تقنيّة الحمض الريبي عنوان جديد لتطوير العلوم الطبية

تقنيّة الحمض الريبي عنوان جديد لتطوير العلوم الطبية
TT

تقنيّة الحمض الريبي عنوان جديد لتطوير العلوم الطبية

تقنيّة الحمض الريبي عنوان جديد لتطوير العلوم الطبية

بعد أن طغى الحديث في الأوساط العلمية خلال الأشهر الأخيرة من العام الذي انقضى عن تقنيّة الحمض النووي الريبي (RNA) المبتكرة التي تستخدم لإنتاج اللقاحات التي يعوّل عليها العالم في حربه الصحيّة والاقتصادية ضد جائحة «كوفيد - 19»، بات من شبه المؤكد أن تكون جائزة نوبل للطب هذه السنة من نصيب الباحثين الذين كان لهم الباع الأطول في تطوير هذا التقنية التي تفتح أيضاً أبواباً واسعة لتطوير علاجات ولقاحات ضد العديد من الأمراض المستعصية.
لكن خلافاً للاعتقاد السائد بأن هذه التقنية هي وليدة الأبحاث المكثّفة والسريعة خلال الأشهر المنصرمة، تذكّر الأوساط العلمية بأن عشرات الباحثين ينشطون منذ نحو ثلاثة عقود لتطويرها، بعيداً عن أنوار الإعلام الكاشفة وبموارد محدودة جداً، بهدف إنتاج علاجات لبعض الأورام السرطانية.
يعد الحمض النووي الريبي «الخليّة الإعلامية» الأقدم في الجسم البشري، أي تلك التي تحوي الجينات الوراثية الجذعية، ولها وظيفتان أساسيتان: التناسخ الذاتي، ونقل الرسائل والتعليمات المشفّرة إلى الخلايا الأخرى.
وبعد أن كان العلماء يرون لسنوات، أن الحمض النووي (DNA) هو الذي يقوم بهاتين الوظيفتين، بيّنت الاكتشافات الحديثة التي تمّت في عدد من مراكز البحوث العلمية الكبرى أن الحمض الريبي هو الخليّة الجذعية التي انبثقت منها الحياة البشرية قبل نحو 4 آلاف مليون سنة.
وكان الإيضاح العلمي الأول لتقنية (RNA) المستخدمة في لقاحي «فايزر» و«موديرنا» قد تمّ قبل ثلاثين عاماً في جامعة ويسكونسن الأميركية عندما بيّنت التجارب المخبرية أن حقن هذه المادة مباشرة في عضلة الجرذان، يجعل الخلايا تقرأ المعلومات المحمولة إليها. وكانت تلك التجارب المخبرية قد استخدمت المادة البروتينية التي تلمع على جسد حشرة «سراج الليل» لسهولة رصدها، أما لقاح «فايزر» فهو يحمل فيروس «كورونا» المطوّر مخبرياً لتنقله الحقنة إلى الخلايا، فتدفع الجسم إلى إنتاج المادة البروتينية التي تغلّف الفيروس وتستدرج جهاز المناعة ليتعرّف عليها ويصبح جاهزاً للرد والدفاع عن الجسم عندما يدخل إليه الفيروس الطبيعي.
ثلاثون عاماً إذن مرّت منذ التجربة المخبرية الأولى حتى تطوير اللقاحات ضد «كوفيد - 19»، بعد تذليل عقبات عديدة معظمها ناجم عن هشاشة مادة الحمض الريبي التي تدمّرها بسهولة الخمائر (الإنزيمات) الموجودة بوفرة في اللعاب والعَرَق على امتداد الجسم البشري. وكان لا بد بالتالي من استنباط وسيلة لتغليف هذه المادة وحمايتها لتمكينها من الدخول إلى الخلايا من غير أن تفقد قدرتها على التفاعل ونقل التعليمات والرسائل. وكان لا بد أيضاً من تعزيز قدرة الجزيئات على اختراق غشاء الخلايا، الأمر الذي جعل هذه الاختبارات غير مغرية بالنسبة للجهات المموّلة التي كانت تفضّل الاستثمار في الأساليب التقليدية لتطوير اللقاحات.
لكن مع بداية العقد الماضي استشعر بعض الشركات الكبرى أن تطوير أدوية وعلاجات بالتقنية التي تعتمد على الحمض الريبي، من شأنه أن يوفّر مزايا كبيرة مقارنةً بالأدوية والعلاجات المطوّرة بالتقنيات التقليدية، وقررت زيادة استثماراتها لتمويل بحوث تطويرها، مثيرةً بذلك بعض الريبة في أوساط الرأي العام من حيث سلامتها، رغم أن الحمض النووي الريبي يحمل معلومات إلى الخلايا لكنه عاجر عن استنساخها وبالتالي ليس سارياً. يضاف إلى ذلك، أنه غير قادر على دخول الجينوم البشري، وبالتالي تنعدم إمكانية التحوّر بسبب من إدخال المادة الفيروسية إلى الخلايا. وكما تبيّن في الأشهر الأخيرة، يمكن تطويره وإنتاجه بسرعة وفاعلية على نطاق واسع.
ولا يُخفي الإخصائيون في العلوم الفيروسية والوبائيات دهشتهم من السرعة التي تمّ بها تطوير لقاحي «فايزر» و«موديرنا»، حيث إن تطوير اللقاحات يستغرق عادةً نحو عشر سنوات، وأن الرقم القياسي حتى الآن كان لتطوير لقاح ضد التهاب الغدّة النكفيّة، المسبب لحمّى النكاف عند الأطفال، الذي استغرق أربع سنوات في ستينات القرن الماضي.
هذا الرقم القياسي الجديد في سرعة تطوير اللقاح كان مصدر تفاؤل كبير في الأوساط العلمية التي باتت على يقين بالقدرة على تطوير لقاحات في أقل من سنة، إذا توفّرت الموارد لذلك، خصوصاً أن علماء الفيروسات يجزمون بأن العالم مُقبل على جائحات أخرى في المستقبل، وأن سرعة تطوير اللقاحات ضدها ستكون حاسمة لدرء التداعيات الصحية والاقتصادية الهائلة التي نجمت عن «كوفيد - 19».
ويُذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد نبّهت مراراً في الأشهر المنصرمة إلى أن الالتهابات الرئوية والملاريا والسلّ تقضي على الملايين كل عام في البلدان النامية، وأن الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات ضدها لا تستقطب الاستثمارات الكافية لإجرائها كما حصل مع «كوفيد - 19».
وتجدر الإشارة أن اللقاحات في نهاية المطاف ليست سوى خدعة أو وسيلة علمية لإقناع جهاز المناعة ليكون حليفاً لنا في مواجهة الأجسام الغريبة الغازية. والاندهاش الذي ساد الأوساط العلمية إزاء هذه التقنية المبتكرة لتطوير اللقاحات، يجب ألا ينسينا القدرة الإبداعية المذهلة للتطور البيولوجي الطبيعي. فجهاز المناعة البشرية يملك مستشعرات تسمح له برصد جميع أنواع المواد البروتينية السارية، أي أنه قادر على التمييز بين المواد الغازية ومئات الآلاف من الجزيئات الذاتية الموجودة في الجسم البشري. وعندما تعتلّ هذه القدرة على التمييز ينشأ أحد الأمراض ذاتية المناعة التي يُعرف منها اليوم نحو الخمسين ويشكّل معظمها أحد الحواجز الكبرى المستعصية في مسيرة العلوم الطبية.
لكن الأغرب من كل ذلك هي قدرة جهاز المناعة على استيعاب المعلومات والتكيّف. فعندما تنتج الخلايا مضادات الأجسام التي تتعرّف على المادة الغريبة الغازية، تنشط الخلايا الأم وتبدأ بالتكاثر استعداداً لمواجهتها بعد أن تكون قد سجّلت مواصفاتها وطرائق تفاعلها. أما منتهى الغرابة فهو أن جهاز المناعة ذاته ناشئ عن فيروس قديم خامل.



«الجنائية الدولية» ترفض طعن منغوليا في قرار يدين عدم توقيفها بوتين

لحظة وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى منغوليا (رويترز)
لحظة وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى منغوليا (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» ترفض طعن منغوليا في قرار يدين عدم توقيفها بوتين

لحظة وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى منغوليا (رويترز)
لحظة وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى منغوليا (رويترز)

رفضت المحكمة الجنائية الدولية، الجمعة، طلب استئناف تقدمت به منغوليا ضد قرار أكد انتهاكها التزاماتها بعدم توقيفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارة أجراها للبلاد.

وزار الرئيس الروسي منغوليا في أوائل سبتمبر (أيلول) رغم صدور مذكرة توقيف بحقّه من المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرّاً، بشبهة الترحيل غير القانوني لأطفال أوكرانيين بعد غزو أوكرانيا عام 2022.

وقالت المحكمة في قرارها: «إنها رفضت طلب منغوليا بالحصول على إذن بالاستئناف»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، اتهمت المحكمة الجنائية الدولية منغوليا، وهي دولة عضو، بالفشل في اعتقال بوتين، وأحالت المسألة على جمعية الدول الأطراف لاتخاذ مزيد من الإجراءات.

وينص نظام روما، وهو المعاهدة التأسيسية للمحكمة التي وقّعتها جميع الدول الأعضاء، على التزام الدول بتوقيف المطلوبين.

مسؤول عن «جريمة حرب»

وبعد أيام من صدور القرار، تقدّمت منغوليا بطلب للحصول على إذن باستئنافه، فضلاً عن استبعاد اثنين من القضاة، لكن المحكمة رفضت، الجمعة، طلبي منغوليا.

وقال القضاة إن قرار المحكمة، وإحالة المسألة على جمعية الدول الأطراف، لا يمكن استئنافهما، لأنهما «لا يُشكلان حكماً رسمياً للمحكمة بشأن جوهر القضية أو بشأن مسألة إجرائية».

وأضاف القضاة أن القرار كان «تقييماً للامتثال في ما يتعلق بواجب التعاون مع المحكمة».

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين في مارس (آذار) 2023. وقالت حينها إن هناك «أسباباً معقولة» للاعتقاد بأن بوتين «يتحمل المسؤولية عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني» لأطفال أوكرانيين إلى روسيا.

ورفضت موسكو مذكرة التوقيف وعَدّتها باطلة، لكن زيارة بوتين إلى منغوليا كانت الأولى لدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية خلال 18 شهراً منذ صدور المذكرة.

وألغى الرئيس الروسي العام الماضي زيارة إلى قمة مجموعة «بريكس» في جنوب أفريقيا، العضو في المحكمة الجنائية الدولية، بعد ضغوط داخلية وخارجية على بريتوريا لتوقيفه.