في وقت تعد فيه السلطات الإسرائيلية لخطوات عملية باتجاه معاقبة قادة السلطة الفلسطينية، باعتقالهم وتقييد تنقلاتهم، انتقاماً منهم على رفع دعاوى ضدها إلى محكمة لاهاي للجنايات الدولية، باشرت الدوائر الحكومية في تل أبيب البحث في وسائل مواجهة قرار المحكمة قبول التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقالت مصادر سياسية عليمة إن جهات رسمية في الحكومة، خصوصاً في وزارات الأمن والخارجية والقضاء، تتدارس سبل مواجهة هذه المحكمة، وإمكانية التأثير على الحقوقي البريطاني كريم أحمد خان الذي انتخب مدعياً عاماً جديداً للمحكمة الجنائية الدولية، لتغيير التوجه الذي تديره المدعية الحالية القاضية الغامبية فاتو بنسودا لمحاكمة إسرائيل.
وفي إطار هذه الجهود، تلتقي شخصيات إسرائيلية وغربية تعرف أحمد خان، لتوضح مضمون أفكاره. ومن بين الشخصيات التي تم اختيارها لذلك المحامي الإسرائيلي نيك كاوفمان الذي عمل في المحكمة الدولية، إلى جانب أحمد خان، على إجراء تحقيقات حول قضايا في ليبيا وكينيا. وقد امتدح كاوفمان كريم أحمد خان، وعده «محامياً قديراً نزيهاً ودبلوماسياً من الطراز الأول»، وأعرب عن اعتقاده أنه لن يتفوه بأي كلمة في الموضوع قبل أن يتولى منصبه رسمياً في يونيو (حزيران) المقبل.
وقال كاوفمان إنه يقدر أن «أحمد خان لن يغلق الملف ضد إسرائيل، كما يتمنى السياسيون والعسكريون الإسرائيليون، ولكنه في الوقت ذاته لن يجد نفسه ملزماً بموقف بن سودا وقراراتها، في حال وجد أن هناك خللاً في الجوانب المهنية والقضائية للقرار».
وسئل كاوفمان إن كان هناك مجال للتأثير عليه لتغيير النظرة حول الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، أو الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومدى وجود مخالفات جنائية فيها ترتقي إلى مستوى جرائم حرب، فأجاب: «عند أحمد خان توجد معرفة مهنية وسياسية تتيح له إجراء حسابات متوازنة؛ ربما تستطيع حكومة إسرائيل التأثير عليه في هذا المجال، ولكن هذا يكون بشرط: أولاً أن يتم الحوار معه، وليس مقاطعته. وثانياً طرح بدائل. وأنا لا أستبعد أن تكون أفضل الطرق إعلان إسرائيل عن ميزات جهاز القضاء لديها، والاستعداد لإعادة التحقيق في بعض القضايا، إذا لم تكن قد استنفدت كل الإمكانات القضائية فيها».
من جهة ثانية، يوجد اتجاه آخر في إسرائيل لاتخاذ نهج متطرف ضد المحكمة من جهة، وضد قادة السلطة الفلسطينية الذين بادروا إلى رفع القضايا من جهة أخرى. وحسب صحيفة «جيروسالم بوست» الإسرائيلية، الصادرة في القدس باللغة الإنجليزية، فقد عد المسؤولون الإسرائيليون أن الانضمام أحادي الجانب إلى المنظمات الدولية عموماً، وخصوصاً إلى معاهدة روما (التي أتاحت انضمام السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015. وبفضلها، قدمت الشكاوى بشأن جرائم حرب إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة)، هي كلها انتهاكات لاتفاقات أوسلو.
وأوضح هؤلاء المسؤولون أنهم سيردون على الفلسطينيين بالعملة نفسها. وتبين أن حكومة بنيامين نتنياهو كانت قد شكلت لجنة وزارية، برئاسة الوزير السابق زئيف إلكين الذي انشق عن الليكود وانسحب من الحكومة وانضم إلى حزب غدعون ساعر، استعدت منذ عدة شهور لمواجهة احتمال صدور قرار المحكمة الدولية، وأوصت بأن تفرض عقوبات على قادة السلطة الفلسطينية بشكل شخصي وبشكل جماعي. ومن بين هذه العقوبات: حرمان كبار المسؤولين الفلسطينيين من السفر إلى الخارج بحجة أنهم يهددون حرية تنقل المسؤولين الإسرائيليين والضباط العسكريين من خلال أوامر اعتقال محتملة لاعتقالهم أيضاً، واعتقال مسؤولين فلسطينيين بتهمة «التحريض على الإرهاب»، على أساس مبدأ «العين بالعين والسن بالسن»، فمقابل كل مسؤول إسرائيلي يعتقل بارتكاب جرائم حرب يعتقل مسؤول في السلطة الفلسطينية.
وأوصت لجنة إلكين كذلك بخطة بناء استيطاني انتقامية في الضفة الغربية، رداً على كل خطوة عدائية تتخذها السلطة الفلسطينية. ورفض مكتب نتنياهو تأكيد أو نفي هذه المعلومات، ولكن مسؤولاً حكومياً كبيراً قال، بحسب الصحيفة، إن إسرائيل «تبحث في كل الاحتمالات»، مضيفاً: «من الواضح أن قلقنا لا يتعلق فقط بإسرائيل والمحكمة، بل بسلوك الفلسطينيين، فهم الذين توجهوا إلى المحكمة».
يذكر أن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية قررت قبل 10 أيام قبول طلب المدعية العامة بن سودا التحقيق في جرائم الحرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية التي ارتكبت منذ 13 يونيو (حزيران) 2014، بما في ذلك الدعاوى القضائية المحتملة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء الأمن، وغيرهم من كبار المسؤولين في حكومته وجيشه خلال السنوات الست اللاحقة. وقد يعني ذلك اعتقالهم في أكثر من 125 دولة أعضاء في المحكمة. ويزعج إسرائيل بشكل خاص تأييد دول الاتحاد الأوروبي للمحكمة الجنائية الدولية بشكل قوي، وعدها -كما قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بيتر ستانو- في الأسبوع الماضي: «المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام فيها مؤسستان قضائيتان مستقلتان غير متحيزتين، وليس لهما أهداف سياسية للسعي وراءها، والاتحاد الأوروبي مؤيد قوي للمحكمة الجنائية الدولية واستقلالها».
إسرائيل تتحسب لـ{لاهاي» بمعاقبة قيادات فلسطينية
تقديرات ترجح أن المدعي الجديد في «العدل الدولية» لن يغلق ملف محاكمتها
إسرائيل تتحسب لـ{لاهاي» بمعاقبة قيادات فلسطينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة