«الجزة الذهبية: مقالات» The Golden Fleece: Essays كتاب من تأليف الروائية والناقدة الاسكوتلندية ميريل سبارك Muriel Spark حررته وقدمت له بنيلوب جاردين Penelope Jardine وصدر عن دار النشر كاركانيت Carcanet بمانشستر.
وميريل سبارك قاصة وشاعرة ولدت في إدنبرة عام 1918. عاشت 6 سنوات في روديسيا متزوجة، ثم عادت إلى إنجلترا بعد طلاقها حيث رأست تحرير مجلة «بويتري رڤيو» في الفترة 1947 - 1949. ونشرت أول ديوان شعري لها عام 1952. في مطلع ستينات القرن الماضي عملت في نيويورك، وأخيرا استقرت في إيطاليا. أصدرت في حياتها 22 رواية منها: تذكر الموت (1959) زهرة عمر الآنسة ﭼين برودي (1961) فتيات رقيقات الحال (1963) رئيسة دير كرو (1974)، كما صدرت لها عدة مجموعات قصصية. وتوفيت في إيطاليا في 13 أبريل (نيسان) 2006 عن 88 عاما.
وتقول بنيلوب جاردين محررة الكتاب إن سبارك، التي رحلت العام الماضي، طلبت منها أن تجمع شمل ما كتبت من مقالات ومراجعات للكتب ومساهمات صحافية ومقابلات وأحاديث إذاعية وخطب وآراء - أو، بكلمة أخرى، كل أعمالها النثرية غير القصصية. وكانت جاردين صديقة حميمة للمؤلفة تولت متابعة معاملاتها مع الناشرين، وترجمات أعمالها إلى اللغات الأجنبية، ومراسلاتها، وأرشيفها، كما صحبتها عام 1991 في رحلة إلى جزيرة سيلت ببحر الشمال (وهي تابعة لألمانيا - قرب ساحل الدانمرك).
وقد اختارت جاردين أن تقسم محتويات الكتاب إلى 4 أقسام:
فالقسم الأول يحمل عنوان «الفن والشعر» ويضم مقالات عن فن النظم، ومدينة راڤينا الإيطالية، والناقد الفني الإنجليزي ﭼون رسكين من القرن الـ19 مقارنا بناقد فني آخر من القرن العشرين هو السير هربرت ريد، والشاعر الاسكوتلندي روبرت بيرنز، و3 مقالات عن ت. س. إليوت، والشاعر الأميركي روبرت فروست، والشاعر الإنجليزي جون ميسفيلد، والفن الزخرفي، وعلاقة الفن بالسياسة، والأديبة الإنجليزية إميلي برونتي صاحبة رواية «مرتفعات وذرنغ».
والقسم الثاني من الكتاب يحمل عنوان «سير ذاتية وأسفار» ويضم ذكريات سبارك عن طفولتها حين كانت في سن العاشرة، والتعليم الذي تلقته في اسكوتلندا، وكيف أصبحت روائية، والحياة في روما، ومدينة البندقية، وإسطنبول، ومقاطعة توسكانيا، وأيامها في إيطاليا.
أما القسم الثالث فيحمل عنوان «أدب» ويضم مقالات عن فن كتابة السير والتراجم، وبطلها المفضل في الأدب (اختارت هيثكليف بطل رواية «مرتفعات وذرنغ»)، والكتب التي تحب أن تعيد قراءتها والسبب في ذلك، وتقديم روايتها «الآنسة جين برودي» على خشبة المسرح (تحولت الرواية أيضا إلى فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني)، وفن القصة القصيرة، والعنصر الخارق للطبيعة في الأدب والحياة.
كذلك يضم هذا القسم عددا من المقالات عن أدباء اللغة الإنجليزية: الشقيقات برونتي (إميلي وشارلوت وآن)، وإليزابث جاسكل، وماري شللي (مؤلفة رواية «فرانكنستين» وزوجة الشاعر شللي)، وروبرت لويس ستڤنسون مؤلف رواية المغامرات «جزيرة الكنز»، وإديث ستويل (وهي شاعرة إنجليزية ميالة إلى التجريب أثرت في الشاعر بدر شاكر السياب)، والروائي الألماني هاينريش بول، والروائي البلجيكي مؤلف القصص البوليسية جورچ سيمنون.
والقسم الرابع والأخير من الكتاب يحمل عنوان «دين وسياسة وفلسفة» ويضم مقالات عن المفكر الديني الإنجليزي جون هنري نيومان (من القرن التاسع عشر) ومواعظه ويومياته، والروائي الفرنسي مارسيل بروست صاحب رواية «بحثا عن الزمن المفقود»، وسفر أيوب من أسفار العهد القديم، والفيلسوف المسيحي الوجودي الدانمركي كيركجارد.
وينتهي الكتاب ببيان تواريخ كل هذه المقالات وأماكن نشرها في الصحف والمجلات.
وتتفاوت هذه المقالات في الطول والعمق فمنها ما يحتل صفحات كاملة، ومنها ما لا يزيد على نصف صفحة. كذلك تختلف نغمتها باختلاف المناسبات التي ولدتها. فمنها ما هو بحث معمق، ومنها ما هو مجرد رد على سؤال صحافي. ولكنها تجتمع على رسم صورة وافية لتفكير مؤلفتها وتوجهاتها وما تحب وما تكره.
إن سبارك التي اشتهرت بوصفها روائية في المحل الأول توضح هنا أنها أكثر ولعا بفن القصة القصيرة. تقول في كلمة قصيرة مؤرخة في 1989 موضحة الفرق بين هذين اللونين من الإبداع: «إن للقصة القصيرة - عموما - فكرة واحدة مهيمنة عليها على حين يجمل بالرواية أن تشتمل على عدة أفكار متداخلة - وفي رأيي أنها يجب أن تحوي أفكارا بعدد ما فيها من فصول». وتنصح الروائي أن يكتب كل فصل من روايته وكأنه قصة قصيرة، قائلة إن هذا هو ما صنعته في روايتها المسماة «بوابة ماندلباوم» (1965). وقد مكنها هذا من أن تتحدث من وجهة نظر الشخصيات المختلفة في كل فصل من الرواية. ومن مزايا هذا المنهج أنه يمكن الروائي من نشر روايته مسلسلة (حيث إن كل فصل منها يمكن أن يقوم مستقلا بذاته) وأن يبيع أجزاء الرواية للصحف والمجلات قبل نشرها في مجلد واحد.
وتضيف سبارك أن النظر إلى المسألة من وجهة النظر التجارية هذه ليس بالضرورة معاديا للإجادة الفنية. فاعتبارات التجارة لا تختلف عن أي اعتبارات أخرى في الحياة، ويجب ألا تؤثر في العملية الإبداعية. إن العدو الوحيد للفن - في نظرها - هو الفن الرديء.
وتكرر سبارك أن وجود فكرة واحدة في القصة القصيرة هو الأفضل. وتجد - من خبرتها الشخصية - أن القصة القصيرة شكل فني أصعب من الرواية. إنها - على حد تعبيرها - «شكل من أشكال القصيدة. وهي لهذا السبب وحدة صعبة، ولكنها الشكل الذي استمد منه أكبر قدر من المتعة». والمقالة الافتتاحية في الكتاب «الجزة الذهبية» (وهي الأقدم من حيث التاريخ: 1948) تروي الأسطورة الإغريقية التي يستمد منها الكتاب عنوانه. تقول الأسطورة (وهي ترجع إلى القرن الثالث ق.م.) إن شابا وشابة من أقارب ملك ثيساليا - يدعوان هيلي وفريكسوس - أثارا حفيظة زوجة أبيهما إلى الحد الذي جعلها تقرر أن تقتلهما. ولكن حال دون تنفيذ خطتها كبش ذهبي مجنح أرسلته الأرباب لكي يحمل الشاب والفتاة بعيدا. سقطت هيلي من على ظهر الكبش إلى البحر، ومن ثم أصبح الآن يدعى هليسبونت نسبة إلى اسمها. أما فريكسوس فرحل سالما إلى البحر في كولخيس. وعلى الفور قدم الكبش أضحية يشكر بها رب الأرباب زيوس. وظلت جزة الكبش الذهبية الرائعة معلقة على غصن شجرة في حديقة، يحرسها تنين ضارٍ.
وتمضي الأسطورة قائلة إن ملك ثيساليا أراد أن يتخلص من ابن أخيه جيسون - الذي كان وريثا شرعيا للعرش - فادعى أن الجزة الذهبية إنما تنتمي إلى بيته. وإذ كان يعتقد أن استرداد الجزة أمر محال فقد أمر ﭼيسون أن يجئ بها، آملا أن يلقي حتفه خلال مخاطر الرحلة. ولكن ﭼيسون لم يخف، وأرسل مناديه إلى كل أجزاء بلاد اليونان، داعين أبطال الأساطير إلى الانضمام إلى الأمير الشاب في مغامرته الخطرة. وما لبث العملاق هرقل، والمغني أورفيوس، والعراف كاثنوس، والتوأمان كاستور وبولوكس وغيرهم كثيرون أن جاءوا ليشاركوا في الرحلة. وأبحرت الجماعة، وملؤها الحماس، على ظهر السفينة أرجو، غير آبهة بأن أشد الأخطار كانت تكمن في طريق الحصول على الجزة الذهبية.
وبعد عدة مغامرات تمكن جيسون من انتزاع الجزة بمساعدة ميديا وهي أميرة من كولخيس وقعت في حبه واقترنت به. ووسط مظاهر البهجة والاحتفال عاد ﭼيسون بالجزة إلى ثيساليا. غير أنه بدلا من أن يتسلم العرش من عمه وقع شجار بينهما وحرمه العم من حقه ونفاه عن الأرض.
لقد أحسنت بنيلوب ﭼاردين صنعا بجمع هذه الأشتات المتفرقة بما يكشف عن اتساع رقعة اهتمامات سبارك وخبراتها، ويبرز الأشخاص والأماكن والأفكار التي دخلت في نسيج فنها القصصي والشعري. إن عين الروائية اللماحة تتبدى هنا حين تصف مدنا مثل البندقية وروما وراڤينا وإسطنبول. لا يدعي أحد - ولا أظن سبارك ذاتها كانت تدعي - أنها كانت ناقدة عظيمة. ولكن نقدها ممتع وكاشف لأنه امتداد لموهبتها الإبداعية، ووثيق الصلة بها.
ميريل سبارك.. البحث عن الجزة الذهبية
صدرت لها الأعمال النثرية الكاملة بعد 8 سنوات من رحيلها
ميريل سبارك.. البحث عن الجزة الذهبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة