عملية احتجاز حارسين في أكبر سجون موريتانيا تنتهي بالإفراج عن 4 سلفيين

نفذها سجناء ينتمون لـ«القاعدة» ويواجهون أحكاما بالإعدام

جانب من إحدى العمليات التي تنفذها سلطات الأمن الموريتانية لضبط الإرهابيين ({الشرق الأوسط})
جانب من إحدى العمليات التي تنفذها سلطات الأمن الموريتانية لضبط الإرهابيين ({الشرق الأوسط})
TT

عملية احتجاز حارسين في أكبر سجون موريتانيا تنتهي بالإفراج عن 4 سلفيين

جانب من إحدى العمليات التي تنفذها سلطات الأمن الموريتانية لضبط الإرهابيين ({الشرق الأوسط})
جانب من إحدى العمليات التي تنفذها سلطات الأمن الموريتانية لضبط الإرهابيين ({الشرق الأوسط})

أفرجت السلطات الموريتانية، فجر أمس، عن 4 سجناء سلفيين، مقابل تحرير اثنين من حراس السجن المدني بنواكشوط، جرى احتجازهم من طرف عدد من السجناء السلفيين الغاضبين، بعدما اتهموا السلطات القضائية بالتقاعس عن الإفراج عن رفاقهم الأربعة، الذين أكملوا الفترة التي حُكم عليهم بها.
وقد شهد السجن المدني، الذي يعد أكبر سجون العاصمة نواكشوط، أحداث عنف ومواجهات بين الحراس، وأزيد من 10 سجناء سلفيين كانوا قد دخلوا منذ أيام في إضراب عن الطعام واعتصام مفتوح، طالبوا خلاله بالإفراج عن رفاقهم الذين أكملوا عقوبتهم، ولكن السلطات استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات لإنهاء اعتصامهم وإعادتهم إلى عنابر السجن.
وأفاد مصدر أمني مقرب من الملف تحدث إلى «الشرق الأوسط» بأن حراس السجن طلبوا من السجناء السلفيين إخلاء الممر الذي يعتصمون فيه، لكن السجناء كانوا مسلحين بالسكاكين، واعتدوا على 3 حراس واحتجزوا اثنين آخرين، وأشار المصدر، الذي طلب حجب هويته، إلى أن من بين المصابين واحدا أُصيب في الرأس، ووصف الأطباء إصابته بالخطيرة.
في غضون ذلك، نشر أحد السجناء السلفيين، يكني نفسه بـ«البتار أبو قتادة الشنقيطي»، صورة للحارسين، عبر صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وأرفقها بتعليق يقول فيه: «صورة المرتدين اللذين وقعا في قبضة أسود التوحيد بعد المواجهات التي وقعت بيننا وبينهم، حين حاولوا اقتحام السجن علينا بالقوة، ونحن نحمل الحكومة كل ما يحصل لهما إن ارتكبت حماقة أخرى». وأكد أحد السجناء في اتصال مع «الشرق الأوسط» من داخل السجن: «لقد كنا في اعتصام سلمي نطالب بحقنا الطبيعي، وهو تطبيق القانون والإفراج عن إخوتنا الذين أكملوا الحكم عليهم، ولكن السلطات لا تفهم إلا لغة القوة والعنف، وهو ما تعاملنا به معها».
وكان ضمن قيادة المجموعة التي احتجزت الحارسين، عدد من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، ومن أبرزهم الخديم ولد السمان، الذي يُوصف بأنه أمير خلية أطلقت على نفسها اسم «جند الله في أرض المرابطين» التابعة لـ«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وتعد هذه الخلية نواة تنظيم جهادي موريتاني، يضم عددا من الشباب، وقد اعتقلت السلطات أغلبهم في الفترة الممتدة ما بين 2007 و2009. ومن أشهر أعضائه سيدي ولد سيدينا، ومحمد ولد شبرنو، والمعروف ولد هيبة، منفذا عملية قتل السياح الفرنسيين عام 2007.
ونصّب ولد السمان نفسه متحدثا باسم مجموعة السجناء السلفيين، ودخل في مفاوضات غير مباشرة مع السلطات الأمنية والحكومة الموريتانية، بوساطة من نقيب المحامين الموريتانيين، الذي أبلغه ولد السمان بمطالب السجناء المتمثلة في الإفراج عن 4 من رفاقهم الذين أكملوا الفترات التي حُكم عليهم بها، بالإضافة إلى تحسين ظروف السجن.
وعقد وزيرا العدل والداخلية في الحكومة الموريتانية، وهما سيدي ولد الزين ومحمد ولد أحمد سالم ولد محمد راره، اجتماعا مطولا في مباني وزارة العدل لمناقشة مطالب السجناء، في حين اجتمعت القيادات الأمنية داخل السجن لبحث إمكانية استخدام القوة لتحرير الحارسين وإنهاء اعتصام السجناء.
وطوقت السجن الواقع في قلب العاصمة نواكشوط عدة وحدات أمنية من مختلف التشكيلات، وأعلن محيطه منطقة مغلقة، فيما تجمهر مئات المواطنين على أرصفة شارع جمال عبد الناصر الذي يقع عليه السجن الأشهر والأقدم في موريتانيا، وكان من بين الموجودين في المكان عشرات الأسر السلفية التي طالبت السلطات بالتعامل بشكل مرن مع أبنائها المسجونين، وقال والد أحد السجناء لـ«الشرق الأوسط»، كان يجلس رفقة زوجته وبناته غير بعيد من السجن «ابني مسجون منذ 5 سنوات، لم يكن عدوانيا ولن يكون، وأخاف أن يمسه مكروه خلال هذه الأحداث، وهناك سجناء حكم عليهم بالإعدام يحرضون البقية على العصيان، وهذا أمر خطير».
ومع حلول الساعات الأولى من صباح أمس، قررت السلطات الموريتانية الاستجابة لمطالب السجناء والإفراج عن 4 منهم، مقابل تحرير الحارسين، وهو ما تم على دفعتين، حيث أفرجت السلطات عن سجينين، خرجا برفقة حارس كان محتجزا لدى السلفيين، وبعد قرابة ساعة أُفرج عن السجينين الآخرين رفقة الحارس الثاني.
ولا تزال السلطات الموريتانية تلتزم الصمت حيال الأحداث التي عاشتها نواكشوط، وكانت مثار اهتمام كبير وجدل واسع لدى الرأي العام المحلي، حيث أبدى كثير من المواطنين رفض مبدأ التفاوض مع من وصفوهم بـ«الإرهابيين»، مؤكدين أن الحكومة ارتكبت خطأ كبيرا برضوخها لمطالب سجناء سلفيين، من ضمنهم من قتل جنودا ومدنيين موريتانيين، فيما يعتقد آخرون أن مسؤولية ما جرى تتحملها السلطات القضائية التي كانت تمارس «الحبس التحكمي» في حق سجناء أكملوا الفترة التي حكم عليهم بها.
وكانت السلطات الموريتانية قد أعادت قبل 6 أشهر السجناء السلفيين من سجن سري يقع في قاعدة صلاح الدين العسكرية، في أقصى شمال شرقي البلاد، وذلك بعد خضوعها لضغوط دولية، ومواجهتها لاتهامات بإقامة «غوانتانامو موريتاني» داخل أراضيها، وهو ما ظلت تنفيه، مؤكدة أن هؤلاء السجناء يشكلون خطرا على أمنها واستقرارها.
وسبق أن أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أن الهدف من نقل السجناء السلفيين، البالغ عددهم 14 سجينا، من السجن المدني، هو إبعادهم عن سجناء الحق العام، لأن تأثيرهم قوي عليهم، ومن الصعب مراقبتهم ومنعهم من التواصل مع العالم الخارجي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.