الجزائر: تزايد التساؤلات حول «طول غياب» الرئيس

تزامناً مع عودة الجدل حول «مدى قدرته على الحكم»

الرئيس عبد المجيد تبون (إ.ب.أ)
الرئيس عبد المجيد تبون (إ.ب.أ)
TT

الجزائر: تزايد التساؤلات حول «طول غياب» الرئيس

الرئيس عبد المجيد تبون (إ.ب.أ)
الرئيس عبد المجيد تبون (إ.ب.أ)

فيما تتزايد تساؤلات الشارع الجزائري حول طول مدة غياب الرئيس عبد المجيد تبون عن البلاد وتسيير الحكم بسبب تدهور صحته، وخضوعه للعلاج في الخارج، شدد رئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، خلال اجتماع بكوادر عسكريين، على «التحلي بأعلى درجات الجاهزية» في مجال محاربة الإرهاب.
وكان الرئيس تبون قد صرح بمطار عسكري في الضاحية الجنوبية للعاصمة، وهو يستعد للسفر إلى ألمانيا للتداوي في 10 من يناير (كانون الثاني) الماضي، بأن مدة العلاج «ستستغرق وقتاً قصيراً» فقط، مبرزاً أنه «ربما» قد تجرى عملية جراحية على قدمه، المتأثرة من مضاعفات إصابته بفيروس كورونا. وفي 20 من الشهر نفسه، قالت الرئاسة إنه أجرى العملية «التي تكللت بالنجاح»، وأكدت أن تبون «سيعود إلى أرض الوطن خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك فور حصوله على موافقة الفريق الطبي»، الذي يشرف على علاجه.
وسافر تبون قبل ذلك إلى ألمانيا في 28 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للعلاج من «كوفيد - 19»، وعاد إلى بلاده بنهاية العام فقط من أجل توقيع قانون الموازنة لسنة 2021. والتوقيع على مرسوم الدستور الجديد. لكن سرعان ما عاد إلى ألمانيا لاستكمال العلاج. ولا يوجد في الرئاسة ولا في أي هيئة أخرى، حالياً، من يبدي إرادة للخوض في قضية «متى سيستأنف الرئيس نشاطه»، ولا بخصوص الحالة التي سيكون عليها في حال عودته.
وبات مؤكداً، بحسب أطباء، بأن فترة العلاج الثانية أظهرت بأن الفيروس ترك آثاراً خطيرة على الرئيس الذي يبلغ 75 سنة، والذي يعرف عنه شراهة في التدخين. وكنتيجة لذلك، عاد الجدل مجدداً حول مدى قدرته على الوفاء بأعباء الحكم، في ظل حالته الصحية، التي تحيل الجزائريين إلى سنوات مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
فمنذ عامين، خرجت البلاد من أزمة كبيرة، سببها انسحاب بوتفليقة من المشهد بسبب مرضه الذي دام ست سنوات كاملة. وخلال هذه المدة انتقل الحكم بشكل غير رسمي إلى شقيقه الأصغر، وبضعة رجال أعمال يوجدون حالياً في السجن بتهم فساد. ولذلك تتجدد المخاوف من أن يتكرر نفس السيناريو في الوقت الحالي.
ويبذل رئيس الوزراء عبد العزيز جراد وقائد الجيش سعيد شنقريحة، جهوداً لملء الفراغ، الذي خلفه غياب تبون، وذلك بتكثيف تنقلاتهم بين المناطق والإكثار من التصريحات، مع الحرص على تغطية وسائل الإعلام الحكومية أنشطتهم.
على صعيد آخر، قال الفريق شنقريحة، أمس، أثناء وجوده بمنشأة عسكرية شرق البلاد إن «النتائج الإيجابية المحققة في مجال مكافحة الإرهاب عبر كافة النواحي العسكرية، تميزت بالتصدي الصارم لكل محاولات تسليح الإرهاب وتموينه وتمويله. إلى جانب ضرب شبكات دعمه، وإسناده من تجار المخدرات ورؤوس الجريمة المنظمة». مبرزاً أنها «نتائج تشهد جميعها على حجم الجهود الصادقة والمخلصة، التي ما فـتئـنا نـبذلها في الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، بحرص شديد، رفقة كافة الأسلاك الأمنية الأخرى، في ظل توجيهات رئيس الجمهورية».
وأكد المسؤول العسكري أن «هذه الجهود يشهد لها الحس المهني الرفيع والمسؤول، الذي أصبح يمـيـز أكثر فأكثر عمل كافة المعنيين بمكافحة هـؤلاء المجرمين، وتشهد لها تلك الروح الانضباطية، لتطهير أرض الجزائر من الإرهاب الهمجي، وتعميم نعمة الأمن والأمان والاستقرار في جميع ربوع الوطن».
وأضاف مخاطباً الكوادر العسكريين: «يجب أن يعي كل فرد من أفرادنا العسكريين، بأن حجم الرهانات التي يتعين كسبها، وطبيعة التحديات الواجب رفعها، تقتضي العمل بإصرار شديد، على اكتساب أعلى درجات الجاهزية القتالية والعملياتية، والتحلي بأعلى درجات اليقظة والحيطة والحذر، حفاظاً على سيادة واستقرار بلادنا».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.