، وتمسك بالميكروفون كأنها ديكتاتور يخطب في شعبه الخاضع، ويكون هو كل جمهورها ورعيتها.

ثمة جانب آخر، تفضحه الحكاية، أو الحكايات التي تترى في تتابع مدهش، وهو الجانب الذكوري المسيطر على هذا العالم القروي البسيط، ممثلاً في استئثار الرجل بالمواريث، ومنع الميراث عن المرأة، فضلاً عن رفض كثير من الرجال أن تتزوج شقيقاتهم، ويكون المعلن أن هذا الرفض بسبب عدم خروج الميراث لرجل غريب، لكن السبب المضمر هو رفض الرجل أن يطأ رجل غريب شقيقته. لكن رغم هذه الذكورية المهيمنة، ثمة تمثيلات على التمرُّد النسوي لكسر هذه القواعد الذكورية المتصلبة، مثل العمة فريال، العزباء التي تصدم الجميع، وتخترق الأعراف والمواضعات الاجتماعية، وتعلن رغبتها في الزواج ثانية، بعد طلاقها من زوجها اللص، ولا تكتفي بإعلان هذه الرغبة التي تنتهك السائد، بل تمعن في التحدي، ولا تكف عن البحث بنفسها عن عريس.

يعتمد الراوي على صيغة الحكي الشعبي الشفاهي؛ فتبدو الرواية كلها وكأنها سلسلة محكيات يرويها الطفل (بعدما كبر) فيستدعي حياته وعلاقاته وما رآه وسمعه في القرية وعنها وعن شخوصها طوال طفولتها، بطريقة أقرب إلى جلسات السمر واستدعاء الذكريات بشكل شفاهي، دون أن يحكمه رابط واضح، فالحكايات تتناسل، دون التزام بتتابع زمني دقيق؛ فقد تأتي حكاية حديثة عن الأب، ثم تتلوها حكاية عن الجد، ثم حكاية عن أحد أصدقاء الطفولة، وحكاية أخرى عن إحدى العمات، فحلقات الحكي تتداخل وتتابع بلا تخطيط مسبق، وتتمثل شفاهية الحكي في أن الراوي قد ينسى بعض الذكريات، وسرعان ما يتذكرها، مثلما يقول في أحد المواضع: «كنت وأبي على الطريق، لا أتذكر إلى أين... لا، لا، تذكرت الآن، كنا في نهاية فقرة من فقرات الشتاء المتقطعة، يغزونا المطر ثم يتوقف ليومين»... هذه الآلية في إعلان النسيان والاستدراك بالتذكر، آلية شفاهية بامتياز. فضلاً عن بدء التذكر بالأجواء والطقس والمطر، وكأن الراوي يعيد تذكر المشهد كاملاً بصرياً، وأنه يحدث الآن أمام عينيه؛ فالحكاية لا تكتمل إلا بتذكُّر تفاصيلها كاملة، بأجوائها، وبتعبيرات الوجوه أحياناً؛ فهو دائماً يرسم مشاهد بصرية مكتملة، ليضع المتلقي الضمني، في قلب الحدث والحكاية.

حكاية القرية، أو مجموع الحكايات الصغيرة التي تشكل عبر تضافرها حكايتها ككل (بما فيها من علاقات حب وصراعات عائلية، وثارات وفقر وحفاء، وطموحات وانكسارات للشخوص الأفراد من آحاد الناس) لا تنفصل عن حكايات أكبر، فحكايتها محض دائرة صغرى، تحتويها دوائر أكبر، منها حكاية الوطن وتحولاته السياسية، من ملكية، إلى نظام جمهوري وأحلام القومية العربية، وتعلّق الأب بزعامة عبد الناصر، ثم مرحلة الانفتاح، وهناك أيضاً دائرة الحروب، بدءاً من الاحتلال الإنجليزي وآثاره الممثلة في بعض الطرق والكباري التي شُيّدت في ظل حكم الاحتلال، ثم حرب فلسطين، ونكسة 67، وصولاً إلى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 73؛ فهذه دائرة أخرى تلقي بظلال تحولاتها على دائرة حكاية القرية. ثمة دائرة عربية لا تنفصل عن الدوائر الأصغر، تتجلى أحيان عبر سفر أحد أقارب الطفل الراوي إلى الشام وإقامته في لبنان فترة طويلة، ثم فراره منها قبل الحرب الأهلية، وعودته إلى قريته/ وقوقعته؛ إذ تنكمش أحلام أبناء القرية، في استعارة لانكماش الأحلام العربية الكبرى تحت وطأة الحروب والنزاعات الطائفية والقومية، وعودة كل شخص للانزواء والتقوقع في قريته/ طائفته/ قوميته، حتى لو لم يكن متناغماً معها، بعد تبدُّد حلم اندماج الجميع في كلٍّ جامع.

ثمة ملمح آخر يتصل بكسر تخييلية الحكاية، وإيجاد صلة بها بالوقع المعيش؛ فالرواية رغم كونها بالأساس عملاً تخييلياً، فإنها المؤلف يتعمد (كعادته) خلق وشائج تربطها بالواقع السياسي والثقافي والفني، كما فعل في «جنازة جديدة لعماد حمدي» التي جعل اسم بطلها على اسم النجم السينمائي الشهير، أو «حذاء فلليني» التي تحيل للمخرج الإيطالي الشهير، فإنه (هنا) في «سنوات النمش» يجعل اسم أحد أبطال الرواية «القذافي»، وهو شخصية نرجسية بامتياز في روايته، ويعاني جنون عظمة واضحاً، ويجعل اسم شقيقه «العكش»، في إشارة للاسم الذي أطلقه المصريون على إعلامي شهير، إضافة إلى حيلة أخرى؛ فقد أراد والد الراوي إنشاء مدرسة في القرية، واشترطت عليه الدولة وجود 30 طالباً لإطلاقها، فلم يجد سوى 23 طفلاً، فاضطر لتزوير شهادة ميلاد لطفل متخيَّل باسم وهمي، فجعل اسم هذا الطفل غير الموجود «خيري شلبي». وبالطبع لا يخفى أن هذه ليست مصادفة، بل أقرب إلى تحية لاسم الروائي الكبير الراحل خيري شلبي، ابن قرية بالمحافظة نفسها، كما أن الإحالات لأسماء واقعية شهيرة توجِّه القارئ إلى أن العمل الروائي المتخيَّل غير منقطع الصلة بالعالم والواقع من حوله؛ فهو تمثيل لهما، وترتبط به بدرجة ما، رغم اعتماد المنطق السردي على الاسترسال الحكائي، الذي يفيد من تقنيات الحكي التراثية في «ألف ليلة وليلة»؛ حيث امتزاج الواقعي بالغرائبي، وتناسل الحكايات من بعضها، مشكلة في النهاية من هذه الطبقات الحكائية حكاية كبرى، أشبه بجدارية ضخمة، تؤرخ لقرية مصرية «على شمال السما» ظلّت عقودا رازحة تحت وطأة الفقر والجهل والمرض.