سوء الحالة المعيشية يدفع بنازحي إدلب إلى «مهن شاقة»... بينها كسر الجوز

«الشرق الأوسط» تتفقد مخيمات شمال غربي سوريا

طفل وطفلة ينظفان الجوز لجمع الأموال في ريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
طفل وطفلة ينظفان الجوز لجمع الأموال في ريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

سوء الحالة المعيشية يدفع بنازحي إدلب إلى «مهن شاقة»... بينها كسر الجوز

طفل وطفلة ينظفان الجوز لجمع الأموال في ريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)
طفل وطفلة ينظفان الجوز لجمع الأموال في ريف إدلب شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

دفعت الظروف المعيشية الصعبة، والضائقة المالية والحاجة، النازحين في مخيمات الشمال السوري إلى ممارسة أعمال شاقة مضنية، مقابل الحصول على مردود مادي بسيط يؤمن احتياجاتهم الحياتية الأساسية، من غذاء ودواء. وبات عدد من الأسر النازحة يعمل لساعات طويلة في اليوم، مقابل الحصول على النقود التي من خلالها تساهم بسد رمقها، وتأمين الغذاء والأدوية.
تقول «أم أحمد» (55 عاماً)، وهي أرملة نازحة أسرتها من مدينة اللطامنة في ريف حماة، خلال جولتها في مخيمات كفرلوسين القريبة من الحدود التركية، إن عدم التفات المنظمات الإنسانية والدولية لمساعدتهم، ومساعدة آلاف النازحين في شمال سوريا، أجبرها على «ممارسة أصعب الأعمال الشاقة، وهي استخراج لب ثمار الجوز، بمساعدة أبنائها، مقابل الحصول على بضع نقود تعينها على متطلبات الحياة، من غذاء وأدوية».
وتصف العمل بأنه من «أصعب الأعمال وأشقها على الإنسان، حيث لا يمكن استخراج لب ثمار الجوز إلا عبر تكسيره بالمطرقة، ومن ثم عزله عن القشرة عن طريق اليد، وغالباً ما تتعرض الأيدي للجروح ونزف الدماء من الأصابع، إلا أن ذلك يبقى أسهل بكثير من النظر لأحد أطفالها وهو بحاجة إلى الغذاء أو عبوة دواء ضد السعال».
وتضيف أن العمل في هذه المهنة، رغم مشقته وصعوبته، أجره بسيط جداً «حيث نحصل على 10 ليرات تركية، أو ما يعادل دولار ونصف أميركي تقريباً، مقابل تكسير كيس من ثمار الجوز بوزن 40 كيلوغراماً واستخراج اللب، ويكلف ذلك من الوقت أكثر من 3 أيام».
وفي خيمة مجاورة، تقيم أسرة أبو عمر (38 عاماً)، من منطقة الهبيط (جنوب إدلب)، الذي فقد ذراعه خلال القصف سابقاً، ويعيش ظروف إنسانية صعبة، مما اضطره مؤخراً أيضاً، هو وأطفاله الصغار، إلى ممارسة المهنة ذاتها (تكسير ثمار الجوز)، إذ يقول: «أجلس بجوار أطفالي الـ4 وأمهم ونبدأ العمل منذ ساعات الصباح الأولى بتكسير ثمار الجوز، لنحصل في المقابل على ثمن قوتنا اليومي، رغم الأجور البسيطة».
ويضيف أنه رغم فقدانه لذراعه، فإن ذلك لم يثنه عن العمل، مشجعاً أطفاله وامرأته على العمل لساعات طويلة من اليوم، ليأتي اليوم الثاني ويقوم بتسليم ما قام باستخراجه من لب الجوز لصاحبه، والحصول على 15 ليرة تركية، وبذلك يمكنه تأمين ثمن ربطة الخبز لأسرته وبضعة كيلوات من البطاطا والبندورة ليس أكثر.
أما «أم سليمان» (67 عاماً)، وهي نازحة من قرى ريف حلب الجنوبي تقيم في مخيم البركة بدير حسان (شمال إدلب)، فتخرج كل صباح باكراً إلى الجبال لجمع نبتة الخبيزة التي تعد أكلة شعبية بالنسبة للسورين. وبعد أن تتمكن من قطاف كمية من الخبيزة، تذهب إلى سوق مدينة الدانا (شمال إدلب) لبيعها، والحصول على مبلغ من النقود يؤمن قوتها وقوت ابنتها التي بقيت في الخيمة.
وتضيف أنه ليس لها أي مصدر رزق آخر، ولم تتمكن منذ أن نزحت (قبل 3 أعوام) من الحصول على سلة غذائية من أي جهة إنسانية، حتى اضطرت إلى بيع خاتم وإسوار من الذهب كانت قد تحفظت عليها لسنوات، الأمر الذي أجبرها في النهاية إلى الخروج كل يوم صباحاً لتتجول في الجبال والسهول وتقطف ما يقارب 4 كلم من نبتة الخبيزة المنتشرة هنا وهناك، ثم تبيعها بقيمة 10 ليرات تركية، والعودة إلى الخيمة في الظهيرة مصطحبة معها ما تيسر من غذاء بقدر ما تمكنت من الحصول عليه من نقود.
ويقول «أبو شعلان»، مدير مخيم الكرامة في كفرلوسين، إن «مخيم الكرامة يأوي 300 أسرة، معظمها فقدت الأب أو المعيل في الحرب. وتم إنشاء المخيم منذ أكثر من عامين، وحتى الآن لم يدرج اسم المخيم على قوائم أي منظمة أو جهة إنسانية للحصول على المساعدات الإنسانية، رغم مناشدتنا المتكررة للمنظمات والجهات المسؤولة».
ويضيف: «تردي أوضاع هذه الأسر في المخيم دفعها إلى ممارسة أعمال وأشغال شاقة خطيرة في كثير من الأوقات، منها تكسير ثمار الجوز للتجار والمستوردين، وأيضاً جمع البلاستيك والنايلون من أماكن تجمع القمامة والنفايات، مقابل الحصول على النقود والأجور التي تعينهم على متطلبات الحياة، كالغذاء والأدوية».
ولفت إلى أنه يعلم بإصابة طفل أو امرأة كل يوم أو يومين، إما بحادث سير أو مرض جلدي أو تنفسي، نتيجة ممارستهم للأعمال الشاقة الخطيرة والتجول في الشوارع والأسواق والمدن لجمع البلاستيك والنايلون.
ويقول نشطاء ميدانيون إن «هناك مئات المخيمات التي تأوي آلاف النازحين في مخيمات الشمال السوري منذ ما يقارب 3 أعوام لم تحصل على أي مساعدة إنسانية، مما فاقم أوضاعهم الاقتصادية والإنسانية، وجعلهم يمارسون أعمالاً خطيرة مقابل الحصول على مردود مادي يؤمن عيشهم في الحد الأدنى».
وطالبوا المنظمات والجهات الإنسانية بوضع خطة إنسانية عاجلة لمساعدة النازحين، وحمايتهم من المخاطر (خصوصاً الأطفال) التي تتمثل بانحرافهم، لافتاً إلى أن «كثيراً من الأطفال تسول لهم أنفسهم السرقة والتسول في المدن والأسواق، مقابل الحصول على النقود لمساعدة أهاليهم، وبالتالي يشكل هذا الأمر خطراً مباشراً يهدد مستقبلهم».



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.