«مذكرات سجين»... النواة الأولى لأدب السجون في السردية العربية

حققها وليد كساب في حلة جديدة بعد قرن على طبعتها الأولى

«مذكرات سجين»... النواة الأولى لأدب السجون في السردية العربية
TT

«مذكرات سجين»... النواة الأولى لأدب السجون في السردية العربية

«مذكرات سجين»... النواة الأولى لأدب السجون في السردية العربية

يشكل كتاب «مذكرات سجين» لعبد الحميد عمار ما يمكن تسميته النواة الأولى لأدب السجون في السردية العربية الحديثة. ورغم صدوره قبل أكثر من قرن، إلا أنه لم يفقد أهميته. وقد صدرت أخيراً طبعة جديدة من الكتاب عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ضمن سلسلة «ذاكرة الكتابة» بتحقيق مسهب ودراسة وافية للباحث وليد عبد الماجد كساب.
ولد صاحب المذكرات عبد الحميد عمار عام 1901 بقرية بيبان التابعة الآن لمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة. وعرفت أسرته بدورها الوطني والسياسي فوالده كان عضواً بأول مجلس نيابي مصري، أما جده لأبيه فكان أحد أعضاء الجمعية العمومية أو المجلس النيابي، وكان ضمن الجمعية الوطنية التي عقدت بالقاهرة إبان ثورة عرابي، واجتمعت على عزل الخديوي توفيق، وتأييد عرابي في مواجهة المحتل البريطاني. وكان عمه عبد الحميد بك عمار أحد رفقاء الزعيمين الوطنيين مصطفى كامل ومحمد فريد في جهادهما ضد الاحتلال البريطاني.
في هذا الوسط المشبع بروح الوطنية، نشأ عمار نشأة محافظة فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ثم التحق بمدرسة «المساعي المشكورة» بشبين الكوم بالمنوفية، وهناك كان له نشاطه في مقاومة المحتل الإنجليزي. ومع اشتعال ثورة 1919 وهو آنذاك طالب في الثانوية كانت له مساهمته في إذكائها بمحافظتي المنوفية والغربية، ثم عاد إلى بلدته بالبحيرة، فجمع الثوار وحاصروا مركز الشرطة بكوم حمادة يوم 19 مارس (آذار) 1919 مطالبين برحيل البريطانيين.
وحسب رواية الأسرة، فإن عبد الحميد عمار حاصر المعسكر الإنجليزي الذي كان مقاماً في سوق القرية، لكن عائلة منافسة لهم قامت بتهريب المفتش الإنجليزي في زي امرأة، وأطلقت عليه أعيرة نارية، واتهمت عبد الحميد بإطلاق النار على المفتش، وبعد محاصرة القرية بأكثر من ألف جندي إثر وشاية من بعض أهلها، وقيل إن من بينهم أقارب له، لم يجد عمار بداً من تسليم نفسه.
بدأت محاكمة عبد الحميد عمار أمام محكمة عسكرية بدمنهور في 24 أبريل (نيسان) 1919 وبعد أربعة أيام صدر عليه حكم بالإعدام، ثم خفف الحكم بعد أربعة أيام إلى السجن مع الأشغال الشاقة المؤبدة، لكن أفرج عنه في 5 يوليو (تموز) 1924 بعد أربعة أعوام ونصف العام تقريباً.

يوميات العذاب
وحسب تحقيق وليد كساب، تبلغ عدد صفحات مخطوط المذكرات 138 صفحة كتبت في كراس مسطر مقاس 15× 21 سم بغلاف متهرئ من ورق مقوى ذهبت الأيام بلونه. وينقسم الكتاب إلى جزأين يسبقهما إهداء للرئيس جمال عبد الناصر، ثم تبدو هناك صفحة مفقودة ثم قصيدة من نظم الكاتب في صفحة مرقمة تحت رقم 2، ثم التقديم، وهو إهداء في عدة سطور وتليه مقدمة ثانية أطول وقد ذيل بعض كتاباته بتوقيعه عبد الحميد عمار 516، وهو رقمه في السجن كما يبدو من الصورة التي أرفقها بالكتاب. ويأتي القسم الأول تحت عنوان «فذلكة تاريخية»، ويتكون من ثمانية فصول يذكر فيها طرفاً من معاناة مصر تحت الاحتلال البريطاني وبعض الذكريات عن ثورة 1919 قبل يوم 1 مارس الذي يراه المؤلف يوماً فاصلاً في تاريخ المحروسة. أما القسم الثاني فيشمل الفصول من التاسع حتى نهاية الكتاب، ويسرد فيه ذكرياته الأليمة في السجن وما لاقاه مع زملائه في النضال ضد المحتل البريطاني.
تكشف المذكرات عن أهمية تاريخية وأدبية كونها حلقة متقدمة من أدب السجون، وأيضاً كونها مذكرات لأحد الطلاب، وهي الشريحة التي حملت مشاعل الثورة، كما أن هذه المذكرات مكتوبة بأسلوب أدبي عال ينبئ عن قراءات واسعة لكاتبها واطلاع على أهم ما أنتجه الأدب في ذلك الوقت.
فتحت عنوان «يوم الحساب 17 مارس 1919»، نقرأ في المذكرات كيف أنه على أثر القبض على الزعيم الوطني سعد باشا زغلول ثارت الأمة واضطربت الأفكار فيها، حيث كان عبد الحميد عمار يومئذ في مدرسة المساعي الثانوية بشبين الكوم. سافر في تلك الليلة إلى القاهرة ومعه محروس باشا حبيب، ليستطلعا جلية الأمر، ويتحريان الظروف ويتلقيان التعليمات، فإذا الشعور واحد يؤذن بشر مستطير. وإن هي إلا عشية وضحاها حيث كانت مصر الآمنة شعلة من جحيم يتأجج، وإذا بذلك الشعب المستكين في ثورة تؤذن بألا تبقي ولا تذر.
وعلى حد تعبير صاحب المذكرات، كانت 1919 ثورة شعبية، اشترك في إضرام لهيبها وتزكيته، العالم والجاهل والخفير والأمير، لا دافع للجميع إلا نصرة، فكنت ترى مصر ريفها وصعيدها على ساق وقدم ينادون بالحرية وينشدون الاستقلال. واكتسح ذلك السيل العرم تلك الحكومة القائمة على عماد الحماية الأجنبية، فعطل دورها، وأقفل دواوينها، ومشي أعضاؤها مع الشعب يشاركونه شعوره.
كان عمار آنذاك في أوائل عهده بصياغة الشعر، فأدلى بدلوه ونظم محرضاً في أحد المنشورات القصيدة التالية التي كانت من أسباب إثبات تهمة التحريض عليه، وكانت أحد أسانيد الادعاء ضده، ولم ينكرها:
عار علينا أن نذل وغيرنا
بذل الدما وبغيرها لم يقنعْ
فيم السكوت مع المذلة والشقا
هيهات نرجع مجدنا بالأدمعْ
يقول عمار معلقاً على تعديل الحكم للأشغال الشاقة بقية حياته وخلعه الثوب الأحمر الخاص بإعدامه واستبداله بآخر أزرق خاص: «والله لم أحس أي فرق بين الحكمين، بل لعلي أتعجل الإعدام لأستريح من حالة القلق الذي كنت أعانيه، وليعذرني القارئ في عجزي عن وصف شعوري حين ذاك ولعل الله شاء أن يطيل عذابي ليجزل ثوابي فعلى قدر المشقة تكون المثوبة!».
ويصف ليلته الأولى في السجن قائلاً: «قضيت ليلة ليلاء لا فراش ولا غطاء ولا إزار ولا ماء وسلبوا مني قبل الدخول ما زودني به أبي من متاع وزاد، وأصبحوا بي إلى سجن الاستئناف، فقضيت عشرة أيام كاملة وقام بي الحراس ومن معي من معتادي الإجرام. وكنا نزيد على العشرين إلى ليمان أبي زعبل وكان الخط الحديدي الموصل إلى هناك قد عبثت به يد الثورة فأركبونا عربات مدرعة إلى بلدة الخانكة وهناك تسلمنا الحراس وكنا حفاة عراة إلا من أسمال خلقة لا ترد الهجير ولا تقي الزمهرير».
وحين انتقل إلى سجن أبو زعبل يروي صاحب المذكرات يومياته، مشيراً إلى أن عمله كان ينحصر في حمل الصخور من باطن الأرض إلى سطحها على ارتفاع لا يقل عن خمسين متراً، ومن ورائه السجانون غلاظ شداد يفعلون ما يؤمرون وزيادة. «ولرب قارئ يظن أن الجبل في سجن أبي زعبل مرتفع عن سطح الأرض مثل طرة ولكن لا، في أبي زعبل الجبل عبارة عن منجم في باطن الأرض وحجره أسود يستعمل في رصف الشوارع وتبلطيها».
في بداية الأمر شاقه الجبل ومنظره فلما عاينه وحمل الحجر هاله الأمر وفكر في الهروب والعصيان، فلا قانون هناك ولا عدالة باستثناء قرائح السجانين.

حياة بعد الخروج
ويؤكد الباحث وليد كساب في دراسته الملحقة بالكتاب أن عبد الحميد عمار عانى من التهميش كغيره ممن قامت على أكتافهم ثورة 1919 في ظل استئثار فئة بعينها بمكاسبها، لافتاً إلى إشارة الكاتب الصحافي الراحل مصطفى أمين لذلك التجاهل والتهميش في كتابه المهم عن ثورة 1919 بقوله «ولعل من أخطاء ثورة 1919 أنها نسيت الذين عرضوا حياتهم للخطر، والذين وضعوا رؤوسهم على أكفهم والذين داعبت أعناقهم حبال المشانق. ولقد كانت وجهة نظر الثورة يومها أن العمل الوطني يجوز أن يدفع عنه ثمن ولكن الذي يحدث أن المتسلقين والانتهازيين كانوا هم الذين يصعدون إلى المناصب الكبرى».
مع قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، وتصدر الضباط الأحرار المشهد أحس عمار بشيء من البهجة، وبأن تضحياته هو ورفاقه لم تذهب سدى، وأن السنوات الشاقة التي قضوها في السجن قد آتت أكلها، بعد حين عول على الرئيس جمال عبد الناصر كثيراً. لكن آماله سرعان ما تبخرت. ويذكر الكتاب أن عمار أراد أن يلتقي أياً من الضباط الأحرار، وطلب مساعدة ابن عمه الفريق عبد الواحد عمار مدير الكلية الحربية بعد قيام الثورة، فأعد له لقاء مع المشير عبد الحكيم عامر، وحدث اللقاء، وحمي الوطيس، وأسفر عن مشادة بين الثائر القديم والمشير، مما جعل عمار يعود غاضباً غير مؤمل في تقدم البلاد بسب عدم وضوح رؤية الضباط، وقال: «إن أخوف ما أخاف ألا ينعم الناس بالحرية والاستقلال الحقيقي، وأن يزدادوا فقراً ويقيدوا بقيود الوطن بدلاً من قيود الاحتلال».
لازم عمار شعور بالأسى على الوطن، وما آلت إليه أحواله، ولذا نجده في نهاية كتابه يبث حزنه وغضبه وينعى وطناً فتح ذراعيه للانتهازيين وأصحاب المصالح على حساب الشرفاء!



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».