موظفو القطاع العام اللبناني يتهمون الحكومة بـ«استهداف مكتسباتهم» في الموازنة الجديدة

TT

موظفو القطاع العام اللبناني يتهمون الحكومة بـ«استهداف مكتسباتهم» في الموازنة الجديدة

حمل مشروع موازنة العام 2021 الذي أُحيل إلى رئاسة الوزراء، الأسبوع الماضي، مواد رأى فيها موظفو القطاع العام مسّاً بمكتسباتهم، ومحاولة لضرب هذا القطاع وتقويضه، ما دفعهم إلى الاعتراض والتلميح إلى اللجوء إلى الإضراب والاحتجاج في الشارع.
«في الوقت الذي كنا ننتظر فيه تصحيحاً لرواتبنا جاءت السلطة لتأخذ منا مكتسبات تتعلق برواتب التقاعد والمنح الدراسية ودرجة الاستشفاء»، تقول رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر، مضيفة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا يمكن وضع البنود المتعلقة بالقطاع العام الواردة في مشروع الموازنة إلا في إطار «ضرب القطاع من خلال ضرب موظفيه تمهيداً لإنهائه لمصلحة القطاعات الخاصة».
ويتضمن مشروع الموازنة مواد تخفض التصنيف الاستشفائي لموظفي الفئة الثالثة، من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثانية، وتجميد الإحالة على التقاعد لمدة ثلاث سنوات، بحيث يخسر مَن يتقدم خلالها بطلب إنهاء خدماته حقه في المعاش التقاعدي، ولا يحصل إلا على محسوماته التقاعدية، وحرمان ورثة المتقاعد المتوفى من المعاش التقاعدي إذا كانوا يحققون دخلاً ثابتاً له طابع الاستمرار حتى لو لم يكن من مصدر رسمي آخر، وخفضه إلى 40 في المائة للورثة الإناث، فضلاً عن مواد تنص على وقف المعاش التقاعدي للموظفين الجدد في الوظيفة العامة والاكتفاء بتعويض من الضمان الاجتماعي، ومواد تتحدث عن تخفيض أعداد الموظفين تدريجياً.
وتصف نصر هذه المواد بـ«المجحفة» وكأن الحكومة لا تستقوي إلا على الموظفين الحكوميين، الذين باتت رواتب عدد كبير منهم ومع تدهور قيمة الليرة اللبنانية، لا تساوي أكثر من 200 دولار، لافتة إلى أن هذه المكتسبات التي تريد الدولة اليوم أخذها ليست «هبة»، فالموظفون يدفعون، على سبيل المثال لا الحصر، 6 في المائة من رواتبهم للتقاعد عبر ضريبة الدخل.
وترى نصر أن الموازنة لم تتضمن أي بنود إصلاحية في وقت ينهار فيه الاقتصاد، ولم تتوجه إلى محاربة التوظيف العشوائي والزبائني غير الشرعي في الوزارات عبر تفعيل أجهزة الرقابة، ولكنها قررت ضرب الموظف الذي بات راتبه لا يكفيه أجرة مواصلات.
وتكلف مخصصات الرواتب والتعويضات في القطاع العام لبنان ثلث نفقاته العامة، فهناك 320 ألف موظف ثابت ومتعاقد تقريباً في هذا القطاع (مدني وعسكري) يكلفون الدولة 12 ألف مليار ليرة سنوياً (8 مليارات دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي) إذا أضفنا عليها كلفة المتقاعدين، أي ألف مليار ليرة شهرياً، حسب ما يوضح الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، مؤكداً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن القطاع العام في لبنان بحاجة إلى إعادة تنظيم وإلى تخفيف موظفين في بعض مؤسساته، إلا أن التوقيت الذي اختارته الحكومة غير موفق أبداً، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون مع تآكل رواتبهم وفقدانهم قدرتهم الشرائية، وكان الأولى مساعدتهم للخروج من الأزمة والالتفات إلى خطوات إصلاحية تُسهم في ذلك، لأن صرف الموظفين حاليا أو التضييق مالياً عليهم سيزيد الأزمة سوءاً.
ويصف شمس الدين إدراج هذه المواد في الموازنة بخطوة استباقية على الموظفين الذين قد يطالبون بتصحيح الأجور، فيتم الضغط عليهم بشكل يطالبون معه بما هو أقل مثل الإبقاء على مكتسباتهم، مع الإشارة إلى أن البنود التي تتعلق بالقطاع العام وكعدد آخر من بنود الموازنة (مثل البند المتعلق بالرفع التدريجي لتعرفة الكهرباء) تأتي في إطار ملاقاة بنود صندوق النقد الدولي الذي يقترح، حسب المعلومات، تقليص حجم القطاع العام إلى النصف، وبعض البنود في مشروع الموازنة الحالية هي مقدمة وتمهيد لذلك.
وفيما يخص أهمية الإجراءات الواردة في مشروع الموازنة والمتعلقة بتخفيض النفقات في القطاع العام، يوضح شمس الدين أنها بالطبع ستوفر النفقات على خزينة الدولة ولا سيما على المدى البعيد.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.