هل يتغير المشهد السياسي في تونس بعد فشل إسقاط حكومة المشيشي؟

قياديون من المعارضة يتوقعون إخفاق الحكومة الجديدة واستفحال الاضطرابات الاجتماعية

هشام المشيشي رئيس الحكومة (أ.ب)
هشام المشيشي رئيس الحكومة (أ.ب)
TT
20

هل يتغير المشهد السياسي في تونس بعد فشل إسقاط حكومة المشيشي؟

هشام المشيشي رئيس الحكومة (أ.ب)
هشام المشيشي رئيس الحكومة (أ.ب)

صادق البرلمان التونسي، ليلة أول من أمس، بأغلبية فاقت التوقعات على الوزراء الـ11 الذين عيّنهم رئيس الحكومة هشام المشيشي، بعد تعديل واسع انتقده الرئيس قيس سعيد علناً في كلمة توجه بها للشعب.
وتسببت انتقادات سعيد العلنية لرئيس الحكومة وللبرلمان أمام كاميرا وسائل الإعلام في توسيع الحزام السياسي المساند للمشيشي، حيث ناهزت نسبة المصوتين لصالح حكومته الجديدة ثلثي أعضاء البرلمان، ولم يعارضها إلا نحو 50 نائباً من بين أعضاء البرلمان الـ217. وهو ما عدّه مراقبون بمثابة توجيه رسالة سياسية واضحة، ورد صريح على «المواقف الشعبوية للرئيس سعيد»، بحسب تصريح عياض اللومي، البرلماني عن كتلة حزب قلب تونس. كما ساهمت الانتقادات الحادة، التي أدلى بها رئيس الجمهورية ضد رئيس الحكومة، في إحداث «مصالحة بين الفرقاء» داخل البرلمان، بما في ذلك بين الكتل البرلمانية، التي حاولت مطلع الصيف الماضي سحب الثقة من راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية ورئيس البرلمان، وبين معارضيها. كما شملت المصالحة أيضاً كتلة «ائتلاف الكرامة»، بزعامة المحامي «الراديكالي» سيف الدين مخلوف، التي توترت علاقتها مؤخراً برئيس البرلمان، والتي سبق أن أعلنت أنها لن تمنح ثقتها لحكومة المشيشي. غير أن المشيشي استقبل 10 نواب من هذه الكتلة، وقدم لهم «تطمينات» ليضمن أصواتها. وهو ما اعتبره عدد من الملاحظين بمثابة تشكل لمشهد سياسي جديد في تونس.
ويرى ملاحظون للشأن السياسي المحلي، أن مفعول الانتقادات العلنية، التي وجهها سعيّد لرئيس الحكومة وللبرلمان قبل جلسة منح الثقة للوزراء الجدد، «جاء عكسياً»، حيث وظفها خصومه الذين ربطوا بينها وبين «فيديو» نُشر في صفحة رئاسة الجمهورية الرسمية، بخصوص زيارة الرئيس إلى حي «التضامن» الشعبي في العاصمة، الذي شهد مواجهات عنيفة مع قوات الأمن قبل أسبوع. ونقل «الفيديو» مشاهد شباب محسوب على «تنسيقيات الرئيس»، يرفع شعارات تدعو إلى حل البرلمان والأحزاب، دون أن يعترض قيس سعيد على ذلك.
وردت شخصيات سياسية قيادية بعنف على نشر «الفيديو» في صفحة رئاسة الجمهورية، حيث وصف البرلماني عياض اللومي، ووزير الخارجية السابق، القيادي في «النهضة» رفيق عبد السلام، الدعوة إلى حل الأحزاب والبرلمان بـ«الفاشية والعداء للديمقراطية». كما اتهم قياديون من أحزاب «قلب تونس» و«النهضة» و«ائتلاف الكرامة» الرئيس بالوقوف وراء بعض الاضطرابات، من خلال بعض «المواقع الاجتماعية والمجموعات الشبابية والنقابية القريبة منه». منتقدين تبني الرئيس في كلمته العلنية خلال اجتماع «مجلس الأمن القومي» الاحتجاجات، وتبريرها بـ«فشل الحكومة والبرلمان».
بدوره، استغرب الخبير القانوني، هيكل بن محفوظ، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تصريحات سعيد، «التي تدفع إلى تصنيف رئيس الدولة ضمن قيادة المعارضة، بينما يفرض عليه الدستور (الحياد التام، وألا يكون طرفاً في النزاعات السياسية)». ولذلك؛ يطرح أكثر من سياسي هذا التساؤل الملح: كيف ستخرج تونس من نفق التجاذبات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية من جهة، وبين رئيس الدولة والبرلمان من جهة ثانية؟ وهل سيرضخ سعيّد إلى قرار البرلمان، الذي انحاز إلى رئيس الحكومة؟ أم سيتمادى في «خلط الأوراق»، ويرفض أن يؤدي الوزراء الجدد اليمين أمامه؟
كبار خبراء القانون الدستوري، ومن بينهم الوزير السابق والخبير الدولي رافع بن عاشور، والجامعي كمال بن مسعود، وعضو هيئات التحكيم الدولية هيكل بن محفوظ، أوردوا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الدستور ينص على أنه من بين واجبات رئيس الدولة «الإشراف على موكب أداء اليمين الدستورية». كما اعتبر رافع بن عاشور، أن «تعطيل أداء الوزراء لليمين الدستورية سيعدّ خطاً جسيماً». وحسب الفصل 80 من الدستور يمكن لأغلبية النواب إصدار «لائحة إعفاء رئيس الجمهورية من مهامه من أجل الخرق الجسيم للدستور».
وهو ما أكده الخبير بن محفوظ. لكنه سجل أن «هذا السيناريو غير وارد حالياً؛ لأن المصادقة على قرار إقالة الرئيس يجب أن تصدر عن المحكمة الدستورية»، التي لم تكتمل بعد عملية انتخاب أعضائها.
في المقابل، توقع قياديون من المعارضة، مثل الوزير السابق محمد عبو، والبرلماني علي بن عون، وزعيم حزب العمال الشيوعي حمة الهمامي، أن تفشل الحكومة الجديدة في التحكم في المشهد السياسي، وأن تستفحل مجدداً الاضطرابات السياسية والاجتماعية. كما شكك الإعلامي والأكاديمي نصر الدين بن حديد في فرص استقرار المشهد «في المرحلة المقبلة، رغم المصادقة على الحكومة الجديدة، التي كرست «زواجاً سياسياً بين (النهضة) وحلفائها (الثوريين) مع الدولة العميقة»، على حد تعبيره.



اليمن يغلق منفذاً آخر لتهريب المهاجرين غير الشرعيين

ضبط المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن (إعلام حكومي)
ضبط المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن (إعلام حكومي)
TT
20

اليمن يغلق منفذاً آخر لتهريب المهاجرين غير الشرعيين

ضبط المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن (إعلام حكومي)
ضبط المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي إلى اليمن (إعلام حكومي)

أغلقت السلطات اليمنية منفذاً آخر لتهريب المهاجرين من القرن الأفريقي وضبطت أكثر من 560 منهم خلال أقل من أسبوع، وذلك بعد أيام منذ غرق أكثر من 180 شخصاً أثناء محاولتهم الوصول إلى البلاد عبر طريق استُحدث بعد إغلاق الطريق الرئيسي الواقع على سواحل محافظة لحج غرب مدينة عدن.

وذكرت وزارة الداخلية اليمنية أن قوات خفر السواحل ضبطت قارباً يحمل 194 مهاجراً غير شرعي وصلوا إلى سواحل مديرية رضوم بمحافظة شبوة، وهو الطريق الثاني المعروف لتهريب المهاجرين منذ سنوات عديدة، وبيّنت أن أغلب المقبوض عليهم من الجنسية الإثيوبية، 46 رجلاً و70 امرأة و5 أطفال، إلى جانب 73 شخصاً من حملة الجنسية الصومالية، معظمهم من الذكور.

ووفق الإعلام الأمني، اتخذت الشرطة الإجراءات القانونية حيال هذه المجموعة من الواصلين الجدد، لينضموا إلى من سبقهم؛ حيث تم اعتراض 3 قوارب كانت تحمل 374 مهاجراً غير شرعي من القرن الأفريقي خلال أسبوع واحد.

وقام المهربون - بحسب البيان - بتحويل رحلاتهم نحو محافظة شبوة بعد إغلاق الطريق المؤدي إلى محافظة لحج، الذي كان يُعد الشريان الرئيسي لرحلات المهاجرين من القرن الأفريقي إلى اليمن ومنها إلى دول الجوار العربي.

مهربو الأفارقة إلى اليمن اتجهوا إلى سواحل شبوة بعد إغلاق سواحل لحج (إعلام حكومي)
مهربو الأفارقة إلى اليمن اتجهوا إلى سواحل شبوة بعد إغلاق سواحل لحج (إعلام حكومي)

وكان قاربان يحملان أكثر من 180 مهاجراً قد انقلبا، الأسبوع الماضي، قبالة سواحل مديرية ذو باب في محافظة تعز اليمنية وسط أحوال جوية لم تشهدها المنطقة منذ سنوات، عندما كانت المجموعة في محاولة للقيام برحلة خطيرة من القرن الأفريقي؛ حيث غرق المركبان في البحر الهائج، وهو خطر معروف خلال هذا الموسم. وكان من بين من كانوا على متنهما 124 رجلاً و57 امرأة على الأقل. وتم إنقاذ يمنيين اثنين من أفراد الطاقم.

ومع تأكيد المنظمة الدولية للهجرة عدم العثور على أي جثث حتى الآن، بيّنت أن الحادثة وقعت نتيجة تجاهل المهربين الاستجابة لتحذيرات الطقس الصادرة عن هيئة الطيران المدني والأرصاد الجوية في اليمن، التي نصحت بعدم السفر بسبب الرياح القوية والأمواج العالية. ونقلت عن مهاجرين وصلوا إلى نقاط الاستجابة للمهاجرين في اليمن أن المهربين أصبحوا أكثر تهوراً؛ حيث يرسلون القوارب رغم علمهم بالظروف الخطرة لتجنب الدوريات.

أوضاع مأساوية

بحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن الناجين من رحلة العبور إلى اليمن غالباً ما يجدون أنفسهم عالقين في أوضاع مأساوية. فالمهاجرون الذين يعبرون البلاد يتعرضون بشكل متكرر للعنف والاحتجاز والعمل القسري وأشكال أخرى من الاستغلال. كما يواجه كثيرون الاختطاف والابتزاز على يد المهربين والجماعات المسلحة، بينما تتقطع السبل بآخرين دون وسيلة لمواصلة رحلتهم أو العودة إلى ديارهم.

وعلى الرغم من هذه المخاطر، يواصل الآلاف القيام بهذه الرحلة كل عام؛ حيث وصل أكثر من 60 ألف مهاجر إلى اليمن في العام الماضي فقط. ومنذ عام 2014، سجل مشروع المهاجرين التابع للمنظمة وفاة أكثر من 3400 حالة واختفاء على طول الطريق الشرقي، بما في ذلك أكثر من 580 امرأة و100 طفل، وكان الغرق سبباً في 1400 من هذه الوفيات.

تحذير أممي من مغامرات المهربين وسط سوء الأحوال الجوية (إعلام حكومي)
تحذير أممي من مغامرات المهربين وسط سوء الأحوال الجوية (إعلام حكومي)

وتعهدت المنظمة بمواصلة تقديم المساعدات المنقذة للحياة للمهاجرين في اليمن، بما في ذلك الغذاء والرعاية الطبية وخدمات الحماية والعودة الإنسانية الطوعية. ومع ذلك، أكدت أن حجم الاحتياجات يتجاوز بكثير الموارد المتاحة.

وذكرت أنه ومع الانخفاض الذي أثر بشدة على الجهود الإنسانية، تخشى أن يظل المزيد من المهاجرين عالقين إلى أجل غير مسمى في اليمن، مع القليل من الوصول إلى الغذاء أو المأوى أو الرعاية الطبية.

وفي ظل تدهور الوضع الإنساني في اليمن بشكل عام، حثّت المنظمة الدولية للهجرة على اتخاذ إجراءات دولية أكبر لحماية المهاجرين ومعالجة الدوافع الأساسية للهجرة غير النظامية، وقالت إن هناك حاجة إلى دعم عاجل لإنشاء مسارات هجرة أكثر أماناً ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.