تراجع اهتمام الصين بـ«شراكة استراتيجية» مع حكومة روحاني

نائب إيراني لا يستبعد إمكانية التفاوض بين بايدن والمحافظين

صورة نشرها موقع «المرشد» علي خامنئي من استقباله الرئيس الصيني شي جينبينغ في يناير 2016
صورة نشرها موقع «المرشد» علي خامنئي من استقباله الرئيس الصيني شي جينبينغ في يناير 2016
TT

تراجع اهتمام الصين بـ«شراكة استراتيجية» مع حكومة روحاني

صورة نشرها موقع «المرشد» علي خامنئي من استقباله الرئيس الصيني شي جينبينغ في يناير 2016
صورة نشرها موقع «المرشد» علي خامنئي من استقباله الرئيس الصيني شي جينبينغ في يناير 2016

كشف نائب إيراني عن تراجع اهتمام الصين بالمضي قدماً في توقيع اتفاقية استراتيجية تمتد لـ25 عاماً مع حكومة حسن روحاني، بانتظار الحكومة الإيرانية الجديدة التي تبدأ مهامها الرسمية مطلع أغسطس (آب) المقبل.
وأجرت الصين وإيران مشاورات لتوقيع اتفاقية شراكة اقتصادية وأمنية، تمهد الطريق أمام تدفق مليارات الدولارات عبر استثمار صيني داخل إيران، وقدرت وسائل إعلام قيمتها بـ400 مليار دولار.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في يوليو (تموز) الماضي، مسودة للاتفاق، تكشف توسيع نطاق الوجود الصيني في قطاعات الصرافة والاتصالات عن بعد والموانئ والسكك الحديدة، إضافة إلى عشرات من المشروعات الأخرى، مقابل الحصول على إمدادات منتظمة من النفط الإيراني على مدار عقدين ونصف.
وتفتح الوثيقة الباب على توسيع التعاون في المجال العسكري، ومجالات الأبحاث وتطوير الأسلحة والتعاون الاستخباراتي.
والاتفاقية مبادرة صينية طرحت على طهران لأول مرة من جانب الرئيس الصيني، شي جينبينغ، أثناء لقائه مع «المرشد» علي خامنئي، قبل أن يؤكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في يوليو الماضي، نية حكومة حسن روحاني المضي قدماً في توقيع الاتفاقية.
وقال النائب فدا حسين مالكي، في تصريح لموقع «انتخاب» المقرب من أوساط الحكومة الإيرانية، إن «بعض الدول؛ بما فيها الصين في اتفاق الشراكة لمدة 25 عاماً، تتوقع وتفترض أنها يمكنها المضي قدماً في ذلك لاحقاً» وأضاف: «الصينيون لا يرغبون في تنفيذ الاتفاق مع الحكومة الحالية. إنهم ينتظرون الحكومة التالية التي يعتقد أنها ستكون محافظة».
في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفادت صحيفة «فرهيختغان» المقربة من علي أكبر ولايتي، مستشار «المرشد» الإيراني للشؤون الدولية، بأن «الصينيين توصلوا إلى نتيجة مفادها بأن التعاون مع المؤسسة الحاكمة والنظام أفضل من الحكومة»، مشيرة إلى أن بكين تريد التوصل إلى اتفاق مع النظام بأكمله، قبل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية الشراكة.
وأشارت الصحيفة إلى أن بكين تعتقد أن سبب التأخير في تقدم الاتفاقية يعود إلى شكوك في عزم حكومة روحاني على التقدم بالعلاقات الاستراتيجية، خصوصاً بعد انفتاح اقتصادي إيراني على الشركات الأوروبية عقب توقيع الاتفاق النووي، وتراجع طهران من مشروعات نفطية مع بكين. وأفادت الصحيفة بأن الجانب الصيني أبلغ انزعاجه من «الالتفاف» الإيراني.
وقال فدا مالكي، أمس، إن «المحافظين يأخذون القضايا الكبيرة والمصالح الوطنية أكثر من الإصلاحيين على محمل الجد، وحريصون على أخطاء أقل أو عدم ارتكابها؛ وهذه حقيقة». وأضاف: «الوضع في البلاد اليوم ليس جيداً، وشعبنا ليس في مزاج جيد، معاشه اليومي يمر بصعوبة؛ بطالة الشباب لا تطاق. من المؤسف أن حكومة الاعتدال والإصلاحات، مجرد متابع جيد، وتكيل بمكيالين».
وبذلك، فإن النائب لم ينف ما يتردد عن انفتاح المحافظين على الجلوس إلى طاولة مفاوضات طرفها الآخر الولايات المتحدة، وقال إنه في هذا «تتنافس» الأجنحة والأحزاب السياسية؛ «لأن القضية تخص المصالح الوطنية، وأي من المحافظين والإصلاحيين يجب ألا يتخطوا الخطوط الحمر في هذا المجال».
من هنا أشار النائب إلى أن «رغبة» التفاوض بين الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن والمحافظين «مطروحة» و«هناك مؤشرات على هذه القضية»، وأضاف: «القضية المهمة لنا هي: حول ماذا يريد الأميركان التفاوض». وتابع: «إذا كان قرارهم التفاوض حول الاتفاق النووي، فنحن لن نقبل. يجب عليهم أولاً التحدث عن تعويض ما تأخر من تعهدات في الاتفاق النووي، لأن ملف الاتفاق النووي أغلق من الأساس ولا معنى للتفاوض، وإذا كان موضوع التفاوض حول موضوعات أخرى، فيجب أن تتضح لكي تعلن إيران موقفها من قبول التفاوض أو عدمه».
ويعلق مؤيدو الاتفاق آمالاً كبيرة على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بعدما أبدى رغبته في إنقاذ الاتفاق الذي حاول الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب إلغاءه.
وقبل 3 أسابيع، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في كلمة أمام مؤتمر في روما عبر تقنية الفيديو: «لا يمكن إعادة التفاوض على (خطة الاتفاق النووي)، لكن يمكن إحياؤها». وقال عن إدارة بايدن إن «الولايات المتحدة عليها التزامات. إنها ليست في وضع يسمح لها بفرض شروط».
وكان ظريف قد عرض في مناسبات عدة على الولايات المتحدة التفاوض في إطار جلسات الدول الموقعة على الاتفاق النووي، دون أن يفصح عن المجالات التي يرغب في التفاوض حولها.
ولاحقاً، قلل الرئيس حسن روحاني من الحاجة إلى التفاوض على الاتفاق النووي، عادّاً أن العودة الأميركية «لا تتطلب سوى توقيع» من بايدن.
وفي مناسبة أخرى، استبعد روحاني فكرة مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي، أو «اتفاق أقوى»، وقال إن ملفي «البرنامج الصاروخي» و«الدور الإقليمي» «غير مرتبطين بالاتفاق النووي»، لكنه تراجع بشكل ملحوظ عن شروط وردت على لسان مسؤولين بالحكومة حول ضرورة تعويض خسائر الاتفاق النووي.
في نهاية الشهر الماضي، عرض روحاني على بايدن عودة الأوضاع بين الطرفين إلى ما قبل تولي الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترمب، في يناير (كانون الثاني) 2017، لـ«تغيير المسار بشكل كامل» و«متابعة المراحل التالية في مجالات مختلفة» في إشارة ضمنية إلى استعداده للتفاوض.
وتتطلع إدارة روحاني والأوساط المؤيدة لها، إلى استثمار القلق الغربي من فوز رئيس محافظ في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، لمنح دفعة في قنوات التواصل مع الدول الأوروبية وإدارة بايدن، في محاولة لتجميد استراتيجية «الضغط الأقصى» التي أقرتها إدارة ترمب لتعديل سلوك إيران في المجالين «الصاروخي» و«الإقليمي».
ودخل فريق روحاني في سجال مع وسائل الإعلام المحافظة ومكتب «المرشد» الإيراني، بعدما أبرزت عبارات مشتركة بين خامنئي وروحاني حول الإسراع في رفع العقوبات دون تأخير ساعة واحدة، بينما تجاهلت أجزاء من تصريحاته تدعو الحكومة الإيرانية إلى التفكير في «إجهاض» مفاعيل التفاوض قبل انتظار رفعها من قبل الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن أوامر خامنئي بإعادة النقاش حول مشروع الانضمام إلى مجموعة «فاتف» المعنية بمراقبة تمويل الإرهاب وغسل الأموال، أرسلت مؤشرات إيجابية لإدارة روحاني ومن ينتظرون تولي بايدن السلطة الشهر المقبل، لإحياء الاتفاق النووي.
وهذا الأسبوع، أكد رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، صادق لاريجاني، إعادة النقاش حول لوائح حكومية بشأن مجموعة «فاتف»، لكنه اتهم الحكومة بالسعي وراء افتعال الأجواء لتمرير القانون.
وقال المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، أمس إن «(فاتف) تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على كل تحويلاتنا المالية والتجارية»، وكرر ما قاله مسؤولون في إدارة روحاني من «صعوبة» في شراء لقاح «كورونا» نتيجة العقوبات.
ونقلت وكالة «مهر» الحكومية، عن محسن مجتهد بستري، عضو «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، قوله، أمس، إنه «لا يمكن التكهن بنتيجة النقاش حول لوائح (فاتف)، لكنني قد أعلنت رأيي سابقاً ولم يتغير، ولا أعتقد أن رأي السادة الآخرين قد تغير في هذا المجال».
وقال النائب بهروز محبي نجم آبادي، للوكالة إن «(فاتف) تأتي في سياق زيادة العقوبات على إيران». وأضاف: «البرلمان و(مجلس صيانة الدستور) يعارضان (فاتف)، وتجري مناقشتها في (مجلس تشخيص مصلحة النظام)».
في المقابل؛ يتعقد الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، حشمت الله فلاحت بيشه، أن إعادة إدراج بلاده في القائمة السوداء لمجموعة «فاتف»، في فبراير (شباط) الماضي، أدت إلى «مواجهة عقوبات مضاعفة».
وقال فلاحت بيشه لوكالة «إرنا» الرسمية، أمس، إن موافقة خامنئي على طلب الرئيس الإيراني «تمديد فترة النقاش حول (فاتف)، هي، نوعاً ما، ضوء أخضر للدبلوماسية».



أوجلان يشيد بـ «اتفاق 10 مارس»


رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
TT

أوجلان يشيد بـ «اتفاق 10 مارس»


رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)
رجل يمر أمام جدارية لأنصار «قسد» في القامشلي تُظهر علمها وصورة لزعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا عبد الله أوجلان (أ.ف.ب)

وأعياد صاخبة لكسر الخوف عدَّ زعيم «حزب العمال الكردستاني»، السجين في تركيا عبد الله أوجلان، اتفاقَ 10 مارس (آذار) الموقع بين «قوات سوريا الديمقراطية» والحكومة السورية، نموذجاً للحكم الذاتي المشترك، داعياً أنقرة إلى لعب دور يسهل تنفيذه.

وحثَّ أوجلان، في رسالة بمناسبة العام الجديد نشرها حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد في تركيا على «إكس»، الثلاثاء، أنقرةَ على أداء دور تيسيري وبنّاء يركّز على الحوار في هذه العملية.

وجاءت رسالة أوجلان في الوقت الذي كادت تنتهي فيه المهلة المحددة لتنفيذ «اتفاق 10 مارس» نهاية العام الحالي، وسبقتها رسالة كشفت عنها وسائل إعلام تركية قريبة من الحكومة، الأسبوع الماضي، بعث بها إلى مظلوم عبدي مطالباً فيها بإنهاء وجود العناصر الأجنبية ضمن صفوف «قسد».


احتجاجات إيران من البازار إلى الجامعات

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
TT

احتجاجات إيران من البازار إلى الجامعات

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء
صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

اتَّسعتِ الاحتجاجات في إيران مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى الجامعات وعدد من المدن، في تطوّر لافت للحراك الذي بدأ الأحد، على خلفية تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتراجع الريال إلى مستويات قياسية، وارتفاع معدلات التضخم وتزايد الضغوط المعيشية.

وأفادت وسائل إعلام إيرانية بتنظيم مظاهرات طلابية في جامعات عدة بالعاصمة، إضافة إلى أصفهان، مع تسجيل تجمعات في كرمانشاه وشيراز ويزد وهمدان وأراك، وحضور أمني مكثف في مشهد.

ودعتِ الحكومة إلى التهدئة عبر الحوار، إذ أعلن الرئيس مسعود بزشكيان تكليفَ وزير الداخلية الاستماعَ إلى «المطالب المشروعة» للمحتجين. في المقابل، حذّر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات «استغلال الاحتجاجات».

وقالتِ المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا»، إنَّ تقلباتِ السوق ترتبط أساساً بالأجواء السياسية والحديث عن الحرب. وأضافت: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعالَ نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة».


احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
TT

احتجاجات إيران تنتقل من البازار إلى الجامعات

صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران
صورة نشرها حساب الخارجية الأميركية الناطق بالفارسية تُظهر انتشار قوات مكافحة الشغب الإيرانية وسط طهران

اتسعت الاحتجاجات في إيران لليوم الثالث على التوالي، مع انتقالها من الأسواق التجارية في طهران إلى جامعات ومدن أخرى، في وقت تزامن فيه الحراك مع إجراءات أمنية وتحذيرات رسمية، وخطوات حكومية اقتصادية طارئة وإعلانات عن تعطيل مؤسسات عامة.

وبينما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الإنصات للمحتجين عبر الحوار، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من محاولات استغلال التطورات، وسط تفاعلات داخلية وخارجية رافقت أحدث موجة من الاحتجاجات، عكست حساسية المرحلة التي تمر بها البلاد.

وفي تطور لافت، برز انضمام طلاب الجامعات إلى الحراك الاحتجاجي. وأفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية بأن مظاهرات طلابية نُظّمت في عدد من الجامعات بطهران، إضافة إلى مدينة أصفهان وسط البلاد. وحسب الوكالة، شملت التحركات جامعات «بهشتي، وخواجة نصير، وشريف، وأمير كبير، وجامعة العلوم والثقافة، وجامعة العلوم والتكنولوجيا» في طهران، إلى جانب جامعة التكنولوجيا في أصفهان.

كما أظهرت مقاطع فيديو متداولة تجمعات ومسيرات طلابية تضامناً مع الاحتجاجات على الغلاء والأزمة الاقتصادية، فيما رددت شعارات احتجاجية مناهضة لنظام الحكم، في بعض الجامعات، وفق ما نقلته قنوات طلابية على تطبيق «تلغرام». وفي مقطع فيديو نُشر من تجمع احتجاجي في شارع ملاصدرا بطهران، يظهر محتجون يرددون شعار: «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران».

طهران تستعد للذكرى السادسة لمقتل الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية يناير 2020 في بغداد (إ.ب.أ)

وأفاد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية في طهران بأن معظم المتاجر والمقاهي في العاصمة كانت مفتوحة كالمعتاد، صباح الثلاثاء، على امتداد جادة ولي عصر، التي تمتد لمسافة 18 كيلومتراً من شمال العاصمة إلى جنوبها، رغم استمرار الاحتجاجات في مناطق أخرى. وأضافت الوكالة أن شرطة مكافحة الشغب كانت تراقب الساحات الرئيسية في وسط المدينة، من دون الإشارة إلى مواجهات واسعة النطاق خلال ساعات النهار.

في المقابل، أظهرت صور ومقاطع فيديو من مناطق أخرى، من بينها ميدان شوش، استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين، إضافة إلى دخول قوات أمنية إلى بعض الأسواق وتهديد التجار بإعادة فتح محالهم.

إلى جانب طهران وأصفهان، أفادت تقارير إعلامية بوقوع تجمعات احتجاجية في مدن أخرى، من بينها كرمانشاه، وشيراز، ويزد، وهمدان وأراك، فضلاً عن كرج وملارد وقشم خلال اليومين السابقين. وفي سياق امتداد التحركات إلى مدن أخرى، أظهرت الصور وجوداً كثيفاً لقوات الأمن ومكافحة الشغب في مشهد، ثاني كبريات المدن في البلاد، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية وشبكات اجتماعية.

بالتزامن مع الاحتجاجات، أفادت وسائل إعلام رسمية بأن مدارس ومصارف ومؤسسات عامة ستغلق في طهران و19 محافظة أخرى، الأربعاء، بسبب موجة البرد ولتوفير الطاقة. وأوضحت السلطات أن هذا القرار لا يرتبط بالاحتجاجات، مشيرة إلى أن المراكز الطبية والإغاثية، والوحدات الأمنية، وفروع البنوك المناوبة، مستثناة من التعطيل.

حسب مصادر محلية، جاءت الاحتجاجات رداً على الغلاء المتزايد، والتضخم المرتفع، وتراجع القدرة المعيشية. وسجل الريال الإيراني، وفق سعر السوق السوداء غير الرسمي، مستوى قياسياً جديداً مقابل الدولار، الأحد، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 1.4 مليون ريال، مقارنة بنحو 820 ألف ريال قبل عام، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

إيرانية تمر من دار صرافة بينما تظهر أسعار العملة الثلاثاء (رويترز)

ورغم تسجيل تحسُّن طفيف في قيمة العملة، الاثنين، فإن تقلبات سعر الصرف المستمرة أدت إلى تضخم مرتفع وتقلبات حادة في الأسعار، حيث ترتفع بعض أسعار السلع من يوم لآخر.

انطلقت التحركات، الأحد الماضي، من أكبر أسواق الهواتف المحمولة في طهران، حيث أغلق تجار محالهم بشكل عفوي احتجاجاً على الركود الاقتصادي وتدهور القدرة الشرائية، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.

وتوسعت الاحتجاجات لتشمل مناطق أوسع من وسط العاصمة، حيث واصل التجار إغلاق محالهم ونظموا تجمعات محدودة، تعبيراً عن استيائهم من الانخفاض السريع لقيمة الريال تحت وطأة العقوبات الغربية.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية أن عدداً من التجار فضلوا تعليق أنشطتهم «لتجنب خسائر محتملة»، في وقت ترددت فيه شعارات احتجاجية داخل بعض الأسواق.

وفق مركز الإحصاء الإيراني الرسمي، بلغ معدل التضخم في ديسمبر (كانون الأول) نحو 52 في المائة على أساس سنوي. غير أن وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة «اعتماد»، أشارت إلى أن هذه النسبة لا تعكس بالكامل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.

ونقلت الصحيفة عن أحد المتظاهرين قوله: «لم يدعمنا أي مسؤول أو يسعَ لفهم كيف يؤثر سعر صرف الدولار على حياتنا»، مضيفاً: «كان يجب أن نظهر استياءنا».

الحكومة وخيار الحوار

في وقت متأخر الاثنين، دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للاستماع إلى «المطالب المشروعة» للمتظاهرين. وقال بزشكيان، في منشور على منصة «إكس» نقلته وكالة «إرنا»: «طلبت من وزير الداخلية الاستماع إلى مطالب المحتجين المشروعة من خلال الحوار مع ممثليهم، حتى تتمكن الحكومة من التصرف بمسؤولية وبكل ما أوتيت من قوة لحل المشاكل والاستجابة لها».

كما أشار إلى أن «معيشة الناس» تشكل هاجسه اليومي، مؤكداً أن الحكومة تضع «إجراءات أساسية لإصلاح النظام النقدي والمصرفي والحفاظ على القوة الشرائية» على جدول أعمالها.

وقالت المتحدثة باسم ‌الحكومة، ⁠فاطمة ​مهاجراني، إنه ‌سيتم إطلاق آلية حوار تشمل إجراء محادثات مع قادة الاحتجاجات.

وحسب وكالة «مهر» شبه الرسمية، التقى بزشكيان، الثلاثاء، مسؤولين نقابيين، واقترح عدداً من الإجراءات الضريبية المؤقتة التي يفترض أن تساعد الشركات لمدة عام، في محاولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.

ولم تورد الوكالة تفاصيل إضافية عن طبيعة هذه الإجراءات أو آلية تنفيذها.

وقالت مهاجراني، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام رسمية، إن الحكومة «ستستمع بصبر حتى لو واجهت أصواتاً حادة». ونقلت «رويترز» قولها في هذا الصدد: «نتفهم الاحتجاجات... نسمع أصواتهم وندرك أن هذا نابع من الضغط الطبيعي الناجم عن الضغوط المعيشية على الناس». وأضافت أن الحكومة «تعترف بالاحتجاجات»، وتؤكد «حق التجمعات السلمية المعترف به في دستور الجمهورية الإسلامية».

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» من ثاني أيام احتجاجات البازار (أ.ب)

وكانت إيران قد شهدت خلال الأعوام الماضية احتجاجات واسعة لأسباب اقتصادية واجتماعية، من بينها موجة 2022 التي اندلعت عقب وفاة مهسا أميني، وتعاملت معها السلطات بإجراءات أمنية مشددة.

وأشارت مهاجراني إلى أن الحكومة تعمل على «إعداد برنامج للظروف الطارئة»، موضحة أن اجتماعاً للفريق الاقتصادي عُقد لوضع برنامج لإدارة الوضع الاقتصادي على المدى القصير، ضمن إطار زمني يقارب 15 شهراً، بهدف تحقيق الاستقرار.

وكانت الحكومة قد أعلنت، الاثنين، استبدال حاكم البنك المركزي. وقال مهدي طباطبائي، مسؤول الإعلام في الرئاسة الإيرانية، في منشور على منصة «إكس»: «بقرار من الرئيس، سيتم تعيين عبد الناصر همتي حاكماً للبنك المركزي».

ويعود همتي إلى هذا المنصب بعد أن كان البرلمان قد عزله في مارس (آذار) الماضي من منصبه كوزير للاقتصاد، بسبب فشله في معالجة المشاكل الاقتصادية في ظل الانخفاض الحاد لقيمة الريال، حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

يواجه الاقتصاد الإيراني صعوبات متراكمة جراء عقود من العقوبات الغربية، التي ازدادت وطأتها بعد إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب انهيار الترتيبات المرتبطة بالاتفاق النووي. وحسب تقارير اقتصادية، ساهمت هذه العقوبات في تقييد التجارة الخارجية، والضغط على العملة الوطنية، ورفع معدلات التضخم.

تحذيرات البرلمان

في المقابل، حذر رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف من مخاطر «استغلال التظاهرات لبث الفوضى والاضطرابات».

وأعلن قاليباف أن النواب عقدوا اجتماعاً مغلقاً لبحث التطورات الأخيرة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية حول جدول الأعمال أو مخرجات الجلسة.

صورة نشرتها وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعكس جانباً من احتجاجات طلاب جامعات طهران الثلاثاء

وقال قاليباف، في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي، إن «الأعداء» يسعون إلى جر مطالب الناس إلى الفوضى، مضيفاً أن الشعب «سيمنع انحراف الاحتجاجات».

وقالت المتحدثة باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان، النائبة فاطمة مقصودي، لوكالة «إيلنا» إن تقلبات سوق العملة والذهب ترتبط أساساً بالأجواء السياسية وتصريحات قادة دوليين ومحليين، لا بتطورات اقتصادية فعلية، مؤكدة أن تصاعد الحديث عن الحرب أو صدور خبر واحد كفيل بدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وأضافت مقصودي: «يكفي أن يقول ترمب لنتنياهو: تعال نشرب قهوة، حتى ترتفع أسعار العملات فجأة. إذا تحدث نتنياهو بكلمة واحدة، فترتفع الأسعار».

في الداخل، أفاد عدد من مستخدمي الهواتف المحمولة بتلقي رسائل نصية تحذيرية من جهاز استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني، تحذرهم من المشاركة في تجمعات وصفت بأنها «غير قانونية»، حسبما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي.

ردود داخلية وخارجية

على الصعيد السياسي، أصدر حزب «نهضت آزادى (حركة الحرية)» رسالة مفتوحة انتقد فيها أداء الحكومة، معتبرة أن «تجاوز التحديات من دون إصلاح بنيوي لن يكون سوى وهم». وقالت الحركة إن سجل الحكومة خلال العام ونصف العام الماضيين «غير قابل للدفاع عنه إلى حد كبير، ولا ينسجم مع مطالب الشعب».

كما وصف مصطفى تاج زاده، السجين السياسي ونائب وزير الداخلية السابق، الاحتجاجات بأنها «حق» للمواطنين، معتبراً أن جذور الأزمة تعود إلى «البنية السياسية الحاكمة»، حسبما نقلت منصات إعلامية معارضة.

في الخارج، عبّر رضا بهلوي، نجل آخر شاه لإيران، عن دعمه العلني للاحتجاجات، معتبراً أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيستمر «ما دام هذا النظام في السلطة». وفي رسالة نشرها على منصة «إكس»، دعا بهلوي مختلف فئات المجتمع إلى الانضمام للاحتجاجات، كما وجه نداءً إلى القوات الأمنية والعسكرية بعدم الوقوف في وجه المحتجين، لصالح «نظام في طور الانهيار».

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، عبر حسابها الناطق بالفارسية على منصة «إكس»، دعمها لما وصفته بـ«صوت الشعب الإيراني»، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس حالة السخط الواسع من «السياسات الفاشلة وسوء الإدارة الاقتصادية».

ودعت الوزارة السلطات الإيرانية إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين والاستجابة لمطالبهم المشروعة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تتابع التطورات عن كثب. وفي منشورات لاحقة، نشرت الخارجية الأميركية مقاطع مصورة من مدن إيرانية عدة، مشددة على أن موقف واشنطن ينسجم مع دعمها المعلن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وقال مايك والتز، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، إن الشعب الإيراني يريد الحرية وقد عانى سنوات من حكم رجال الدين.

في إسرائيل، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على الاحتجاجات الجارية في إيران عبر رسالة مصوّرة نشرها على منصة «إكس»، قال فيها إن المتظاهرين الإيرانيين يستحقون «مستقبلاً أفضل» و«شرق أوسط أكثر استقراراً». واعتبر بينيت أن ما يجري يعكس، على حد تعبيره، فشل السياسات الاقتصادية والسياسية في طهران، موجهاً حديثه مباشرة إلى المحتجين.