سالزبورغ.. مدينة كل المواسم والفنون

موطن موتزارت واختيار كارل لاغرفيلد

سالزبورغ.. مدينة كل المواسم والفنون
TT

سالزبورغ.. مدينة كل المواسم والفنون

سالزبورغ.. مدينة كل المواسم والفنون

يميز مدينة سالزبورغ النمساوية كونها مميزة في كل موسم من مواسم السنة، فهي صيفا خضراء تكسوها الزهور والورود، أما شتاء فهي بيضاء تكسوها الثلوج التي تصبح مصدر دخل في أروع مواقع التزلج بجبال الألب. ولكم أن تتخيلوا ربيع المدينة وهي تتدلل بين الفصلين بينما تداعبها الأمطار خريفا يزيدها رونقا وبهاء.
سالزبورغ هي عاصمة إقليم سالزبورغ شمال غربي النمسا، ورابع كبرى المدن النمساوية، والمنافس الأول للعاصمة فيينا من حيث كم الفعاليات الثقافية وجذب السياح كونها مسقط رأس ولفغانغ أماديوس موتزارت أشهر الموسيقيين النمساويين على الإطلاق.
في الماضي كانت سالزبورغ تتمتع بثراء لا تزال آثاره بادية في أبنيتها وقصورها، هذا ويعود ثراء سالزبورغ أساسا إلى ينابيع جبلية ملحية جعلتها مصدرا للملح أو «الذهب الأبيض»، ولا تزال سالزبورغ تهتم بالملح وإن أصبحت ذات الجبال دعامة ثروة سياحية وعلاجية ورياضية أكثر حداثة.
ومعلوم أن منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون (اليونيسكو) قد اختارت في عام 1997 قلب سالزبورغ القديم كإرث ثقافي عالمي تقديرا وحفاظا على جمال يجمع بين الأصالة والحداثة، إذ يتمتع مركزها بأزقة قديمة ضيقة تستضيف في تنسيق راقٍ أفخم المحال التجارية محاطة بمبانٍ تاريخية يحمل معظمها طابع الهندسة المعمارية الباروكية محفوفا بالجبال والكاتدرائيات والقلاع التي يعود تاريخ إنشائها إلى قرون خلت ككاتدرائية سالزبورغ التي بنيت في عام 676، وقلعة هوهن سالزبورغ التي يعود تاريخها لعام 1077، وتعتبر واحدة من أهم القلاع عالميا وأكبر حصن في أوروبا الوسطى.
يتنوع جمال سالزبورغ جغرافيا وتاريخيا ومعماريا وثقافيا وهذا واضح من خلال ما تشهده من أحداث وما تستضيفه من مناسبات في أيامنا هذه، مما ينعكس بدوره على نوعية واهتمامات زوارها من سياح أو رجال أعمال.
تستقبل سالزبورغ الحشود السياحية صيفا للاستمتاع ببحيراتها (المثلث الذهبي)، حيث المياه رائقة زرقاء صافية نقية تحرسها الجبال وسهولها الخضراء.
وللمياه في سالزبورغ سحر خاص، ولهذا ينصح سكان المدينة زوارها بأن يختبروا المياه بمختلف أشكالها سواء خلال نزهة في بحيرة أو رحلة مشي تحت المطر أو من خلال تسلق الجبال والتمتع برياضة التزلج على الثلوج التي تكلل قمم الألب.
وتعتبر بحيرة «سيل إم سي» الأكثر جذبا للسياح، خصوصا الخليجيين والألمان، بينما تزداد أهمية السياحة العلاجية عاما تلو عام، خصوصا مع توسع المصحات الجبلية وأروقة الشفاء في الكهوف التي تعتمد أساسا على غاز الرادون وإشعاعاته بنسب مضبوطة ومحسوبة بدقة والرطوبة والحرارة لتنشيط قوى الشفاء الذاتي الطبيعية الخاصة بالجسم.
وبجانب دعوة سالزبورغ لزوارها للاستمتاع بجمالها وخيراتها الطبيعية صيفا فإنها لا تهمل دعوتهم للاستمتاع كذلك بمهرجانها الصيفي الثقافي السنوي الذي بدأ أول عروضه صيف سنة 1920.
شتاء، تتحول سالزبورغ لعروس تلبس «الأبيض» وتحتفي بالثلوج وتستمتع بالتزحلق والرياضات الشتوية إذ تتجمد بعض أنهارها بينما تساعد أسطح الجبال على التزحلق ومنحدراتها على التزلج.
وما بين بياض وخضرة وبانوراما مناظر تخلب الألباب وتاريخ معماري عريق نجح قبل أيام المصمم الألماني الأشهر كارل لاغرفيلد في وضع سالزبورغ في مقدمة مدن الموضة عالميا، إذ اختارها موقعا لإقامة عرضه لدار شانيل Paris - Salzburg 2014 / 15 في Métiers d'art مستلهما تصميمات وقصات ملبوساته من نقوشات ورسومات وخياطات ملابس سالزبورغية تقليدية.
ليس ذلك فحسب، بل قام لاغرفيلد بإخراجه شريط فيديو بعنوان «الاستنساخ» قامت بتمثيله العارضة كارا ديلفين والمغني فاريل ويليامز وكأنهما الإمبراطورة سيسي والإمبراطور فرانس جوزيف، وجيرالدين شابلن وكأنها الآنسة شانيل، في مقطع طريف يظهر فاريل وكارا كعاملين في فندق، إذ يغفو عامل المصعد ويليامز ويتخيل نفسه الإمبراطور فرانس جوزيف والنادلة كارا الإمبراطورة سيسي فيراقصها ويهفو بها ومعها، وحين يصحو يعود لواقعه كعامل مصعد وسيم وجاد تراه جيرالدين شابلن التي تمثل دور مصممة الأزياء الشهيرة غابريال شانيل التي تعجب بقميصه ومنه تستوحي السترة أو «الجاكت» ذائع الصيت الذي صممته بعد إجازة قضتها عام 1954 بسالزبورغ وأمسى أيقونة في عالم الأزياء.
قدم لاغرفيلد عرض أزيائه في قصر ليوبولد اسكورن الذي شيد القرن التاسع عشر على طراز روكومو المعماري ويعتبر من أجمل القصور الخاصة في المدينة. وبالطبع حفت بالعرض مظاهر الفخامة والترف.
هذا وبينما ابتهجت المدينة ولا تزال مشغولة بعرض لاغرفيلد وبهرجته وفخامته، نجدها من جانب آخر تستمتع ببساطة وشعبية موسم التسوق الخاصة بأعياد الميلاد.
ولأسواق «الكريسماس» بسالزبورغ نكهتها المميزة ككل شيء بالمدينة التي تزداد تميزا، فأشهر أغاني عيد الميلاد قاطبة أو أغنية «Silent Night» تم تأليفها وأداؤها بسالزبورغ، ومنها انتشرت للعالم إذ تمت ترجمتها إلى 140 لغة، وقام بأدائها أشهر المغنين ومنهم بيونسيه وسيلين ديون وويتني هيوستن، بل وحتى الكونترا تينور لوشيانو بافاروتي وبلاسيدو دومينغو.
أما أجمل أداء ملائكي للأغنية عذب وبالغ الحلاوة فقد فازت به المغنية الاسكوتلندية سوزان بويل، تلك السيدة التي أذهلت العالم عند اكتشافها في برنامج تلفزيوني للمواهب.
وكما تقول الوثائق فإن الأغنية قام بأدائها ليلة الميلاد معلم اسمه فرانس اكسافر غروبر كان يجيد عزف الغيتار، وهي من كلمات كتبها باللغة الألمانية القس جوزيف موهر في عام 1818، وتضيف الوثائق أن القس جون فريمان نجح في ترجمتها للإنجليزية في عام 1859.
ووفقا لذات الوثائق فإن الكلمات الأصلية للأغنية كانت قد ضاعت ولم يتم استرجاعها إلا في ورقة عثر عليها في عام 1995 وتم التحقق والتأكد أنها بخط موهر وأن الخط يرجع إلى عام 1820.
ومرة أخرى لم تتوانَ اليونيسكو عن إبداء إعجابها واهتمامها بتراث سالزبورغ، إذ اعتبرت في عام 2011 أغنية «Silent Night» إرثا ثقافيا عالميا.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».